سوريا الجحيم الذي نتمنى الخلود فيه/ليث شعبان

سوريا الجحيم الذي نتمنى الخلود فيه
سنوات مضت عليَ في بلدي سوريا والحرب مشتعلة فيها، مازال بمقدوري إيجاد متسع من الوقت وفسحة من المكان للتمتع بهذه الأرض، الياسمين وشجيرات الزيتون والعنب وجسر القطار المهجور كلها آيات من السحر تغريني للبقاء رغم غزارة الموت.
سنوات مضت ولم يكن بمقدوري التخلي عن فنجان قهوتي الخالي من السكر تمام، أحتسيه بصمت وهدوء مرسلاً ناظري نحو سهل القمح الندي، بعض من البيض البلدي والزيتون وزيته الأصلي والجبن أيضاً، كل مكونات فطوري بمقدوري أن أرى مصدرها أمام عيني.
أداعب ابن أخي، نكلم جدته المهاجرة، توصيني خيراً به وبمنزل عائلتنا الكبير، احتضنه وأنزل به لساحة القرية التي أصبح شبابها عاطلاً بالكامل نتيجة للحرب والقصف المستمر، لكنهم جميعاً وافري الصحة أغنياء بأخلاقهم، عفيفي النفوس، رزقهم من السماء مقسوم.
يطول المسير بي أنا وابن أخي في سوق القرية المليء بالخضار التي تأتي من القرى المجاورة وتجتمع في قريتنا للبيع، رائحة الفلافل تعبث بأنفي وبائع الكبة المقلية يغري عمال السوق بأقراص الكبة الشهية والخضار الطازجة، تختلط الأصوات وتعلو متجاهلة هدير الطائرات التي تحلق في السماء محملة بالموت، إنها الحياة، أنها بلدنا التي أحالوها جحيماً لكن يحلو لنا الموت فيها والبقاء، إنه الجحيم الذي أرادوه لنا لكن تمنينا فيه الخلود.
ليث شعبان/شاعر سوري