أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة/مادونا عسكر – واحة الفكر Mêrga raman

 

أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة

(1)

 

إذا كان لكلّ أمّة أن تفخر بعباقرتها ومبدعيها، وتعتبرهم أعمدة حضارتها وقوام معرفتها وثقافتها، وتعتزّ بالوطن الّذي ينتمي إليهم، فحريّ بالأمّة العربيّة ولبنان خاصّة، أن يتباهيا بمرجع أدبيّ ومذهب إنسانيّ، أنسي الحاج.

وإذا كان لا بدّ أن نرتقي إلى مستوى أنسي الحاج اللّغة وجب أن نلج عالماً نسجه أنسي بخبراته، وحبّه، وعذابه، وإنسانيّته. ولوج هذا العالم أشبه بولوج “فينيقيا” المنفتحة على العالم، المبشّرة بالحرف. فأنسي الحاج، بشعره المجبول بالثّورة على الذّات، يبشّر بالمعرفة والحبّ والجمال، خلاص الأجيال الآتية من نير التديّن، والبغض، داعياً إلى التّوغّل في العمق الإنساني حتّى يكتشف بذور الجمال، وقوّة الحبّ.

“أنسي هو، بيننا، الأنقى.”، هكذا يعرّف عنه أدونيس، وهكذا تنكشف لنا نقاوة أنسي الحاج الّتي ترجمتها النّصوص والشّعر. ولئن أردنا الولوج في أنسي اللّغة، والتّفاعل معها، يلزمنا لا أن نكتب عن أنسي الحاج، بل أن نكتب أنسي الحاج. فالكتابة عنه قد تجنح إلى التّقليل من رفعة النّصّ الأنسي، وأمّا كتابتُه، فهي أشبه بشراكة بين العالم الأرضي حيث نحن، والعالم السّماوي أو “العدم المحرّر” كما يسمّيه أنسي، “مكان تُسمع فيه الرّوح أكثر”، حيث هو. إنّها الشّراكة الكتابيّة ورفقة أنسي القيمة الّتي لا تموت، واللّغة الّتي لا تفنى، والحلم الّذي يرفرف فوق ربى لبنان، وينثر الفكر الّذي لا تقوى عليه رياح الفناء.

 

“كان هذا سهواً”، بدايات النّهاية، ولادة أنسي من رحم الرّحيل،  حيث سكب أنسي الحاج كلّ ذاته، لتخلد كلمته بسرّها، وتنتزع من العدم قدرته على إفنائها. إنّه، كما يكتب الشّاعر والنّاقد اللّبناني عبدو وازن،”آخر الخواتم، خواتم الخواتم الّتي لا خواتم لها على خلاف ما توحي به ظاهراً”.  خواتم كيانيّة، بين الميتافيزيك والدّين، والّذات، والسّلوك، والأدب، والحبّ. وعزف فكريّ وروحيّ على أوتار غيوم تعلّم فرح الزّوال.

 

مادونا عسكر/ لبنان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *