امرأة من قرنفل / بقل : ميرفت أبو حمزة

امرأة من قرنفل / بقل : ميرفت أبو حمزة
_______________
أن تعشقَ غابةً من قرنفلٍ
كأنْ تصبحَ ماءً في جرحِ نهرٍ وحيدٍ
تمتلئُ يداكَ بالشوكِ والوحلِ
دون أن تنزعجَ أو تتألم ..
كأن تفردَ كلَّ الأرقامِ
لتعُدَّ على بتلاتِ زهرِها
عمرَكَ المهدورَ في أزقةِ الطحالبِ
كأن تتحولَ إلى نسيمٍ ناعمٍ
لتمسحَ كلَّ أوراقِها من غبارِ الأمسِ
كأن تحرقَ نفسَكَ بأنفاسكَ الملتهبة
كي تصبحَ فراشاتِ ضوءٍ لدروبِها المظلمةِ
كأن تتحولَ إلى فكرةٍ بيضاءَ ماطرةٍ
عندما تريدُ أن تستحمَّ في العراءِ
فكرةٍ صافيةٍ كينبوعٍ عندما تعطشُ
كأن تهيمَ في أفيائها
لتجمعَ من وردِها طوقاً لخريفِكَ الأخيرِ
كأن تنسى كلَّ شَيْءٍ لتذكرَها
كأن تذكُرَها فتنسى كلَّ شيءٍ
كأن ترهنَ عمرَك كلَّه لتقترضَ عمراً اطولَ
من انتظارِها الطويلِ
كأنْ تصبحَ شمساً ربيعيةً
تجففُ وجهَها المبلولَ
كي تُبعِدَ عن صفوةِ مساءاتها نقيقَ الضفادعِ
وتنزعَ من حولها العشبَ
فتبقى وحدها على مرمى الجَمالِ
كأن تنصبَ قربَها لحناً شجياً للطيورِ المهاجرةِ
كأن تتمنى لو أنكَ عصفورٌ
ينقر الصباحَ إلى ظلالِها المنسيةِ
كأن تُفتَحَ صدرَكَ لعطرِها المحفوفِ بالهذيانِ
كأن تعيشَ على أملِ أن تتفتحَ
في ربيعِها الأخيرِ
أن تعشقَ امرأةً من قرنفلٍ
بجنونِ ريختر
فتعرفَ كيف تكونُ
الزلازلُ ألطفَ
والأنهياراتُ ألطفَ
والشروخُ ألطفَ
ستكتشفُ أنَّ التهمةَ التي ألصقوها بالتفاحة
ما كانت إلا زهرةً نقَرَها عصفورٌ
وعلّقَها على شجرةٍ
وأنّ الجاذبيةَ ما كانت
لولا أن نيوتن فُتِنَ بضوعٍ غريبٍ
فأسندَ ظهرَهُ على الجذعِ
وسقطتِ تفاحته الشهيرة
أن تعيشَ بحلمِ امرأةٍ من قرنفلٍ
تحلّقُ في ليلٍ مدجّجٍ بالنجوم
وعلى رأسِكَ قبعةٌ من ندى الأحلامِ
وقميصٌ من عشبٍ مبلولٍ بدموعِ الآلهةِ
وسروالٌ من ترابٍ أزليٍّ
وحذاءٌ من شتاءٍ يبكي الخساراتِ
أن تعيشَ على أملِ امرأةٍ من قرنفلٍ
تتمشى من خلالِها الأنهارُ
كفكرةٍ في جدولةِ العطرِ
في عينيها ألفُ قبّرةٍ حزينةٍ
ولا تبكي ..!
أن تسقط ..وتمشي ..
وتضحكُ وتبكي ..
وترتفع ماءً فوقَ أمدائها
ثم تهطلُ منتحراً
لتنالَ شرفَ الموتِ بأحضانِ غابةٍ.