علم العروض: دائرة المشتبه … لماذا الاشتباه؟
تفعيلات بحورها المستعملة والمهملة
ذكرنا في الحلقة السابقة أنّ البحور المركبة المستعملة تسعة، ثلاثة ضمتها (دائرة المختلف)، وبقت لدينا ستة تحتويها (دائرة المشتبه)، والتي تحتوي أيضاً ثلاثة بحور مهملة، إذ يتشكل كلّ بحر من دائرة المشتبه من تفعيلتين مختلفتين، إحداهما ضعف الأخرى مرتبتين بتنسيق معين في صدر البيت، وتتكرر التشكيلة نفسها في العجز، ولا تأتي بعض البحور منها إلا مجزوءة، قبل الدخول في عمق الموضوع لنذكر شيئا عن الدائرة المدورة.
الدائرة الخامسة -المشتبه: لماذا سُميت بالمشتبه؟
الجواب: لاشتباه أجزائها، أما أين يقع الاشتباه؟ فهذا من حقـّك أن تـسأل عنه، إذا لم تكن دارسا ً لها، أو باحثاً فيها.
1 -الاشتباه يقع بين:
(مسْتفـْعَلن) مجموعة الوتد، أي فيها وتد مجموع، وسببان خفيفان (مسْ تفْ علنْ /ه /ه //ه).
– (علن //ه) وتد مجموع، و (مسْ /ه) و(تفْ /ه) سببان خفيفان.
وبين (مسْ تفـْعَ لنْ) مفروقة الوتد، أي فيها سببان خفيفان، ووتد مفروق (مسْ تفـْعَ لنْ /ه /ه/ /ه).
– (تفـْعَ /ه/) وتد مفروق، و(مسْ/ه) و (لنْ /ه) سببان خفيفان.
2 -والاشتباه يقع أيضا:
بين (فاعلاتن) مجموعة الوتد.
وبين (فاعَ لا تن) مفروقة الوتد.
كيف ؟!
(فاعلاتن) الاولى، تتشكل من (فا /ه) و (تنْ /ه)، وهما سببان خفيفان، و (علا //ه) وهو وتد مجموع.
وبين (فاعَ لاتن) الثانية، التي تتشكل من (لا /ه) و (تن /ه) ، وهما سببان خفيفان ، و (فاعَ /ه/ ) ، وهو وتد مفروق.
تتشابه البحور التي يضمّها محيط هذه الدائرة في وحدة إيقاعاتها، لأنها تعتمد على نسق إيقاعي دائري واحد للحركات والسكنات، بل تتشابه أوتاد وأسباب أجزائها (تفعيلاتها)، كما هو الحال في (مسْتفْعلنْ) و (مسْتفْعَ لنْ)، وكذلك بين (فاعلاتنْ) و (فاعَ لاتن).
ولعلمك عزيزي:
1 -إذا نقلنا الوتد المجموع (علن) من آخر تفعيلة (مستفعلن /ه /ه //ه) إلى بدايتها تصبح (مفاعيلن //ه /ه /ه) .
2 -وإذا نقلنا السبب الخفيف (لن) من آخر تفعيلة (مستفع لن /ه /ه/ /ه ) إلى بداياتها تصبح (مفعولاتُ /ه /ه /ه/ ) (1) .
إذاً التفعيلات المشكلة لهذه الدائرة هي:
مسْتفْعلنْ – مسْتفْعَ لنْ – مفاعيْلنْ – مفـْعولاتُ – فاعلاتنْ – فاعَ لاتن.
وأساس تكوين الدائرة:
سببان خفيفان فوتد مجموع، فمثلها مرة ثانية، فسببان خفيفان فوتد مفروق. (2)
/ه /ه //ه / ه /ه //ه /ه /ه / ه /
خفيف1 ، خفيف 2 ، مجموع 1 ، خفيف 3 ،خفيف 4 ، مجموع 2 ، خفيف5 ، خفيف 6 ، مفروق1
دقق معي رجاء على رمزي الحرف المتحرك (/) ، والساكن (ه) من مقطع لدائرة المشتبه أعلاه:
ا — إذا بدأت بالسببين الخفيفين الأول والثاني (/ه /ه) ثم يأتي بعدهما الوتد المجموع ( //ه) ، صارت التفعيلة ( /ه/ه//ه …مسْتفْعلنْ ).
ب -إذا بدأت بالإنشاد من السبب الخفيف 2 ( /ه) ، سيأتيك بعده الوتد المجموع 1 ( //ه) ، سبب خفيف رقم 3 ، فالتفعيلة صارت ( /ه //ه /ه غاعلاتن) .
ج – وإذا شرعت بالغناء من الوتد المجموع رقم 1سيأتيك يببان خفيفان رقم 3 ورقم 4 ، فالتفعيلة تكون ( //ه /ه /ه مفاعيلن).
د – وإذا بدأت غناءك بالسبب الخيف 5 ، غالسبب الخفيف 6 ، ثم يأتيك الوتد المفروق ، فشكلت التفعيلة ( /ه /ه /ه/ مفعولاتُ).
هـ – وإذا شرعت بالوتد المفروق رقم 1 ، ثم درت على السببين الخفيفين الأول والثاني ، شكلت التفعيلة ( فاع لاتن /ه/ /ه /ه ) …
وهكذا دواليت تتشكل التفعيلات، ومن التفعيلات البحور، ومن البحور الغناء والشدو والطرب والحفظ، ولا يجوز لك أن تبدأ بالساكن في أي دائرة، لأن العرب لا يبدأ ون كلامهم بالساكن، والسلام.
