حوار الأديان والتعدد الثقافي يتألقان في أمسية بزيوريخ – واحة الفكر Mêrga raman

نظمت رابطة آرارات الثقافية أمسية ثقافية وعلمية مساء يوم الأحد 5 فبراير 2017 بمقرها بزيوريخ ـ سويسرا . وقد حج إليها جمع غفير من الجالية الكردية والعربية المسلمة المقيمة في سويسرا.
وبعد أن قام الأستاذ خالد ديريك نائب رئيس رابطة آرارات بتقديم تعريف مفصل ودقيق عن المسار العلمي المتميز للباحثة الدكتورة كريمة نور عيساوي المتخصصة في علم مقارنة الأديان، كان للحضور موعد مع محاضرتها القيمة المعنونة ب المشترك الإنساني في الأديان السماوية: الحوار المنشود، والتي تندرج في سياق ما يشهده العالم من تحولات، وعلى رأسها التنامي غير المسبوق لظاهرة الإرهاب وتوجيه أصابع الاتهام إلى الإسلام بسبب تورط بعض المنتسبين إليه في الكثير من العمليات الإرهابية.
وقد انطلقت الباحثة الدكتورة كريمة نور عيساوي في مداخلتها من تفنيد المزاعم التي تدعي بأن الإرهاب صناعة إسلامية، فالأديان كلها براء من هذه التهمة، وما يُنسب إليها من عنف ارتكب باسمها قديما أو حديثا هو نتيجة قراءة معينة للنص الديني. لكن ما كان مقبولا في الماضي، وفي سياق تاريخي معين، من انتهاك مادي أو معنوي للحقوق، ومن تصادم بين الأديان بسبب قيام الوعي الجمعي على مجموعة من الثنائيات أبيض / أسود – مؤمن/ كافر – سيد / خادم أصبح الآن عملا إجراميا.
ولكي تكون وفية لهذا المنطلق ركزت في القسم الأول من مداخلتها على المشترك الديني والإنساني في الديانات السماوية الثلاث كما يتمثل في العبادات. وقد أبرزت أن خلف أوجه الاختلاف بين الصلاة في كل اليهودية والمسيحية والإسلام تكمن مقاصد متماثلة تتمثل في أن المؤمن، وبصرف النظر عن العقيدة التي يؤمن بها، يتوجه في وضعية خضوع وإذلال وتوسل نحو الإله خالق الكون. تتباين اللغات. أما الرسالة فهي واحدة. بين المسيحية من جهة واليهودية والإسلام من جهة أخرى . تتباين اللغات. أما الرسالة فهي واحدة.
وانتقلت بعد ذلك للحديث عن الوصايا العشر كما وردت في التوراة، وقارنتها بما يناظرها في كل من العهد الجديد والقرآن الكريم لتخلص إلى أنها في واقع الأمر تعبير عن قيم إنسانية مشتركة. واستطردت موضحة بأن هذه الوصايا / القيم التي صيغت على شكل قوانين لم تأت من عدم، فهي تنهل من إرث شرقي قديم رأى النور في بلاد الرافدين بحيث سيُشكل قانون حمورابي محطة أساسية فيه.
وسلطت الباحثة الضوء في القسم الثاني من هذه المداخلة على أمثلة حية من التعايش بين الأديان السماوية في ظل الحضارة العربية الإسلامية. ووقفت عند مفارقة غريبة تتمثل في أن الغرب شديد الاعتزاز بماضيه، هذا في الوقت الذي تقاعس فيه العرب والمسلمون عن إبراز الدور الكبير الذي قاموا به من أجل الإسهام في بناء الحضارة الإنسانية في وقت ما، وفي تثبيت قيم التعايش والتفاهم والتسامح. وحتى لا يكون حديثها نظريا تطرقت إلى نموذجين يعكسان البعد الإنساني في الحضارة العربية الإسلامية، وهما: الترجمة باعتبارها جسرا للتواصل بين الثقافات وعلم مقارنة الأديان باعتباره مرآة للتعايش بين الأديان. ففي النموذج الأول استحضرت دار الحكمة ببغداد، ودور العلماء السريان في نقل التراث اليوناني إلى العربية، وأشارت إلى اليهود الذي شكلوا حلقة وصل بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية المسيحية، وذلك حينما سيعمدون قبيل سقوط الأندلس الإسلامية وبعدها إلى نقل التراث العربي الإسلامي إلى اللغات الأوروبية. وفي النموذج الثاني بينت أن الحضارة العربية الإسلامية سيكون لها الفضل في تأسيس علم مقارنة الأديان حيث سيعكف العلماء المسلمون والمسيحيون واليهود على تأليف مصنفات غير مسبوقة حول العقائد والأديان.
