إدريس… الثائر العاشق
يمكث إدريس منذ نحو أسبوع رفقة مجموعة مؤلفة من خمسة عشر شخصا، بغابة على مقربة من حدود إحدى الدول في طريق اللجوء نحو أوربا.
إدريس شاب سوري في العقد الثالث من عمره، ذو بشرة مائلة للسمار له شعر رمادي طويل مسدول على كتفيه، متوسط القامة، بشوش يرتدي في غالب الأحيان سروال جينز أسود وسترة بنية اللون المفضلان لدى حبيبته.
ودع إدريس حيه ومدينته وبلده ليس فقط لأنه كان ناشطا في بدايات الحركة الاحتجاجية أسوة بغالبية أقرانه، أو لأنه مطلوبا لأكثر من جهة في بلده، والذي مزقته الحروب وتناوب أمراء الحرب على اغتصابه، بل لأن ثورة هيامه الكبرى أيضاً انهارت،بفعل خيانة كما يعتقد.
يسرد إدريس قصة حبه كثيراً لمجموعته المرافقة له، ويذكر كيف نبض قلبه لإحدى الأميرات في الخلق والجمال من الحي الذي كان يسكن فيه، قبل اندلاع شرارة ثورة الشعب بأكثر من ثلاث سنوات ونصف، وكيف تعاهدا على السير قدما للوصول إلى العش المزخرف بهمسات الغزل والعشق معا، بالرغم من كل الصعوبات والتحديات.
لم يتوقع يوماً أن تتركه من أجل المال، لم يتوقع أن يكون الفقر هو السبب الذي سيجعله تائهاً، لم يتوقع أن يحدث ذلك في وقت كانت الآفاق بدأت تفتح أمامه، وهو يهيئ نفسه لخطوبتها لم يتوقع الكثير من الأشياء.
في الغابة الجو حار، والرطوبة عالية إنهم في شهر تموز، الغذاء يكاد ينفذ، يعدون أنفسهم للعبور خلسة من عيون حراس الحدود بمعية المهرب، يأملون آلا تكون هذه المرة مثل سابقاتها، فقد سبق وأن فشلوا في العبور ثلاث مرات متتالية.
يوجد بينهم طفل جميل ذو أربع سنوات لرجل أربعيني. يقول الرجل: أنا ميكانيكي أبترت يدي اليمنى، عندما تعرضت أنا وعائلتي لحادث سير، ماتت على إثره زوجتي وابنتي سعاد وريهام.
غابت الشمس و بدأت القافلة تدب نحو الحدود، يحمل إدريس الطفل على ظهره فالطريق طويل، ووعر والأرض مفروشة بالمياه والحشائش أشبه بالسافانا الإفريقية، وهم يخطون خطواتٍ سريعةٍ وحذرة وبعد أن تجاوزوا الحدود، ظن إدريس أنه أصبح في أمن وأمان بالرغم من وجوده في مؤخرة المجموعة بسبب الإرهاق الذي أصابه نتيجة حمله للطفل أثناء العبور، بموازاة حمل هَّم من تركهم في الوطن.
في هذه اللحظة سمع صوتا يطلب منهم الوقوف، حاول أن يختبئ بين الأحراش والأشجار لكن رصاصة نارية من بندقية بعيدة أصابت فخذه وجعلته جامداً في مكانه، كان أسرع من حركة قدميه في الثلاثين من العمر، شق سترته ووضعها على مكان الرصاصة حتى طفى اللون الأحمر على لون الجلد، قرب يده المنتفضة بالحب والدم من وجهه، وهو ينظر إلى السترة البنية المغمورة بالمياه الحمراء، تراءت عيون المها مع شعر أسود طويل كالحرير أمامه، إنها حبيبته التي تركته وتزوجت شخصاً من دون أن تعرفه، وهو يناديها بصوت عالٍ ويحدثها عن لقاء تحت التوت، وعن الوعد حتى تحت التراب.
ظل فخذه ينزف دماً، وعيناه تقطر لهيبا .
بقلم. خالد ديريك
تم تحريرها في 17/مايو/2016