مراسم الزواج في كردستان و تلمسان/نوميديا جرّوفي – واحة الفكر Mêrga raman

%d9%86%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a7-%d8%ac%d8%b1%d9%88%d9%81%d9%8a

مراسم الزواج في كردستان و تلمسان

توجد اختلافات في طقوس ومراسم الزواج من بلد لآخر و من منطقة لأخرى ؛ ففي نفس البلد الواحد هناك اختلافات كثيرة في معظم الأحيان بسبب التقاليد والأعراف الموروثة من جيل لآخر.
و بعض المناطق قد غيرت كثيرا من تلك الطقوس والعادات الموروثة بسبب العوامل الجغرافية و التكنولوجيا التي عمّت العالم ، في حين بقيت تلك العادات سارية و حية وقائمة لعقود طويلة من الزمن في الكثير من المجتمعات تتفاخر بها مناطقها كجزء لا يتجزأ من تراثها كما في المجتمع الكردستاني ، الذي بقيت فيه تقاليد الزواج متوارثة عبر الأجيال.
إنّ ما جذب انتباهي أكثر هو تشابه تلك التقاليد و الأعراف بين كردستان و مدينتي تلمسان الواقعة في غرب الجزائر ، والتي توارثها جيل تلو آخر ، منذ عقود دونما تغيير ملحوظ ؛ فنفس التقاليد الموجودة هنا تجدها هناك و كأننا ننتمي لنفس المنطقة رغم المسافات الهائلة الفاصلة بيننا، و الفرق الملحوظ بيننا هو الزيّ الذي ترتديه العروس و يرتديه العريس .
لقد تفاجأت و أنا أتصفح بعض المواقع الكردية ؛ حيث وجدت عادات الكرد و تقاليدهم شبيهة بعاداتنا في تلمسان ؛ فابتهجت وسررت بوجود إخوة وأخوات لنا من بلد آخر يشاطروننا التقاليد و الأعراف نفسها.
يقولون : “العروس التّلمسانية هي أغلى عروس في العالم” بسبب مهرها، لكنهم أخطأوا ؛ لأن العروس الكردية أيضاً أغلى عروس في العالم بسبب مهرها.
ما يفرقنا في عادة الزواج هو وجود (الإشبينة) التي تلعب دورا مهما في الزواج في كردستان ، والتي لا دور لها في تلمسان.
إن الطقوس التي يمارسها الشعب الكردي عند الزواج تمثل فلكلورًا خاصًا، له طابعه المميز عن بقية الشعوب، حيث لم تؤثر عليها عمليات التطور والتمدن ، وخصوصًا في الأرياف.
من هنا إذا ما تجاوز الشاب العمر المعقول للزواج ولم يعبر عن رغبته فيه نتيجة خجله (مثلاً) فإن الأب أو الأم أو أحد الإخوة يقوم بكسر هذا الحاجز ويفاتح الشاب في الموضوع. أما إذا كان الشاب يريد فتاة معينة فإن مجموعة من الأقارب يطلق عليهم اسم (داخوازيكه ران) أي طالبو يد الفتاة للزواج مثل الأم والأخت والعمة، يقومون بمفاتحة أم الفتاة بموضوع التقارب والزواج. ولا تقوم والدة العروس بإعطاء الجواب سواء أكان بالموافقة أو النفي، بل تطلب مهلة زمنية لإبلاغ الأب.. ولا بد هنا من موافقة كل من الفتاة ووالدها وأخوتها وعمها وابن عمها ؛ لأن ابن عمها له الأحقية بالزواج من الفتاة ويطلق عليه اسم ( ئاموزا بشته) بعد انتهاء المهلة الزمنية المحددة تذهب إحدى قريبات الشاب ؛ لأخذ الموافقة، أو تذهب إحدى قريبات الفتاة لإبلاغ أهل الشاب.
و بعدها يقوم والد الشاب مع الإخوة وبعض وجهاء المنطقة باختيار رئيس لهم، والذي يكون إمام المسجد في أغلب الأحيان ، ويذهبون الى بيت الفتاة للتقدم بشكل رسمي.
