قصة التسلط و تسييس المجتمعات البشرية/ بقلم: يوسف بولجرف

تقول الأسطورة أنه كانت هناك جماعة عندهم ثروة و خيرات إتفقوا على من يرعاها لهم و يحفظها من طمع أحدهم فيها أو غيره و حمايتها مقابل مساهمة كل واحد منهم بقدر أو نصيب من نصيبه في حقه ، و بحكم تعددهم كان نصيب من تولى مهمة الرعاية أكبر من نصيب أي شخص فيهم ، كانوا هم يأكلون من أرزاقهم و هو يأكل معهم و يستغلون منها في معيشتهم ، و يستغل معهم و كان يعيش معهم و يأكلون و يستغلون و هو يأكل ويستغل معهم من مايستغلون إذ كان هو مكلف فقط بالنظام بينما نصيبه المخصص لرعايتهم يستعمله في تأسيس و تنظيم الحماية ،فبدأ في تأسيس أجهزة مختصة منها خاصة بالترصد و التتبع لكل فرد فرد من الجماعة بحجة مراقبة النفس الإمارة بالسوء ، و عدم الترامي على رزق الاخر و أنشأ مصلحة أخرى خاصة بفك النزاعات و تدخل البعض في رزق البعض بحجة التنظيم ، و فك النزاعات فعرفت تلك المصلحة كل صغيرة و كبيرة عن كل الأفراد و كل أسرارهم و انشئت ملفات في ذلك و حتى يتسنى له القيام بمهمته على أحسن وجه ، أسس مصلحة خاصة بالجزر و أخرى خاصة بالمنع و الحرمان سميت مصلحة التدبير العقلاني للموارد و الخيرات يتصرف يشاء ، كل ذلك بموافقة الجماعة بعد تأسيس مصلحة التشاور و العمل من أجل المصلحة العامة في إطار مصلحة ديموقراطية تأخذ برأي الاغلبية و حتى يسهل عليه تسييرها اسس مصلحة الإخبار و الإعلام ، و أخرى لوجستيك و أليات بحجة الدفاع عن الأملاك و المصالح لكل شخص من اللصوص و الغرباء ، الأولى بدأت تخبر الناس عن كل ما يجري بينهم و بأحوالهم و كل علاقتهم ، على ما يبدو و تستقي الأخبار منهم فاختار لها و أوجد لها أشخاص أوفياء له مختصين في الكذب و النفاق و الرياء والبهتان و حسن الكلام و تحويل الظلم و المنكر حق ، أعجب بعملها إذ تمكنت هذه المصلحة في وقت وجيز في السيطرة على عقول الناس و لاقت إستحسانا و قبولا و نفوذا في الحياة اليومية مما زاد من نفوذه أكتر و قوته فزاد من نفقتهم بموافقتهم لاقتناء المزيد من المواد من أجل الترفيه و التعرف على العالم ، فيما كان الإعلام يستغل من أجل الإشهارله بالقيام بكل المجهودات في صالح الجماعة و التلميع و طلب المزيد من الإنفاق لتأمين المصالح من الأخطار الطبيعية و البشرية مع تعتيم المعلومات عن بعضهم البعض ، فبدأت منظومته المكلفة بالحماية في الأول تكبر ، و تتوسع و تسيطر و بدء في التفكير في أبعد من هذا ، إذ بما أنه قد أصبحت كل العقول تحت سيطرته ، و من لم يصل إليها إستعمل مصلحة القمع و الردع و حذر الجماعة منه على أساس المس بما كلف به في الاول أي حماية ثرواتهم ، فكان أن أصبح كل ما كلف بحمايته في الأول هو ملكه ومن يجرئ على عصيانه يسلط عليه إحدى مصالحه … بإيجاز هي قصة السلطة و التسلط في سطور،لكن المثير في الأمر هو ما سيؤول عليه الأمر بعد ذلك ، فكما نهاية و كما يقال دوام الحال من المحال ، إنتفظ الناس و من كان قوي جاء ما هو أقوى منه و الحكاية نعرفها بعد ذلك مع العقد الإجتماعي و ما إلى ذلك من مفاهيم و أنظمة من أجل تنظيم حياة الناس حتى وصلنا إلى مفهوم الأحزاب التي أنشأتها مفهوم الديموقراطية و أصبح الناس لهم الحق في إختيار من يمثلهم و إختيار أفضل الأحزاب لتسيير الحياة العامة
