محطات ما زال يسير فيها قطار العمر في مجموعة “ما زال القطار يسير” لعبد السلام العابد
بقلم: سماح خليفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“ما زال القطار يسير” مجموعة قصصية للكاتب عبد السلام العابد، وعنوان المجموعة كاملة هو عنوان أحد القصص المختارة في داخل المجموعة، تنقل هذه المجموعة الواقع الفلسطيني بأسلوب جميل مشوق قريب إلى النفس الإنسانية ولغة سلسة منسابة مطواعة وبناء سردي متماسك.
يتناول الكاتب في مجموعته القصصية عدة قضايا مهمة ترتبط بالإنسان الفلسطيني ارتباطا وثيقا، قبل وبعد النكبة وتأثير الاحتلال على تغيُّر مسار حياته وتعكر صفوها مما يشي بكاتب عليم يدير الأحداث عن خبرة، فيمسك بالأطراف والأحداث والشخوص ويصفها بدقة:
* فهو يتحدث عن علاقة الفلسطيني بأرضه التي كانت مصدر سعادته، فرغم الحياة البسيطة التي كان يعيشها والتي تتمثل بالنهوض المبكر وتشغيل بابور الكاز والسهرات الآمنة ولمة العائلة حول الشاي الساخن والخبز الشهي ثم الذهاب إلى الأرض والعمل بها بحب وسعادة، إلا أنه كان ينعم بالهدوء والسكينة والسعادة، كما يبدو ذلك جليا في قصة “الصوت الذي غاب” ص92، “ليلة شتوية” “البستان صباحا” “الدعوة”.
*النكبة حيث يصف خروج الفلسطيني من أرضه وحالة الذعر التي أصابته، فوصف خروج أبو إبراهيم من بلدة الكفرين إلى قرية معاوية ثم عانين والمغارة التي لبث فيها طيلة الشتاء ثم مكوثه عاما في السجن نتيجة القتل غير العمد، وكذلك ندم اللاجئين نتيجة تصديقهم للوعود الكاذبة كما حصل مع أبي حاتم عندما خرج من عين حوض متوجها إلى جنين ص83 في قصته “وما زال القطار يسير”.
*تطرق الكاتب إلى العوامل التي ربما عززت بشكل أو بآخر توغل المحتل الصهيوني في وطننا، مثل: -الأمية التي كانت منتشرة عند البعض ففي قصته “دعوة” يلجأ أبو نادر إلى ولده نادر لقراءة الورقة التي وصلته من المختار والتي لم يستطع قراءتها، مما يثير سؤالا في ذهن القارئ هنا: هل يمكن أن يكون الفلسطينيون قد وقّعوا على أوراق تفقدهم أرضهم عن جهل؟ –قضية الخوف من السلطة الذي لازال قائما حتى اليوم ص15 يظهر عندما قال أبو حاتم “كان علي أن أذهب دون خوف” –الفضول الذي يعتري أهل القرى عند أي حدث مما يجعلهم ينسجون قصص من الخيال ويحللون ويأولون قبل معرفة الحقيقة ص10 عندما أثار استدعاء أبي حاتم في ذهنهم أسئلة كثيرة ومن بينها:”هل تفوه بكلمة بين الناس فنقل أحدهم حديثه إلى أسياده” وهنا إشارة خطيرة إلى قضية العيون الخائنة التي ساعدت على ضياع الوطن.
*تحدث عن الانتفاضة الأولى والثانية حيث أشار إلى معاناة الفلسطيني من المحتل والمضايقات التي يتعرض لها من: -تفتيش مهين على الطرقات –تدقيق للهويات –صلب على الجدران –الضرب المفاجئ لأي شخص بلا رحمة –قلب عربات الخضرة بحجة الالتزام بوقت بيع تحددها القادة الموحدة في قصة “الصورة” ص41 -مداهمات التفتيش العشوائية والتخريب والتكسير ص43 –الهلع والخوف من أصوات الطائرات والانفجارات –صعوبة التنقل ليلا بسبب الحواجز المفاجئة للاحتلال ويظهر ذلك في قصة “الأم” عندما أطلق الجنود النار على السيارة ويتموا أولادها وكذلك أشار إلى المجنزرات التي تغلق الطرق بشكل مفاجئ في قصة “جبلان أسودان” –معاناة أهالي الأسرى والشهداء المطاردين من حيث هدم بيوتهم ص117 قصة “في هدأة الليل” –افتقار الطفل الفلسطيني لأبسط حقوقه في حياة آمنة بحضن والده كثائر الذي ينام والده في الخلاء مطاردا بعد أن حكم عليه بالسجن بدون سبب ص33.
