أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة 7/ مادونا عسكر – واحة الفكر Mêrga raman

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة

 

ذات (2)

 

يصحّ أن نطلق على الفصل الثّاني من كتاب “كان هذا سهواً” لأنسي الحاج عنوان “اعترافات أنسيّة”. فالذّات الأنسيّة تواجه الذّات الإنسانيّة وتتأمّل في لحظة انعزال عن العالم، النّور الجديد المنكشف لأنسي الحاج وهو منغمس في صمته. وإذ نتحدّث عن النّور فلئن كنّا أمام سلطة اللّغة وقوّتها، وتماهي الذّات مع أنسي اللّغة، وانفتاح الكيان الإنسانيّ على الحريّة. والاعترافات الأنسيّة تأخذ شكل الحوار مع الّذات بل مناجاتها كرفيقة دائمة. وهي لا تأتي بسياق المحاسبة أو مراجعة الذّات لأنّ أنسي منفتح دائماً على تحريك الفكر الإنساني في سبيل تحريره من القيود.

يذكر الكاتب اللّبناني عقل العويط في مقال له بعنوان “تحت الضوء – “كان هذا سهواً” لأنسي الحاج: قَدَري أن أحفر الهاجس وألعب ضدّ الأقدار”: “لا أحد يمكنه أن يتصوّر، أو أن يتوصّل إلى استنتاجٍ مفاده أنّ هذه الشّذرات كُتِبت، مثلاً، في حين كان الشّاعر يعيش لحظات الحشرجة، عارفاً أنّه يموت. لا شيء يوحي بذلك. فاللّغة في أعلى درجات تأهّبها الرّوحي والأسلوبي. لا استرسال. لا شرح. لا “عواطف”. لا انفعالات. لا ارتجاف. لا وهن. لا تكلّف. ولا “وصايا”. لكأنّ هذه الشّذرات كُتِبت قبلاً. في عزّ كبرياء الجسد والعقل، وفي الأنفة المطلقة. لكنّها في وقائع الحقيقة الفادحة والجارحة، مكتوبة الآن، تحت الهول. تحت يد الموت.” (1)

أنسي الحاج روح اللّغة وقوّتها، كتب خواتمه بعصب الرّوح لا بقوّة الجسد اللّحم والدّم، فتخطّى اللّغة والحرف والأنا ورنا إلى ما هو أبعد من الخلق، إلى راحة الكيان الحرّ.

“الكلمات تشتاق إلى تخطّي حدودها فتتخطّاها. كذلك التّراب والأيادي والأرواح.

ويسمّى ذلك خلقاً.

ماذا يحدث إذا تاقت الأشياء، بالعكس، إلى النّكوص على ذاتها والتّغلغل متقهقرة إلى ضباب الأغوار؟

يحدث فرار من الوجود الصّارخ إلى وجود لطيف، رؤوف.

ولا يسمّى خلقاً.

لكنّه أرحم من الخلق.” (2)

تحت يد الموت يكتب أنسي بعظمة وأبّهة وثبات لأنّه يرى في ما لا يُسمّى خلقاً رحمة ووجوداً لطيفاً رؤوفاً، وتحرّراً من تخطّي الحدود التّقليديّة. فأنسي يرنو إلى تخطّي الذّات والتّغلغل في الأنا المتحوّلة إلى المجد.

———-

(1) صحيفة النّهار- 18 آب 2016 – السنة 84 – العدد 26053

(2) كان هذا سهواً- أنسي الحاج- ص 58.

 

 

 

 

مادونا عسكر/ لبنان

شاعرة وناقدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *