18 فبراير، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

الخلاص…/ آسيا بلمحنوف

 

 

 

 

 

 

 

 

الخلاص….

 قصّة قصيرة

حين يئِس من إنسانيته، وأدرك أنَّها كانت وهمًا عميقًا صنعه حبه الشديد للشهرة، بدأت عقائده المعصومة تتلاشى فيه ومنه الواحدة تلو الأخرى، صار يتذكر بسخرية مقيتة اجتهاده ليكون إنسانًا صالحًا، كما أنه لم يعد يكره أولئك الذين طالما سَخِروا من ادعاءاته الإنسانية المفرطة، وأحاديثه المدججة بالمُثل وسعيه الدائم نحو الفضيلة، الآن فقط وعندما خَلعَ عنه لباس التقوى الذي كان يُخفي جمال نصوصه وبهجتها، واستسلم بحب لشيطان هواه في كتاباته صار الكل مُعجبًا به، ورغم أنَّه تخلص من قوانين المجتمع التي لازمته طيلة أربعين سنة مرّت من عمره، إلاَّ أنه بدأ يبحث في شيء آخر، صار الآن يعيش حِيرةً أخرى، ربما أعمق بكثير من حيرته الأولى التي تخلص منها بعد صراع مرهق مع نَفسِه التي أبت بدايةً أن تتخلص من رواسِبِ تربيته القديمة، صار يتساءل بإلحاح مُفرطٍ عن جدوى قوانين الإيمان التي تُسيّر رغباته وتٌقنِنُهَا بطريقةٍ عنيفةٍ، ويوما عن يوم صارت أسئلته عن جدوى الإيمان في حياته تتكرر من غير أن تفارق عقله ساعةً….

إنَّ وهمَ الإيمانِ الذي كان يعيشُه مُنذ أنْ كُانَ طِفْلاً لم يبلغ الحلم بعد، لَمْ يأخُذ وَقتا طَوِيْلاً لِيَتَبَدَدَ مَعَ أولِ فُرْصَةٍ مُناسبة تَقضي عليه دفعة واحدة، كَأنَّه كَانَ يتَحَيَنُ أفضل فرصة تأتيه لِيتَخَلَصَ مِنْ تِلكَ العَقَبَاتِ التيْ كَانَتُ تُعَرقل نجاحه الأدبي، وبعد أن كان عند معارفه الشاعر الغارق في مِثاليته، والذي يعطي من حوله أهمية بالغة، ويُقدس أقوال الصالحين الذين احتكروا مقاليد الخير، وصاروا يوزعونه على من يريدون، وبالطريقة التي يشتهون، وفي الوقت الذي يرغبون، أضحى بعد سنوات السفيه الذي لا يأبه لكل ما من شأنِهِ أن يُسكت صوت الشاعر فيه، انفتح على الغواية واستسلم لها، فهي وحدها خلصته من شقائه الذي طالما طمس صوته الشعري…

 

إنَّ العبثَ الذّي كانَ يجمَعُ كُلَّ أولَئِكَ الذيْن قَابَلهُم وتَردَّد عَلى أمكِنَتِهم المُقدسةِ، أنَّهمْ كانوا يَرون فِيْ ذَلِكَ الذيْ لا يُؤمنُ بِعقَائِدِهمْ “كافرًا”، يَزعمونَ كُلَّمَا قَابلُهم أنَّهُم يُصلّون مِنْ أجلِ أن يَعُودَ الضّال عَنْ زَيْغِه فيحتَويهِ حَقُ المسيحية بطوائِفِهَا أو نُورُ الإسْلامُ بِمَذَاهِبِهِ، كان كل مرّةٍ يُفَتِشُ عَن الإيمَان بَيْنَهُمْ وَفِيْهمْ فَتِلْكَ كَانَتْ غَايةُ الكافِرِ فِيه، لَكِن مَهمَا أظْهَرُوا لِه مِن شَفَقَةٍ عَلى أولَئِكَ المُوغِلِينَ فِيْ كُفْرِهِم وَخَطَايَاهُم والصّلاة مِنْ أجلِهِم، لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يُقْنِعُوه لَحْظَةً بِجَدوى الإيْمَانِ عَلى طَرِيْقَتْهِمْ التِيْ جَعَلَتْه يزْدَادُ كُفْرًا ونُفُورًا من كل ما يقربه منهم، لِذَلكَ قَرَر أنْ يتركَ الذَّهابَ إلى الكَنَائِسِ والمَساجِد فَلَمْ يجد فِيْهَا ضَالَتِه، وبَدَأ يفَكِرُ فِي التَفْتِيْشِ عَنِ الإيْمَانِ فِيْ أمَاكِن أُخْرى أقَلَ قُدُسيَةً مِنْ تِلْكَ التيْ اخْتَارها أولاً، أو رُبَما أمَاكِن مُدَنَسةً تَمَامًا….

 

 

بقلم: أ. آسيا بلمحنوف/ الجزائر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.