هل جنس النساء أقلّ حظّا؟ / بقلم: آمنة بريري

هل جنس النساء أقلّ حظّا؟ / بقلم: آمنة بريري
ــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت صديقتي حانقة:
ـ مكتوب على كلّ امرأة أن تعيش تعيسة وناقصة حظّ وذلك لمجرّد أنّها قد خلقت امرأة.
فسألتها:
ـ هل تقصدين أنّ جنس النساء أقلّ حظّا من جنس الرجال، وأنّ الذكور أكثر سعادة منّا معشر النساء؟
فقالت في ضيق:
ـ تلك هي الحقيقة عينها. ألا ترين ما يتمتّع به الرجال من حرّيات وميزات لا نملك منها شيئا؟ ألا ترين أنّهم يعيشون الحياة التي يشاؤونها ويختارونها بينما نظلّ نحن أسيرات الظروف والأقدار، فلا نستطيع لأنفسنا نفعا ولا ضرّا. فكيف تتساءلين إن كانوا أكثر حظّا وسعادة منّا؟
فقلت في تأكيد:
ـ إنّ ما تقولينه يتطلّب للتأكيد عليه جهازا دقيقا يقيس مقدار السعادة والحظّ الذي يحصل عليه الرجال والنساء على مدار عمرهما، ثمّ يقارن بين المقدارين. وآنذاك نتبيّن من منهما الغالب في مجال الحظّ والسعادة.
نظرت إليّ صديقتي باستغراب، ثمّ تساءلت في حيرة:
ـ هل تسخرين منّي؟
فأجبتها في بساطة:
ـ كلاّ يا عزيزتي. لكن ما أعلمه أنّه من الخطأ الأخذ بظاهر الأمور. فربّما يكون الظاهر موحيا بتفوّق الرجال على النساء في عموميّات الأمور. لكن فلننظر إلى التفاصيل وإلى جزئيّات الحياة البسيطة، ولنحسب مقدار المتعة والسعادة التي يحصل عليها كلّ رجل أو امرأة من ثنايا الأيّام العابرة. من هنا يظهر المقدار الحقيقيّ لحظّ كلّ واحد منهما. أمّا النظر إلى الأمر هذه النظرة العامّة فيوقعنا في الخطأ. ولنأخذ مثلا امرأة يضطهدها مجتمعها وتظلمها أعرافه الجاهليّة. فهل هذا يعني أنّ الرجال في مجتمعها هذا أكثر سعادة منها؟ فقد يقيّض الله لها في حياتها ما يجعلها سعيدة ومرتاحة بقدر لا يحصلون هم رغم حرّيتهم وانطلاقهم.
فقالت صديقتي معترضة:
ـ لا تنكري أنّها في هذه الحالة ستشعر بكونها مقهورة مضطهدة، وسيعكّر عليها ذلك صفو سعادتها بينما سيظلّ الرجل مزهوّا بحرّيته سعيدا بالمنح التي وهبتها له الأقدار.
ـ لكنّ هذا لن يغيّر مقدار حظّها من السعادة والحزن شيئا ،ولا مقدار حظّه منهما .فالسرور ليس مأتاه أحد الأشخاص يتكرم علينا به بل يهبه لنا الخالق على قدر ما نقدّم من أعمال صالحة .فهذا الرجل الذي يتحكّم بأمرها ليس هو محدّد مقدار سعادته ،بل هي ما تحدّد ذلك بما تكسبه نفسها .لأنّ الحقيقة أنّ الإنسان يساهم في تحديد حجم السعادة التي يحظى بها في حياته .فبعمله الصالح يطمئنّ قلبه وتتنزّل عليه السكينة التي تعني هدوء النفس واطمئنان الروح وذلك هو مفهوم السعادة الحقّة .وأذكّرك بالآية الكريمة التي تقول : الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ .(الرعد 28 )
وبقوله تعالى أيضا: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح 4).
قالت صديقتي مبتسمة:
ـ تعجبني نظرتك الورديّة للأمور .
ـ ليست هذه نظرة ورديّة بل هي حقيقة الأمر. إنّ الله لم يعلّق السعادة بجنس الرجل دون جنس المرأة، أو العكس. بل جعل ذلك مرتبطا بالعمل. إذ يقول سبحانه وتعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة (النحل 97)
أمّا تلك الفوارق التي تحدّثت عنها فمجرّد شكليّات تنظّم العلاقات بين الجنسين، وليس لها علاقة بالحظّ أو السعادة على الإطلاق.