يتم الاتفاق على الذهب و المهر بالتراضي. والجدير بالذكر هنا أن العريس يدفع المهر لأهل العروس لتزويدها بالملابس والأثاث و هو ملزم بتحمل كافة النفقات من الملابس والأثاث والاحتفال.
بعد ذلك تقوم والدة الشاب وأخواته بأخذ الفتاة إلى السوق ؛ لشراء الذهب، والذي يكون في الغالب الحزام والكردانه (العقد ، القلادة) والدرع والحجل (للرجلين) ، وهي الحلي التي تلبسها العروس فوق الملابس التقليدية الكردية.
وقد كانت الـ (بَربووك = الإشبينة) سيدة الموقف في كل حالات الزواج في كردستان ؛ لأن العروسين ما كان لهما أن يتعرفا على بعضهما البعض إلّا بليلة الزفاف. و لها دور مهم في تهيئة العروس للزواج منذ اللحظات الأولى لخطوبتها وما قبلها من ترتيبات، وحتى إيصالها إلى بيت الزوجية.
وغالبا كان من الصعب جدا أن تتزوج الفتاة بدون أن تتولى الاشبينة أمرها.
و بالنسبة لمراسم الخطبة وليلة الزفاف، فالجدات يقلن:
” إن الفتاة ومنذ سن مبكرة محظور عليها الخروج من منزل والدها إلّا بإذن مسبق وبرفقة احد أفراد الأسرة مع لبس عباءة سوداء وتغطية وجهها إمّا بالحجاب أو بالخمار الأسود؛ لذلك لم يكن بمقدور الشباب مطلقا اختيار فتيات أحلامهم أو الاتفاق معها على الزواج كما هو الحال الآن ؛ حيث لا قيود ولا تقاليد” جدة من كردستان تقول هذا ، و هو نفس تقليدنا قديما في تلمسان غير أن ما كان يحجب الفتاة هنا في تلمسان هو ارتداءها عباءة بيضاء تغطي كامل جسمها تسمّى بـ (الحايك)
و بعد الخطوبة تقدّم أسرة العريس المهر المتفق عليه مسبقا إلى أسرة العروس مع الحلي الذهبية إلى العروس بواسطة والدة العريس أو شقيقته أو إحدى قريباته ؛ لتلبسها في غرفة أخرى وسط أهازيج وفرح ذوي وأقارب العريس ، ثم توزّع الحلوى والمشروبات ، وبعدها تقام وليمة عشاء كبرى ، و تعتبر تلك المراسم إعلانا للخطوبة.
تأتي بعدها بشهر واحد مرحلة الاستعداد ليوم الزفاف باتفاق عائلتي العروسين، حيث تخضع العروس قبل ذلك بثلاثة أيام لعمليات تجميل (غير جراحية ) كحف الزغب والشعر عن وجهها وأطرافها وللمرة الأولى في حياتها، وصبغ شعرها بالحناء لتفوح منه رائحة زكية.
و ليلة الحنة هي الأهم بالنسبة للعروس لأنها تكون آخر ليلة تقضيها في بيت أهلها وتكون مخصصة للنساء فقط ؛ فقد جرت العادة على أن يقوم العريس بإرسال عدد من أكياس الحنة مع مبلغ من المال بنفسه أو عبر أحد أقربائه من أجل الاحتفال بهذه الليلة. و في ليلة الزفاف تجتمع النسوة من أهل العروسين وأقاربهما في بيت العروس لإحياء هذا الحفل، تتولى فيه الإشبينة وضع حفنة من الحناء في راحتيّ العروس وعلى أطراف أصابعها وأسفل قدميها وكعبيها كنوع من الماكياج، بالإضافة لتوزيع ما يتبقى من الحناء على جميع النساء الحاضرات و بالأخصّ الفتيات المتلهفات على الزواج، جريا على الاعتقاد القائل إن الفتاة التي تتعطر وتتبارك بحناء العروس، يوفر لها الطالع والحظ في فرص الزواج في أقرب وقت.
( نفس التقاليد منذ الخطوبة إلى ليلة الحناء و الاعتقاد في الحناء بالنسبة للفتيات اللاتي يرغبن في الزواج هنا في تلمسان باستثناء غياب الإشبينة التي تلعب دورا هاما في كردستان)
وفي صبيحة اليوم التالي، تقام مراسم زفاف العروس في منزل العريس حيث تنقل العروس من بيت والدها إلى عش الزوجية على ظهر حصان يتم تزيينه وتحضيره خصيصا لها، ترافقه عدة خيول يمتطيها رجال يرتدون الزي الكردي ويحملون بنادق (البرنو) ويتحزمون بأشرطة من الطلقات النارية، والخناجر في خواصرهم والمسدسات في جنباتهم كجزء من الديكور المكمل للموكب الذي يرافق العروس في زفافها. وطوال الطريق الى بيت الزوجية يطلق الفرسان النار في الفضاء ابتهاجا.
و في بعض الأحيان وقبل مغادرة العروس لبيت أبيها يقوم أحد إخوتها ويكون أكبرهم بربط حزام لها في دلالة على أن للفتاة إخوة، فإذا ما تعرضت لأي نوع من أنواع الإهانة فإن لها من يساندها.
يتم اصطحاب العروس لبيت زوجها في أجواء احتفالية، حيث يصعد العريس أو أحد أخواته إلى سطح البيت حاملاً صحنًا مليئًا بالحلوى والقطع النقدية والحنطة ويقوم بإلقائها على المدعوين وذلك ليظهر أنه قادر على إعالة المنزل و هو صاحب مسؤولية.
وعند باب منزل الزوجية يستقبل العريس عروسه وينزلها من ظهر الجواد ويرفع عن وجهها الطرحة البيضاء الرقيقة، ويقبل جبينها تعبيراً عن الترحيب بها في منزلها الجديد. وبعد دخول العروسين إلى غرفتهما، يقام الحفل البهيج بمشاركة الرجال والنساء من الأقارب والمعارف والأصدقاء والجيران و تبدأ في حفل الزّفاف حلقات الرّقص المختلطة بين الرّجال والنّساء، حيث الأغاني والدبكات الكردية الفلكلورية التي تستمر لساعات طويلة وفي حلقات كبيرة على ضربات الطبل وأنغام المزمار حيث تبدأ الموسيقى بالعزف بينما يرقص الأكراد مرتدين ملابسهم الشعبيّة التقليديّة الفضفاضة والملوّنة المزركشة، و هي ملابس تنتفض مع هبّات الهواء وتنتفش، وخلال حفلات الزّواج تكون بداية العلاقات والتّعارف بين الشباب والفتيات والّتي تنتهي بالحبّ والعشق، ويليه الزّواج.
في العادة تستمر احتفالات الزواج لمدة ٣ أيام، وأحيانًا تستمر لمدة ٧ أيام، وفي اليوم السابع يقوم المدعوون بتقديم الهدايا للعروسين، ويطلق على هذا اليوم اسم الأسبوعية، وترتدي فيه العروس الزيّ التقليدي الكردي المزين بالحلي الذهبية.
و هنا في تلمسان نفس العادة إلّا أن العروس تخرج من بيت أهلها بثيابها التقليدية المسماة (القفطان) لتصل لبيت زوجها في سيارة مزينة خصيصا للعروس يرسلها العريس مع مجموعة من السيارات الأخرى لنقل أقاربها الذين يرافقونها و بعد و صولها تستقبلها أمه ؛ ويأتي هو بعدها على حصان وسط أصدقائه بفرح و بهجة و غنائهم طول الطريق بالطبل و المزامير لحين وصوله ويرفع عن وجهها الطرحة البيضاء الرقيقة، ويقبل جبينها تعبيراً عن الترحيب بها في منزلها الجديد بعد وصوله للبيت حيث يقام الاحتفال.
وهكذا رأينا برغم المسافات الفاصلة بين الشعبين أن التقاليد واحدة متوارثة عبر الأجيال و مازالت قائمة لوقتنا الحالي.
هنيئا لنا بإخوتنا في كردستان و نحن نشاطرهم عادات و تقاليد منذ عقود.

نوميديا جرّوفي
كاتبة,شاعرة

jjnblkj lkjhb lkjjn oij oiujm okjmn plkjhn poiujhy

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *