الشاعرة السورية ربى وقاف لن تبتعد عن الشعر إلا إذا توقف قلبها عن الخفقان
تؤكد وقاف أنها لا تأبه للمنافسة ولا تجد للغيرة دوراً في الشعر
حوار أجراه: خالد ديريك
عندما تعود ربى وقاف بذاكرتها للأيام الأولى، تتصور أمامها تلك الطفلة التي خلقت من عالمها الخاص، إمبراطورية تعتلي عرشها، ومن دماها أشخاص يعرفون عنها ما أخفته من أحلام يقظتها حتى عن أقرب الناس لها، عالم مثالي على مقاس غرفتها فسريرها حدائق البنفسج وجدرانها حدود الأرق التي لم تفارقها يوماً، رتبت في ركن من أركانها قصصها الملونة التي أهداها إياها والدها قلماً ودفتراً فكان أول اختبار لها في عالم الكلمات.
ما زالت تذكر إنها كانت تكتب في جمل قصيرة بسيطة حد الابتسام تترافق بألوان تشتت وتقل ألقاً مع تقدم السنوات، وحلت محل القصص الملونة، روايات اميلي برونتي ومارغريت ميتشل في “ذهب مع الريح” التي عنونت بداية جديدة في اختياراتها فتتابعت لتقودها إلى الأدب المترجم في “وداعاً للسلاح” لـ ارنست همنغواي و “غدا يوماً آخر” لتصل بعدها إلى ماركيز في “مئة عام من العزلة”، و”الحب في زمن الكوليرا” والأدب العربي كـ “مدن الملح” لعبدالرحمن منيف وروايات حيدر حيدر وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ لتشكل كل قصة لبنة تقف عليها في عالمها القادم بواقعه وأحلامه وصوره التي شكلت شخصيتها في مراهقتها وأول صباها.
أهم الحوافز لسلك الطريق الأدب
تقول الشاعرة ربى وقاف: أهم الحوافز لسلك الطريق الأدب، كان في تعلقي باللغة العربية وحب القراءة التي كان لوالدي الفضل الأكبر فيه وفي حبي للشعر ولتلك المُدرسة الرائعة ماري عربش في المرحلة الثانوية عندما كتبتُ موضوعاً كان الأطول بحسب كلامها عن المتنبي وحياته وشعره بأسلوب وصفته بالمشوق الممتع. وقالت بأنها لن تستغرب أن تجد اسمي يوماً تحت نص في جريدة ما.
وأردفت “لم أنس هذا ولم تكن تلك تجربتي الأولى لكنها كانت الدفعة الأقوى”.
بعد ذلك كان دراستي للأدب الانكليزي بشعره ونثره فرفع من إحساسي بقيمة الكلمة وما تستطيع أن تفعله.
الحياة المصدر الأهم للصور والأفكار والقراءة.
إن الحياة الرافد الأعظم لها في تحويل الأفكار إلى صور جمالية. وهناك أيضاً الحساسية العالية للأشياء فجميع الناس لديها حساسية للجمال أو الألم لكن الكاتب أو لنقل الشاعر قد يكون الأقدر على وصف ونقل الإحساس والتعبير عنه في كلمات.
لا تأبه للمنافسة، والكتابة هواية لديها.
“كثيراً ما أبدأ الكتابة وفي ذهني فكرة لأجدني أنتهي وقد تبدلت الفكرة تماماً. اكتب دائماً ما أشعر به وغالباً ما لا أقرأ حتى أنشر ولا أصحح، والخوف الوحيد الذي يمكن أن أشعر به هو أن أكره نصاً ما أو أن أشعر أنه ليس أنا ولا يشبهني”.
أنا لا تثيرني ولا تأسرني حالة الجنون ولا آبه كثيراً للمنافسة ولا أجد للغيرة دوراً في الشعر وغيره، بل وحده الحب بكل حالاته له الدور الأكبر فحب الوطن والأم والعشق حالات متدرجة للهذيان.