كيف تشكّل التفعيلات البحور؟:
تفعيلات كل من:
أولاً – السريع والمنسرح والمقتضب واحدة (مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ) ، وينحصر الخلاف في ترتيب هذه التفعيلات.
أ -السريع: وزن البحر السريع بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ***مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ
شاهد البيت السريع التام :
يُوزِعْنَ فِي حَافَاتِهِ بِالأَبْوَالِ***فِي مَنْزِلٍ مُسْتَوْحَشٍ رَثِّ الحَالِ
وهذا البيت شاذ؛ لأن العرب لم تستعمله تاما صحيحا، بل استعملته مكشوف أو مكسوف العروض مطويها، وموقوف الضرب مطويه (مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُلا).
ب – المنسرح: وزن البحر المنسرح بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ
الشاهد عليه :
إِنَّ ابْنَ زَيْدٍ لا زَاْلَ مُسْتَعْمِلا ***لِلْخَيْرِ يُفْشِيْ فِيْ مِصْرِهِ الْعُرُفَاْ
مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُمُسْتَعِلُنْ
تفعيلة الضرب ( آخر تفعيلات البيت ) ، حصل فيها زحاف الطي ، أي حذف الساكن الرابع ، فأصفحت التفعيلة مطوية (مُسْتَعِلُنْ) ، وبقيت تفعيلات البيت سالمة ، والطي جائز هنا ، لا يعدُّ عيباً في الشعر .
ج – المقتضب: وزن البحر المقتضب بحسب الدائرة العروضية:
مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ***مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
بيت المقتضب التام:
يَا مَنْ حَالَ عَنْ عَهْدِنَا بَعْدَ الْوَفَا***كَمْ لاقَيْتَ لَوْ يُنْصِفُونَا فِي الهَوَى
استعملته العرب مجزوءا، مطوي العروض والضرب.
ثانياً – الخفيف والمجتث والمتئد تفعيلاتها الخاصة (مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ) .
أ – الخفيف: وزن البحر الخفيف بحسب الدائرة العروضية:
فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ***فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ
شاهد البيت الخفيف التام:
حَلَّ أَهْلِي مَا بَيْنَ دُرْنَا فَبَادُوا*** لِي وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةٌ بِالسِّخَالِ
ب – المجتث: وزن البحر المجتث بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ***مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ
شاهد البيت المجتث التام:
صَدَّتْ وَحَالَتْ سُلَيْمَى يَا خَلِيلِي*** عَنْ عَهْدِنَا لَيْتَ شِعْرِي مَا دَهَاهَا
استعملته العرب مجزوءا.
ج – المتئد ويسمى أيضاً بالغريب ، وهو مهمل ، وحسب دائرته العروضية :
فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ ****فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ
كقول بعض المولدين:
مَا لِسَلْمَى فِي الْبَرَايَا مِنْ مُشْبِهٍ*** لا ولا الْبَدْرُ المُنِيرُ المُسْتَكْمَلُ
ثالثاً – المضارع والمنسرد والمطرد أجزاؤها المختصة بها (مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ) .
أ – المضارع : وزن البحر المضارع بحسب الدائرة العروضية:
مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ***مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
شاهد البيت المضارع التام :
أَرَى لَيْلَى يَا خَلِيلِي قَلَتْ وَصْلِي *** وَصَدَّتْ مِنْ بَعْدِمَا قَدْ سَبَتْ عَقْلِي
استعملته العرب مجزوءا، وهو بحر نادر، أورد شاهده الخليل.
ب – المنسرد ويسمى بالقريب ، وزن بحره كما جاء في دائرة المشتبه :
مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ ****مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ
و شاهد المنسرد، كقول بعض المولدين:
لَقَدْ نَادَيْتُ أَقْوَامًا حِينَ جَابُوا***وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرٍ لَوْ أَجَابُوا
ج – المطرد أوالمشاكل ، وزنه كما جاء في دائرة المشتبه :
فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ **** فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ
كقول بعض المولدين:
كُنْ مُجِيرِي مِنَ الأَشْجَانِ والكَرْبِ***مَنْ مُزيلِي مِنَ الإِبْعَادِ بالقُرْبِ
فذلكة الأقوال : مجموع البحور في دائرة المشتبه تسعة ، ستة منها مستعملة، وثلاثة مهملة ، والمهملة هي المتئد و والمنسرد والمطرد .
و سبب التسمية: وسُمِّيَت هذه الدائرة بهذا الاسم لاشتباه تفاعيلها؛ إذ تشتبه – كما أسلفنا – تفعيلة : (مُسْتَفْعِلُنْ) بـ (مُسْتَفْعِ لُنْ) ، و(فَاْعِلاتُنْ) بـ (فَاْعِ لاتُنْ)، على الرغم من اختلاف عدد الأسباب والأوتاد فيها ، وتفاعيلها سباعية هي :
مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ، فَاعِلاتُنْ، فَاعِ لاتُنْ، مَفَاعِيْلُنْ، مَفْعُولاتُ.
وإلى اللقاء في حلقات مقبلات ، وكلُّ قريبٍ آت.
بقلم: كريم مرزة الأسدي