جزرُ الشِّفاءِ … مرهونةٌ بالعزيمة/ بقلم: مرام عطية
_________________________
يا جارةَ الروحِ، كسمكتينِ حبيبتين في بحيرةِ نقاءٍ عشنا وكمحارتين غريبتين في خليجٍ مسحورٍ التقينا، وما كان أحلاهُ من لقاءٍ! فكيفَ الآنَ تنحرني أمواجُكِ العمياءُ ؟! أما ركضتِ بحبورٍ في شراييني، تعطرتِ بشذا حبوري، ونهلتِ في ليالي الأسى من خوابي كرومي !!
يا حديقةَ القلبِ ما زلت كما تعرفينني عصفورةَ شوقٍ لعرجونكِ، غصنٌ رهيفٌ يغريني، وما زلت كركرةَ غديرٍ، نايُ صدقٍ يشجيني، أحلامي الورديةُ صغيرةٌ؛ ابتسامةُ بنفسجٍ تسعدني، سنبلةٌ رضىً تكفيني، أغنيةٌ رجاء تناسمني، ولمسةُ نورٍ تحييني. أتراها أتعبتكِ نوارسي البيضاءَ وأقماري الزهرَ، فتدلى غضبكِ يستعر بين سنابلي، وعرزَ خنجرهً في وتيني ؟!
أيتها الحديقةُ العاشقةُ لنبضِ الخريف، زرعتكِ في فؤادي سوسنةَ نقاءٍ كيف تصيرين صبَّاراً مرَّاً، وإبرَ أشواكك تهديني ؟! كم جاهدتُ ألا أصدقَ عينيَّ حين تقتلعَ رياحكَ شجيراتي، وألا أسمعَ صفير رياحكِ حين تقرعُ مسامع يقيني !! كم ناضلتُ وأنا أصدُّ خيولَ جفاكَ فتلبسين العاصفةَ وتكسرين غصوني!
اعذريني يا حديقتي الجميلةَ، فائضٌ من الرحمةِ انهمرَ من غيومي، ودفقاتٌ من الحيويةِ ثارت على سكوني كيف أصدَّهما، وقد تدفَّقا كشلالٍ، حلمهُ الوردي أن يوقفَ مدَّ اليبابِ في جسدِ الخصبِ، ويكحلَ رمشَ الأرضِ بالحبقِ والقرنفل، فيهدئَ ثورةَ الحنينِ بين ضلوعي. ؟!
لستُ بقديسةٍ أنا كما أنكِ لستِ بأيقونةٍ سماويةٍ، كلانا اجترَّتهُ الأخطاءُ، وهشمتهُ الحربُ، عالمٌ حجريٌّ على رحى أهوائهِ يسحقُ عظامنا، عالمٌ نحاسيٌّ عقلهُ في جيبه، وقلبهُ رهنٌ لأطماعهِ السابحةِ في بحورِ المستقبلِ.
يا شوقَ الحياةَ، الطريقُ طويلٌ طويلٌ إلى جزرِ الفرحِ اللازورديةِ والحيرةُ تحتلُّني، فكيفَ أمزِّق أفانينَ النفاقِ، ويداي مكبَّلتان بالطهرِ، كيف أنسى وأنا لا أملكُ ذاكرةً للنسيانِ، وكيفَ أقصُّ صورَ الأحزانِ من شريطِ أيامي وخيوطَ النسيان متينةٌ ؟!
يا للدهشةِ …. !! ها أنا ألمحُ بريقَ نجمٍ، هيا معي نضرمُ ناراً على الماضي، نفتخُ شرفاتِ الأملِ، ونستسقي الحبورَ من غيومِ العزيمةِ الراكضةِ، فجزرَ الشِّفاءِ العذراءَ مرهونةٌ بالإرادةِ.
________
مرام عطية