وترى إن كتابة الشعر هواية لم ترق يوماً لمستوى المهنة أو التسمية كشاعرة، فعندما بدأت الكتابة لم أفكر حتى بالنشر فلم تكن الكتابة عندي سوى متنفس للروح وطريقة للغضب أو الحب أو الأمل. ولن أبعد عن الشعر إلا إذا توقف قلبي عن الخفقان.
تأثرت ببعض الكتاب وتقرأ للآخرين الآن، طبعاً هناك الكثير من الكتاب الذين كان لهم تأثير على شخصيتي وليس فقط على ما اكتب مثلاً هناك رواية اسمها “مذكرات معلمة” لا أعرف كاتبها لأنها كانت من دون الغلاف وتقريبا مهترئة في مكتبة والدي كانت لها الأثر الأكبر في تعلقي بمهنة التدريس وبعض الروايات العالمية التي شدتني للقراءة وشكلت مخزوني اللغوي، وهناك شعراء مثل نزار قباني وادونيس ورياض الصالح الحسين وأمل دنقل وشاعر آخر لم تتح له الحياة أن ينشر سوى ديوان واحد اسمه “كورتاج” فرحل مبكراً جداً اسمه إياد شاهين وهناك بعض الشعراء الرائعين الذين أتابعهم بشغف كالشاعر منذر حسن وأحمد م أحمد وأسعد الجبوري.
تشرح معنى بعض المفردات في حياتها: الحب: نسغ الحياة. الوطن: الأب والأم. الغربة: الدروس الأقسى. الحرب: أسوأ ما أنتجته البشرية. الحبر: نبض الكلمة. الأزهار: عودة الأمل. الذكريات: جرار العمر بحلوها ومرها.
هذه المفردات أصبحت العناوين الأبرز في نصوصنا إن وافقنا أو رفضنا نحن الأشخاص التي سرقت منا الحروب أجمل الأحلام واستبدلتها بكوابيس الألم والقهر.
إصدار جاهز:
قالت الشاعرة السورية إن هناك مجموعة شعرية جاهزة للطباعة لكن لم تكتب لها أن ترى النور بسبب ظروف الحرب. وكان لدي الشرف بالمشاركة في مجموعتين تضمنتا شاعرات من الوطن العربي بالإضافة لنصوص منشورة بشكل متفرق في مجلات ومواقع الكترونية.
وعن عائلتها قالت: الأم، هذه المرحلة المختلفة جذرياً عن سابقاتها والتي اختصرت كل ما جمعته في طفلين كانا أجمل ما كوفئت به وزوج كان السند والصديق في غربة نهشت بعض من راحة القلب والفكر.
ولطالما تمنيت أن أعزف على آلة موسيقية لكن والحمد لله عوضتها في ولديَ، فابني نور يعزف على البيانو ومجد على الغيتار.
سفرها إلى بريطانيا: لم يكن السفر هاجسي أبداً فأنا لم أصدق أن عدت إلى بلدي بعد سنوات قضيتها في الغربة لأجبر على التفكير بالسفر ولولا ظروف الحرب في سوريا لما فكرت أبداً أن أغادرها مرة أخرى وما زلت أعتبر بريطانيا محطة مؤقته للعودة للغالية سوريا مرة أخرى.
وأضافت “من حسن حظي أن دراستي للأدب الانكليزي وإتقاني للغة قلل من إحساسي بالعبء الكبير لما تشكله البدايات الجديدة وحقيقة مفهوم الغربة تغير مع تحول العالم كله إلى قرية صغيرة”
مع ذلك لا أستطيع أن أنكر حالة الوجد الكبيرة والحنين التي أعيشها فتراها تنتقل لتصبح واضحة في النصوص عاكسة المأساة التي يعيشها كل سوري على أرض الوطن أو في خارجه.
وتختم الحوار: أريد سوريا المستقبل، سوريا يجمعها الحب بكل أطيافها، سوريا الجميلة كما يعرفها العالم ونعرفها.
حوار أجراه: خالد ديريك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