شعر وصبر/ بقلم: زيد الطهراوي

شعر وصبر/ بقلم: زيد الطهراوي
…………..
حين تعالج موضوع الصبر في الشعر العربي لا بد أن تمر على سيرة امرأة عاشت في الجاهلية والإسلام وعانت من مرارة الفقد في المرحلتين
هذه المرأة هي الخنساء، التي فقدت أخويها صخرا ومعاوية في الجاهلية فبكت بحرقة حتى كادت أن تفقد عينيها وأنشدت أشعارها الرقيقة في تعداد مناقب الفقيدين فقالت عن صخر:
أعيني جودا ولا تجمدا /ألا تبكيان الفتى السيدا
وقالت عن معاوية:
ألا لا أرى في النَّاسِ مثلَ معاوية /إذا طَرَقَتْ إحْدَى اللّيالي بِداهِيَهْ
وأسلمت الخنساء فتغير أسلوبها في مواجهة المصائب؛ وانتقلت من حال التفجع وإظهار الجزع إلى حال الرضا بأقدار الله والتخلق بالصبر الجميل فالمؤمن يعيش بين النعم التي تستحق شكر الله المنعم والمصائب التي تتطلب الرضا والصبر وفي الحالين هو مأجور يرتقي في منازل الصابرين الشاكرين
نعم؛ ربما يتفاجأ الدارس حين يرى تغيرا في حال الخنساء ولكن هذا الاستغراب سيزول عندما يعرف أن الإيمان بالله حين يدخل إلى القلب والحياة فإنه سيكون خيرا ونورا وسعادة لصاحبه في الدنيا والآخرة
لقد فقدت الخنساء في الإسلام أربعة من الولد؛ (عمرة، وعمرو، ومعاوية ويزيد) في معركة القادسية ولكنها لم تقل: خرجت من فقد في الجاهلية إلى فقد في الإسلام فإيمانها بالله أكبر من أن تنزلق في هذه المزالق؛ بل إنها هي التي كانت تحث أبناءها على الجهاد في سبيل الله، ليفوزوا بأجر الشهادة وتفوز هي بأجر الصابرين
وانحسر البكاء والنياحة عن شاعرة الرثاء؛ تلك التي غرست لآلئ دموعها على أخويها وسكبت عليها أشعار الأسى؛ فلم يجد الدارسون شعرا للخنساء في رثاء أبنائها، ولكنهم وجدوا ما هو أرقي وأعلى من ذلك فقد قالت الخنساء عند سماع خبر استشهاد أبنائها:
“الحمدلله الذي شرفني بقتلهم، وارجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”