جدائل غجرية/مجدي رضواني – واحة الفكر Mêrga raman

 

 

جدائل غجرية

“شارع الاستقلال، منطقة تقسيم إسطنبول”

كان ينظر إليها من النافذة، وقطرات المطر تتغلغل بين خصلات شعرها كسيل أدرك نهرا فانصاع طوعاً، كعادة آدم حين يقوده قلبه نحو الهاوية. كأول الحب حين تبدأ الرحلة جميلة نحو المجهول, هكذا كانت قطرات المطر تفنى بين جدائلها

أمّا هو، فرقصتها الغجرية تحت المطر أشعلت ما تبقى من تبغ الذاكرة وجعلته يشتهي أن تتمدد يده ليراقصها رقصة زوربا اليونانية أو التانجو الأرجنتينية. تلك الرقصة التي تجعل من الطرفين قداحتين لنار النشوة . نار تدفئها وتفنيه

سيجارة أولى ثانية فثالثة

همّت الراقصة بالتوقف والتوجه نحو حيها القصديري لكنها لم تكن تعلم أن رائداً من رواد مقهى بولفار التركي قد كان ملما بتفاصيل رقصتها المغرية وتناسى نقاش جلاّس “ساروجة اسطنبول” حول البلد الجريح والمنفى القبيح

والمار حذو الشارع التجاري لا يخيل له لوهلة واحدة أن إحدى تفرعاته قد اتخذها المهاجرون وطنا ومنبر للنقاش في أدق تفاصيل سوريا الجريحة,تلك التي تبعد عنهم أميالاً لكن أقرب إليهم من حبل الوريد.

أفيون الشباب ومرتع الصبي. ووحشة المنفى تدل عن حب الوطن

ولعل تعمُّد مالكها أن يضع أغاني صباح فخري التي تذكر أحدهم بلحظات نعيم بحمامات دمشق القديمة والنرجيلة الشامية الأصيلة

وتارة تمرّ أغنية تراثية كُردية الألحان لتلهب حنين الأغلبية لرائحة الجبل البعيد ولذة لقاء الحبيبة تحت جنح الليل حين كانت البندقية إحدى شموع صلاتهم وكلماتهم ترانيم الفجر الأخير

أما أبو خالد فلا تعنيه لا هذه ولا تلك، فسوريا مجزرته العتيقة، ترك الخلان رفاة وهاجر أو رُحِّل إلى “الباب العالي” لكنه يحن إلى ما قبل المنفى وقبل المجزرة. إلى نبيذ الكروم المعتق ولحن الكنائس تتخلله وصلات الآذان المقدسة

لكن الراقصة وثيابها المزركشة ذهبت بما تبقى بعقله وهو لا يعلم كم من لعنة تختبئ بين طيات تلك الثياب وكم هو قاتل ذاك الأسود الذي زاد من جمال سيدةٍ في العيون الغجرية.

 

 

مجدي رضواني/تونس

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *