تسوية النزاعات الدولية/ بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

 

 

 

 

 

 

 

 

تسوية النزاعات الدولية

بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعد القرن الحادي والعشرين قرن الحروب، إذ اندلعت فيه الكثير من الحروب والانتفاضات المسلحة والحركات الإرهابية، لذا طالبت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى بتفعيل الطرق السلمية لتسوية النزاعات لتجنب المزيد من الألم.

 

تعد النزاعات إحدى الإشكاليات في العلاقات الدولية، فقد اتسمت العلاقات بين الحضارات القديمة (الحضارة اليونانية، والرومانية، والحضارة الإسلامية) بالعداء والنزعة العدائية، إذ كانت كل دولة تسعى لبسط نفوذها على الدول الأخرى، وقد استمرت تلك العلاقات إلى العصور الوسطى، إذ نشبت حرب الثلاثين عاماً، وانتهت بمعاهدة وستفاليا عام 1648، تعد معاهدة وستفاليا نقطة الانطلاق في تاريخ العلاقات الدولية المستندة إلى مبدأ المساواة بين الدول، وكانت حجر الأساس في إعداد قواعد القانون الدولي.

 

تجدر الإشارة إلى أنه منذ نشأة عصبة الأمم في عام 1919, أقر القانون الدولي مبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية, وعقد مؤتمران دوليان لاستبدال الحرب والإكراه بالوسائل السلمية, هما مؤتمر لاهاي عام 1899 وعام 1907, لكنهما لم يجرما الحرب, بينما تم الاعتراف بعدم شرعية الحرب لأول مرة في مؤتمر باريس عام 1920, وعدَّت الحرب جريمة دولية في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية إثر الخسائر البشرية والمادية التي مني فيها المجتمع الدولي, كما تم حظر اللجوء إلى القوة المسلحة, فضلاً عن تشريع حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية ضمن ميثاق الأمم المتحدة.

 

كثرت النزاعات في العلاقات الدولية, بل وأصبحت تطبع العلاقات الدولية بطابعها خلال هذا العصر, إذ تسعى كل دولة ولاسيما الدول ذات النفوذ القوي لبسط  نفوذها على الدول الضعيفة عسكريا وذات الموقع الاستراتيجي الهام, إلا أن المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية سعى دائما لإيجاد طرق لحل هذه النزاعات بوسائل ودية, تجنبا للحرب باعتبارها الوسيلة الأخيرة, لتدافع الدول عن سيادتها على إقليمها, وبالتالي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين, إن حل النزاعات الدولية في الوقت الحالي يعتمد على قواعد القانون الدولي التي تستند إلى المعاهدات والأعراف الدولية في إطار قانوني معين, كأن يكون أمام محكمة العدل الدولية, أو محكمة التحكيم الدائمة, إلا إن ذلك يتوقف على إرادة الدول.

 

ما هو النزاع الدولي؟

عرفت محكمة العدل الدولية الدائمة النزاع الدولي: بأنه عدم الاتفاق حول نقطة قانونية أو واقعية أو تناقض وتعارض للطروحات القانونية أو المنافع بين دولتين.

 

أركان النزاع الدولي

يجب أن يتوفر في النزاع الدولي ثلاثة أركان يمكن أن نوجزها بما لي:

 

الأطراف:

يشترط في النزاع الدولي أن يكون بين طرفين على الأقل، كون النزاع بين أطراف من دولة ما، يعد نزاعا داخليا ولا ينضوي تحت مسمى النزاعات الدولية، مع العلم أنه يحق لمجلس الأمن تحت الفصل السابع التدخل في حالة النزاع الداخلي لحفظ السلم والأمن الدوليين.

 

الدولية:

يجب أن يكون النزاع بين أشخاص القانون الدولي بصورة عامة، كما يمكن أن يكون أحد طرفي النزاع الدولي فردا أجنبيا (شخص طبيعي) أو شركة أجنبية (شخص معنوي) تحت ما يسمى الحماية الدبلوماسية في حالات خاصة، وذلك عندما ينشأ خلاف بينهما وبين الدولة التي يستثمران فيها، ولكن يشترط في هذه الحالة استنفاد الطرق القضائية المحلية، وفي حال عدم جدواها، يحق للمضرور التظلم إلى دولته.

 

النزاع:

أي الخلاف وإبداء الرأي المناقض لرأي الدولة الأخرى في المسألة محل النزاع أو استخدام الوسائل المادية كالاشتباك المسلح أو القانونية أو كلاهما معا يشترط في الموضوع المتنازع عليه تمتعه بالوحدة المادية ولا يشترط في النزاع توافر وحدته القانونية.

 

 

تصنيف النزاعات الدولية

قسَّم القانون الدولي النزاعات الدولية إلى نزاعات دولية قانونية، ونزاعات دولية سياسية. وهناك وجهات نظر متعددة حول تصنيف النزاعات الدولية يمكن أن نلخصها بما يلي:

من وجهة نظر محكمة العدل الدولية

تم حصر النزاعات الدولية التي يجوز طرحها على التحكيم والقضاء من وجهة نظر محكمة العدل الدولية بالحالات التي نصت عليها المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة، وهي:

  • تفسير معاهدة من المعاهدات.
  • أي مسألة من مسائل القانون الدولي.
  • التحقيق في واقعة التي في حال ثبوتها وصحتها، تعد خرقا لالتزام دولي.
  • نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي وحجم هذا التعويض.

 

تجدر الإشارة إلى أن الدول المنتمية للمحكمة، لا تحتاج إلى اتفاق خاص في أي نزاع مع دولة أخرى، وإنما يكتفى بالتصريح فقط بشرط موافقة الدولة الأخرى. بينما لو كانت كلاهما غير منضوية في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فلابد من اتفاق خاص بينهما للجوء للمحكمة، المادة 36 تنص على ما يلي: للدول التي هي أطراف في النظام الأساسي، أن تصرح في أي وقت، بأنها بذات تصريحها هذا وبدون الحاجة إلى اتفاق خاص، تقر للمحكمة بولايتها الجبرية في النظر بالنزاعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل الالتزام نفسه، متى كانت هذه النزاعات القانونية تتعلق بالمسائل الآتية:

 

  • تفسير معاهدة من المعاهدات.
  • أي مسألة من مسائل القانون الدولي.
  • التحقيق في واقعة التي في حال ثبوتها وصحتها، تعد خرقا لالتزام دولي.
  • نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي وحجم هذا التعويض.

 

من وجهة نظر القانون الدولي:

تعد النزاعات الدولية نزاعات قانونية، إذا تمت تسويتها وفقا لقواعد القانون الدولي، فالنزاعات القانونية تشمل إشكاليات الحدود، والمطالب المالية، والإخلال بالتزام دولي كنقض معاهدة، أما النزاعات السياسية غالبا يتم تسويتها وفقا لمبادئ العدالة والإنصاف شريطة موافقة طرفي النزاع على ذلك، بمعنى آخر كل نزاع يصلح عرضه على القضاء الدولي هو نزاع قانوني، وكل نزاع بخلاف ذلك هو نزاع سياسي، مثل النزاعات التي تتعلق بسيادة الدول.

 

آليات حل النزاعات الدولية سلميا:

أكد ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة حل النزاعات الدولية سلميا حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة أن يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن الدوليين عرضة للخطر.

 

وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية على امتناع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

 

وقد تم تعداد الوسائل السلمية في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة بالترتيب “يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع اختيارها”.

 

الطرق الدبلوماسية لحل النزاعات الدولية: 

 

المفاوضات:

هي تبادل وجهات النظر بين الدولتين المنازعتين ويتم ذلك عن طريق الاتصال المباشر بين رؤساء الدول أو وزراء الخارجية أو ممثلي الدول المتنازعة بقصد التوصل إلى تسوية النزاع القائم بينهما، تعد هذه الوسيلة ناجحة إذا توافرت النوايا الحسنة ولها دور كبير في كسر الحاجز بين الدول أطراف النزاع، والمفاوضات إما شفوية أو كتابية، وإما سرية أو علنية.

 

التحقيق:

قيام لجنة تحقيق مختصة بمهمة تقصي الحقائق حول وقائع معينة تشكل نزاعا دوليا، وإعداد تقرير يسلم لدولتي النزاع، ويعد تقرير لجنة التحقيق غير ملزم لطرفي النزاع من الناحية القانونية.

 

الوساطة:

تتضمن الوساطة قيام شخص محايد بالتقريب بين وجهات النظر والمصالح المتضاربة بين دولتين متنازعتين، للتوصل إلى تسوية النزاع، والوسيط قد يكون دولة أو منظمة أو رئيس دولة، وسلطة الوسيط هي اقتراح الحل وعرضه على الدولتين المتنازعتين.

 

المساعي الحميدة:

تعني التقريب بين دولتين متنازعتين، وحثهما على الدخول في مفاوضات لتسوية النزاع، دون الاشتراك في تلك المفاوضات مباشرة

 

التوفيق:

إحالة النزاع بين دولتين إلى لجان التوفيق لحله عن طريق فحص وحصر الوقائع، واقتراح التسوية المناسبة، وتقرير اللجنة غالبا ليس له صفة الإلزام، وقد يتحول التوفيق إلى تحكيم.

 

اللجوء إلى المنظمات الدولية والإقليمية:

أكد ميثاق الأمم المتحدة على إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن في حالة قيام نزاع أو خلاف يهدد السلم والأمن الدوليين, كما لمجلس الأمن الحق في التدخل بناء على قرار من المجلس, أو طلب من الأمين العام للأمم المتحدة, أو بناء على طلب عضو من أعضاء الأمم المتحدة, وفي حال عدم تمكن المجلس من حل النزاع – كأن يستخدم أحد الأعضاء الدائمين حق النقض الفيتو- يتعين على الجمعية العامة للأمم المتحدة التدخل وحل النزاع استناد إلى قرار الاتحاد من أجل السلام وأشار الميثاق إلى دور المنظمات الإقليمية في تسوية النزاعات بالطرق السلمية, إذ نصت المادة 52 على الآتي: “يتعين على الدول الأعضاء في المنظمات الإقليمية بذل جهودها لتدبير الحل السلمي لمنازعاتها المحلية عن طريق هذه  المنظمات, وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن” .

 

الآليات القضائية لتسوية النزاعات الدولية:

  • التحكيم
  • القضاء الدولي (محكمة العدل الدولية)

 

لقد عانت شعوب العالم منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية من ويلات الحرب اللتان خلفتا الكثير من الدمار والخسائر البشرية والمادية, ولذلك سعت دول العالم مجتمعة إلى إيجاد آلية معينة للابتعاد عن الحرب, وحل نزاعاتها بطرق سلمية وودية وخاصة اللجوء إلى التحكيم بالإضافة العمل على إيجاد آليات وإجراءات أكثر فعالية للقرار التحكيمي وخاصة تلك التي تضمن تنفيذه جبرا وبشكل ملزم وخاصة للطرف الخاسر والعمل على نشر الوعي والتأكيد على أهمية الطرق السلمية في حل النزاعات, لاسيما التحكيم, سواء في النزاعات الدولية, أو التجارية.

بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

 

المراجع

 

  • د. عصام العطية، القانون الدولي العام، ط6، بغداد,2006، ص423.
  • محمد، بولحيال، الأدوات المقررة في ميثاق الأمم المتحدة لحل النزاعات الدولية، رسالة ماجستير، جامعة أمحمد بوقرة بومرداس, 2013-2014.
  • بواط، محمد، التحكيم في حل النزاعات الدولية، جامعة حسين بن بوعلي، رسالة ماجستير 2007-2008.
  • سمير جاويد، التحكيم كآلية لفض المنازعات، أبو ظبي، دار القضاء الطبعة الأولى, 2014.
  • يوسف، محمد عبد الكريم، هل يحل التحكيم محل القضاء في حل النزاعات الدولية؟، مؤسسة الصدى الإعلامية الولايات المتحدة، 2017.

 

  • Related Posts

    المحامية جيهان توماس… قبلة التائه في أمريكا / بقلم: فاطمة معروفي

    بقلم الشاعرة الكاتبة فاطمة معروفي المحامية القديرة المستشارة المتخصصة في شؤون الهجرة والجنسية جيهان توماس ” ملاذ الحائر ” وقبلة التائه بأمريكا الذي يبحث عن وجه الإدراك المعرفي التام في…

    متى تفهموها صح؟ / بقلم: خالد السلامي

    متى تفهموها صح؟ خالد ألسلامي في زحمة الأحداث التي تعصف بالأمة وارضها من أقصاها الى أقصاها مرور بغزة ولبنان وكل اقطار ربيع الفوضى الاهوج يطرق اسماعي تصريح لأحد النواب السابقين…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    لا تسألني…من أكون…/ بقلم: فاطمة معروفي

    لا تسألني…من أكون…/ بقلم: فاطمة معروفي

    المحامية جيهان توماس… قبلة التائه في أمريكا / بقلم: فاطمة معروفي

    المحامية جيهان توماس… قبلة التائه في أمريكا / بقلم: فاطمة معروفي

    متى تفهموها صح؟ / بقلم: خالد السلامي

    متى تفهموها صح؟ / بقلم: خالد السلامي

    إنّما قاتلَ اللهُ الحربَ ما أبشعَها/ بقلم: فراس حج محمد

    إنّما قاتلَ اللهُ الحربَ ما أبشعَها/ بقلم: فراس حج محمد

    كتبْتُ إليكَ مِن نَبضي وقلبي/ بقلم: هدى الجاسم

    كتبْتُ إليكَ مِن نَبضي وقلبي/ بقلم: هدى الجاسم

    حتى إشعار آخر / د. بقلم: ريم  النقري

    حتى إشعار آخر / د. بقلم: ريم  النقري