*استحالة عيش الفلسطيني بسلام مهما حاول حتى لو مشى الحيط الحيط وقال يا رب الستيرة كما حدث مع الطالب الجامعي سالم الذي بذل قصارى جهده لعدم التدخل والاشتباك وتجنب كل أشكال المقاومة ولم يسلم.
*أشار إلى صلابة المرأة الفلسطينية في قصة “الصورة” حيث أن زوجة الشهيد التي تعلق صورة زوجها وتحتفظ بذكراه والوفاء له، يأتي الاحتلال ويدمر كل شيء حتى صورة زوجها لكنها تأبى إلا أن تذهب إلى السوق وتحضر إطار جديد وتعلق الصورة مكانها وتجدد عهدها مع زوجها الشهيد من جديد.
*تناول الكاتب معاناة أهل المخيم في قصته “بلاغة الصمت” ص48، فهي لا تكمن فقط في التهجير بل بإبعاد أبنائهم عنهم بحجة أنهم مخربون محرضون، ويتطرق أيضا إلى علاقة أهل المخيم القوية ببعضهم ويظهر ذلك عندما تكاتفوا وحملوا أبو جهاد على أكتافهم بالأهازيج وخففوا عنه مصابه عندما علموا عن إبعاد ابنه.
*تحدث في قصصه “الغربة” “الحدس” “السفر الطويل” “شيء من العذابات” عن اجتياح الكويت ومعاناة الفلسطيني الذي سافر إلى الكويت ليحسن وضعه لكنه بعد حين وجد ما ليس بالحسبان، فيتحدث الكاتب عن ألم الغربة والبعد ووجع الحنين ص54، سلبت حرب الخليج أحلام الفلسطيني في خلاصه من معاناة الوطن ليؤسس مستقبل جديد في الكويت ليتفاجأ بالموت مما يجعله يفضل الموت في الوطن ويجد فيه طعما آخر مما جعلهم يتركون مكان عملهم ويعودون إلى الأردن، لكن الخطأ الذي وقع فيه المغتربون أنهم لم يفكروا بالاستثمار في وطنهم ص72.
*أشار الكاتب في قصته “قلب وقصيدة” إلى ضرورة إثراء المناهج من مصادر خارجية وتكثيف القراءة وضرورة انخراط الطالب في التجربة العملية ووقوعه في قلب الحدث ليستشعره، فمصدر إبداع عادل في إجابته ليس فقط دراسته وإنما تجربته الشخصية وقراءته لقصيدة ابن زيدون، وتحدث أيضا عن أهمية التعزيز وتأثير الكلمة الطيبة والتي قلبت الحالة النفسية لعادل رأسا على عقب حيث قال: “كلمة صادقة تخرج من القلب أو تصل عبر رسالة كفيلة بأن تطرد عن النفس كل مظاهر الملل والإحباط”
لابد من الإشارة إلى أن الكاتب لم يغفل عن التراث البيئي فأورد “نبات الجعدة واللوف الاخضر والمنجل…”
الأمثال: “على مين شاطر يا جحا…على مرة عمك”ص13، “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك”ص25، “امشي الحيط الحيط وقول يا رب الستيرة”ص24، “الحجر مطرحه قنطار”ص81.
المقولات المتوارثة من الأجداد: “هذه الأرض المباركة لا يعمر فيها ظالم “،”درب يودي ما يجيب”،”خذ وما تعطيش في الكلام”.
يظهر عنصر التشويق جليا في مجموعته وخاصة قصة “مسار آخر”ص109 حيث أن البداية لا تشي أبدا بالنهاية.
حرص الكاتب على إيراد أسماء القرى الفلسطينية في قصته “البستان صباحا” عندما اصطحب الوالد اطفاله وجلسوا في سهل مرج بن عامر وعدّد لهم: الجلمة، عرانة، عربونة، فقوعة، جلبون، دير غزالة، صندلة، مقيبلة، سولم…
يجدر بالذكر أن المجموعة صادرة عن مكتبة كل شيء حيفا في ض132 صفحة من الحجم المتوسط.