فبدأ يظهر مروجون للألعاب السحرية قبل العرض ، فهناك من يقول لك إن هذا الحزب هو أفضل من ذاك ، و آخر يرد عليه لا حزب كذا هو الأفضل لأن فيه فلان ،( و فلان على الأرجح هو يشبه الذي وثقت فيه الجماعة في الأسطورة )،يقاطعه آخر و يؤكد أن هذا الحزب الذي ينتمي إليه هو الأفضل و سيأتي بجديد و أنه سيغير إلى الأفضل و أن برنامجه إن وصل سيطبقه لأن لديه أفضل الأشخاص و الكفاءات و مترشحوه نزهاء (و هم نفس الأشخاص اللذين كانوا في كل المصالح التي ذكرتها الأسطورة) ؛
لكن في حقيقة الأمر وهذا لم تذكره أي أسطورة من الأساطير ، فكرة الأحزاب ظهرت بعد اندثار عهد الأساطير، وقد وجدت في عصر الخرافات و الأغوال والأهوال حين تفرقت الناس مجموعات و تكتلات خوفا أو حبا في شيء لأن الفرد وحده ضعيف أمام تحديات العيش و من تعجبه الخرافات ينضم لحزبها و من يخاف الأغوال ينضم لحزب الأهوال فاصبحت الأحزاب نفسها تخلق الأساطير لأن الأحزاب وجدت لهذا الغرض و هي كلها على حد سواء كيفما كان حجمها و درجتها و مركزها و على إختلاف برامجها فهي تتشابه ! تتشابه أولا في أنها تطمع إلى الحكم وبعدها التحكم و تنظر إلى مصالحها و هذا هو هدف وجودها ! و للوصول إلى هدفها تستعمل طرق كتلك المشابهة للألعاب السحرية التي تدهش المتفرجين ، حقيقة الأحزاب واحدة ، تبقى في النهاية فارغة المحتوى و بدون جدوى و ما تقدمه من برنامج في البداية هو وهم و ليس هو ما تراه بعد ذلك هو يبقى كما يقدم لك شخص في الأول على مائدة الطعام قائمة الأكل ، و أنت جائع ، تنظر و تختار ، هذا من حزب الخضر مائدته نباتية صحية و طبيعية و ذاك من حزب الأفراح مائدته دسمة و غنية و الاخر من حزب الوسط الإجتماعي مائدته موفقة و آخر من حزب السرعة و العصرنة مائدته منفتحة فيها ملذات أجنبية و ما إلى ذلك و أنت تشاهد و تختار ما تشتهيه عينك و في النهاية تقف على قرار حسب ذوقك ، كل تلك الأطعمة التي عرضت عليك حين الإنتخابات هي حقيقية و أنت تعتقد أنها ستكون لك بعدها كما رأتها عينك حين إخترت إحداها بشهوتك ، ما يحدث أنك و أنت جوعان تقول يا سلام منذ الان فصاعدا سأملأ معدتي بما طلبت و سيحقق لي ذلك الحزب ما اشتهيت ، يذهب الحزب إلى المطبخ و أنت تنتظر دائما عودة الطباخ بعد طول إنتظار تقوم لترى ماذا يفعل معد الطبخة ، لم تعد تصبر على الجوع ، تسأل عنه في المطبخ لا تجده ، تصادف أحدهم مثلك يقول لك أيه جئت من أجل كدا .. إيه لقد كان هنا و ذهب تسأل أين ، يومئ لك نحو المرحاض “لهيه “هناك ،
و أنت تقترب إلى باب المرحاض تشم الرائحة النتنة قبل الوصول”التزكية ” و المرحاض بابه مفتوح تطل لا شيء غير الفضلات ،يبدو دخل أحدهم ولم يفرغ الماء ، ولو حتى أفرغ الماء لن يجدي شيئا ف المرحاض يبدو مسدود المخرج يشبه مراحض المدارس في عهد ما و إن سألت كيف و أردت توضيح ، يجيبك يا أخي ، هذه طبيعة الإنسان ، ألا تعرف أن الأكل يهضم و بعد عملية الهضم يصير هكذا عند كل إنسان ، يا سبحان الله ، هل كنت تظنه عسل ، بعدها فقط تفهم أنك شاركت في لعبة الطباخ الساحر الذي يحول كل أشكال الأكل كيفما كان إلى فضلات ، و في أي مائدة إخترت تبقى الفضلات واحدة سواء من هذا أو ذاك ، فتكتشف أن اللعبة السحرية هي قريبة من تلك التي تشبه الكشف عن أوراق اللعب و إن توفقت في الصحيحة تربح مرتين المبلغ الذي دفعت ! و يكشف عن الأولى هذه من هنا لاشيء و هذه من هنا لاشيء أيضا ، إذهب إلى مولات الذهب تعطيك الربح مرتين ، لكن و مع ذلك تبقى اللعبة لها إقبال طالما نسبة كبيرة و غالبية عظمى من الناس لازالت تعتقد و تقول هذا الحزب هو أفضل من ذاك ، و أن هذا سيأتي بجديد و أنه سيغير إلى الأفضل و أن برنامجه إن وصل سيطبقه لأن لديه أفضل الأشخاص و الكفاءات و مترشحوه نزهاء.