وختمت المداخلة بدعوة العرب والمسلمين إلى خوض معركتين في آن واحد: مقاومة كل أنواع التمييز والإقصاء والانغلاق في مجتمعاتهم الأصلية، وتحسين صورتهم في الغرب والترويج لها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
و بالإضافة إلى المحاضرة العلمية تضمن البرنامج قراءات شعرية من توقيع نخبة من الشعراء المرموقين الذين شنفوا مسامع الجمهور بباقة مختارة من القصائد الشعرية، والتي تراوحت مابين اللغتين الكُردية والعربية.
افتتحت الأمسية الشعرية بكلمة ترحيبية تفضل بإلقائها الأستاذ الدكتور شيخ بريم رئيس رابطة آرارات الثقافية، والتي كانت على الرغم من قصرها وإيجازها، حبلى بالدلالات، وغنية بالأفكار. فبعد أن شكر جمهور الحاضرين، والضيوف المشاركين في هذه الأمسية الشعرية أكد على الوظيفة الكبرى التي يؤديها الشعر في تهذيب النفوس، وتنقية الأرواح، وتأريخ اللحظة مركزا على الأدوار التي يضطلع بها المثقفون والشعراء من تلقاء ذاتهم في الحفاظ على تراث الأمم، ولاسيما أولئك الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية حماية تراثهم من الاندثار، والمحافظة عليه لكي يصل كاملا غير منقوص للأجيال اللاحقة.
وقد قدمت بعد ذلك الدكتورة غمسوسي فاطمة غفوري رئيسة الجمعية الثقافية العربية الفرنسية، كلمة مختصرة أعربت فيها عن دور الجمعيات المهم في نشر الثقافة والوعي لدى الجاليات المقيمة في أورويا باعتبارها شريكا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه في أي عملية تسعى إلى اندماج هذه الفئات المهمة في المجتمع.
كما تم إثراء هذا البرنامج الحافل بمسرحية حول التعايش بين الأديان أدتها الفرقة المسرحية التابعة لرابطة آرارات، وأعقبتها مقاطع من رقصة من الفلكور الكردي ثم دقت بعد ذلك ساعة الاستماع إلى القراءات الشعرية حيث تعاقب على إلقائها في جو شاعري مهيب مشحون بالألم والأسى والشجن نخبة من الشعراء: الشاعرة كريمة نور عيساوي. القادمة من المملكة المغربية والشاعر عبد الرحمن أحمد والشاعرة خلات أحمد والشاعر خالد ديريك والشاعر لا زكين ديرونيو الشاعرة خلات علي والشاعرة زينه حسن كضيفة شرف.
..ومما زاد القراءات الشعرية رونقا وجمالا عزف الفنانين الرائعين محمد إبراهيم وياسر على آلة الطنبور.
وتم في هذه الأمسية تكريم خاص للدكتورة والشاعرة كريمة نور عيساوي من قبل رابطة آرارات الثقافية نظرا لدورها الريادي في علم مقارنة الأديان ، كما تم تكريم جميع الشعراء من قبل رئيس رابطة آرارات الثقافية الدكتور شيخ بريم. وتعبيرا عن بالغ شكرها للرابطة قدمت الدكتورة والشاعرة كريمة نور عيساوي بدورها شهادة التقدير للدكتور شيخ بريم رئيس رابطة آرارات الثقافية، كما قدمت هدية إلى خالد ديريك نائب رئيس رابطة آرارات الثقافية. واختتمت الأمسية بشكر رئيس الرابطة الأستاذ الدكتور شيخ بريم الجمهور على الحضور وشكر جنود الخفاء اللذين قاموا بكافة الخدمات كما ضرب موعدا للنشاط المقبل.

 

خالد ديريك

06/02/2017

 

[highlight][/highlight]                

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *