عيد نوروز (نه‌وروز) في كردستان/ بقلم: نوميديا جرّوفي – واحة الفكر Mêrga raman

 

عيد نوروز (نه‌وروز) في كُردستان

بقلم: نوميديا جرّوفي/ الجزائر

ـــــــــــــــ

مع إطلالة فصل الربيع، تبدأ التحضيرات بشكل كبير في إقليم كردستان لاستقبال عيد نوروز ورأس السنة الكردية الجديدة.
تنشغل الأسواق بصورة عامّة بهذه المناسبة، إذ تزدهر حركتها تحضيرا لاستقبال السنة الجديدة.
إذا أردنا التعمّق أكثر بدلالات هذه المناسبة، نرى أنّ عيد نوروز يمثّل للشعب الكردي معاني خاصّة:
من جهة يرمز إلى قدوم فصل الربيع وانبعاث الطبيعة.
ومن جهة أخرى يُعتبر نقطة تحوّل في حياة الشعب الكردي، إذ يمثّل نوروز رسالة الحياة والأمل والتّحرّر ومواجهة الظّلم والاستبداد. إلى ذلك، فإنّ معظم انتصارات وأفراح الشعب الكردي حدثت في نوروز وفصل الربيع ودوّنت في التاريخ.
ويرمز  هذا العيد إلى أنّ الكرد رفضوا الظّلم قبل 27000 عام ومن المستحيل أن يقبلوا به الآن.

الربيع هو فصل الخصب وتجدّد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب، لكنّه يحمل بُعدا قوميّا إضافيا لدى الكرد مرتبطا بقضية التحرّر من الظّلم وفق الأسطورة التي تُشير إلى ّ التي تُشير إلى أنّ إشعال النّار كان رمزا للانتصار والخلاص من الظّلم الذي كان مصدره أحد الحكّام المتجبّرين.
يحتفل الشعب الكردي في الحادي والعشرين من شهر آذار من كلّ عام بعيد نوروز مثلما يحتفل به مجموعة شعوب أخرى من منطقة الشرق الأوسط كالفرس والطاجيك والأذريّين، ويعتبره الكرد بداية السنة الكردية الجديدة.
ويحتفلون بهذا العيد كلّ سنة و يُعتبر عيدا مقدّسا.
و أصل كلمة نوروز تتكوّن من “يوم” أو “ضوء الصّباح” ممّا يعني (يوم جديد) أو (ضوء جديد).
عيد نيروز أو عيد نوروز، أصل تسميته من “نيو” أي جديد و “روز” أي يوم.
هذا اليوم هو أوّل أيّام السنة الفارسية والكردية ويصادف كذلك حالة الاعتدال الربيعي حيث تُكمّل الأرض دورتها حول الشمس.

عادات، تقاليد وطقوس:

يستثمر الأكراد عيد نوروز عبر الاهتمام بالزيّ الكردي التقليدي الفضفاض وبالأخصّ عند النساء اللاّتي يستعدن له قبل حلوله بشهر، ناهيك عن إقبال الزّوار العرب والأجانب أيضا في ارتداء الملابس الكردية التقليدية في عيد نوروز.
الزيّ الكردي للرّجل يتألّف في العادة من قميص ذي أردان طويلة وسروال (شروال) فضفاض وسترة تتقاطع من الأمام فوق البطن ومطويّة في السروال.
ويلفّ  الكردي حول خصره قطعة طويلة من القماش يبلغ طولها 4-5 أمتار (حزام).

فيتألف من قطعتين بلون موحد تسميان “كورتك وشروال”
أمّا ملابس المرأة الكردية، فهي ملابس زاهية، وأبرز ما يميّز هذا الزيّ هو الرداء الملوّن اللّماع الفضفاض الطويل.
تتألف الملابس النسائية الكردية من قطع عديدة، فيرتدين ما يُعرف بالـ “كوا” وتحتها ثوب طويل يسمى “كراس” و”اوال كراس” الذي غالباً ما يكون ملوناً.
والمتاجر  المتخصصة ببيع القماش تعجّ بالزبائن على مدار الساعة في هذا الفترة من السنة.
أهمّ مظاهر الاحتفال بالمناسبة “أهازيج الفرق والدّبكات الكردية”، حيث ينظّم مهرجان غنائي شعبي تتخلّله مقاطع شعرية تتحدّث عن الثورات ضدّ الطغاة، وتستمرّ حتى ساعات متأخرة من الليل.
الطّقوس تستمرّ حتى صبيحة اليوم التالي، حيث يتوجّه الناس إلى البرية لمعانقة الطبيعة ويقيمون حلقات رقص تتشابك فيها الأيدي.
وتعدّ لهذه المناسبة وجبات طعام تقليدية شهية، منها: الدولمة، البرياني، تكة وكباب.

نوروز الأسطورة الكردية:

إنّ النسخةَ الكردية للنيروز هي أسطورة (كاوا) الحداد الذي تشبه قصته القصّة في أسطورة الشاهنامة. تقول بأنّه في قديم الزمان كان هناك ملك آشوري شريّر يسمّى (الضحاك)، كان هذا الملك ومملكته قد لعنا بسبب شرِّه.
الشّمس رفضت الشّروق وكان من المستحيل نمو أيّ غذاء، الملك (الضحاك) كان عنده لعنة إضافية وهي امتلاك أفعيين ربطتا بأكتافه. عندما كانت الأفاعي تجوع كان يشعر بألم عظيم، والشيء الوحيد الذي يرضي جوع الأفاعي هو أدمغة الأطفال، لذا كلّ يوم يُقتل اثنان من أطفال القرى المحليّة وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي.
(كاوا) كان الحداد المحلي وقد كرِه الملك مثل 166 من أطفاله الذين ضحّى بهم لأفاعي الملك. وعندما وصلته كلمة أنّ طفلَه الأخير وهي بنت، سوف تقتل جاء بخطة لإنقاذها. فبدلا من أن يضحّي ببنته، ضحّى (كاوا الحداد) بخروف وأعطى دماغ الخروف للملك. الاختلاف لم يلاحظ.
وعندما سمع الآخرون من سكّان القرية عن خدعة (كاوا) عملوا جميعا نفس الشيء، وفي الليل يرسلون أطفالهم إلى الجبال مع (كاوا) حيث يبقون بأمان.
الأطفال ازدهروا في الجبال و (كاوا) خلق جيشا من الأطفال لإنهاء عهد الملك الشريّرِ. عندما أصبحت أعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نزلوا من الجبال واقتحموا القلعة.
(كاوا) بنفسه كان قد اختار الضربة القاتلة للملك الشريّر (ِالضحاك) لإيصال الأخبارِ إلى أناس بلاد ما بين النهرينِ حيث قام ببناء مشعل كبير أضاء السّماء وطهّر الهواء من شرّ عهد (الضحاك).
في ذلك الصباح بعد موت (الضحاك) ونهاية عهده بدأَت الشمس بالشروق ثانية والأراضي بدأَت بالنمو مرة أخرى.
هذه هي البداية “ليوم جديد” أَو نيروز (نه‌وروز) كما يتهجّى في اللغةِ الكرديةِ.

دراسات عن عيد نوروز:

للشعب الكردي تاريخ طويل وجغرافيته العميقة العريضة التي اصطدمت بتعقيدات شتى.
الباحثون يستندون إلى ثلاثة أنواع من التاريخ، فأنه يتوجب على أولئك الباحثين دراسة تلك الأنواع الثلاثة من التاريخ بدقة محكمة، لكي يستطيعوا استقراء التاريخ الحقيقي، والأنواع الثلاثة من التاريخ هي كالآتي:

-1 التاريخ الأسطوري: وهو قسمان:

القسم الأول: ذلك النص الأسطوري القديم، الذي هو موجود في الكتابات القديمة ويتحدث عن التاريخ الذي هو نفسه متداخل مع مواضيع متعددة متشابكة.
القسم الثاني: الأسطورة الشفهية، وهو الأسلوب الشفاهي، ويتداخل فيه التاريخ القديم والحديث معاً.

-2 التاريخ الديني: وهذا النوع من التاريخ يتقرب كثيراً من التقديس، وواقع تحت تأثير الفكر الديني، حيث يتداخل مع الفلسفة الدينية ويخدم بشكل قاطع الدين.

– 3 التاريخ المدون: وهذا النوع من التاريخ يفتقر إلى الملفات المدونة، ويتحدث بواقعية التاريخ، ويكمن فيه تعريف الشخص، العام، المكان، أي الحدث مدون في أوانه.

هذه الأنواع الثلاثة المذكورة من التاريخ هي المصادر الأساسية للتاريخ الكردي، لمعرفة كافة الأحداث التاريخية، لكن يجب الانتباه إلى أن دراسة التاريخين الأسطوري والديني ليس بالشيء السهل، كما أنه يجب عدم الاستناد كلياً على التاريخ المدون، مثلما المؤرخ (آرشاك سافراسياب) يكتب “ ليس هناك شعب مثل الشعب الكردي تشوه تاريخه عمداً” تشويهاً بأيادي، وعمداً، لذلك هناك تواريخ مكتوبة بشكل مشوه ومزيف، كما أن هناك مؤرخون قد أرخوا التاريخ الكردي بشكل مزور، من هنا فإن تدوين التاريخ الكردي ليس بالشيء الهيّن، ولكن إذا أتى أحد ما وأراد التدوين فانه، بكل تأكيد، سيصل إلى نتيجة حقيقية.
نوروز هو أول أيام العام الكردي، ويصادف 21 من شهر آذار الميلادي، والعام20166 يصادف العام 2716 الكردي، وتاريخ 1 من شهر نوروز الكردي، هو تاريخ يعود إلى العصر الميدي، ويعود التاريخ الميدي بحسب بعض المصادر التاريخية، إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، وفي ذلك التاريخ كان للميديين حوادث تاريخية كثيرة، وعدا الميديين هناك قوميات أخرى لها علاقات مع الأصل الكردي، وبين فترة ستة آلاف سنة قبل الميلاد إلى نهاية الساسانيين تم التعرف إلى اليوم والشهر والعام، لكي يستطيع البشر تبيان الأيام التاريخية فيما بينهم، ومن ثم إعلانها.
وهناك أيام كثيرة تم تحديدها تتصادف مع يوم النوروز الكردي، وهنالك مصادر كردية وعربية وفارسية تربط حدث نوروز بـ(كاوا) و(أزدهاك)، كاوا الحداد الإنسان الواقعي، مقابل أزدهاك الأسطوري، وتم اختيار تاريخ محكم بينهما، ليكون فيما بعد حدث تاريخي ونص شائع.
في بعض الأدبيات أيضاً تتكرر هذه الواقعة، لتكون مشهدا مقدساً، وأي تهديم لهذه الحادثة يدخل في خانة اختراق التابو، وهذا معناه، إذا أتى أحدهم وقال “على أي أساس تاريخي تم وضع يوم 1/1/2716 الكردي؟ وكيف تم تحديد هذا العام واليوم والشهر؟ وكأنه يشكّ في التاريخ، فلن يتم قبوله، لذلك أشير هنا إذا كانت هذه الكتابة لن يتم قبولها، فإني أودّ أن يكون عدم قبولها وفق الكتابات والبحوث والمصادر.
يقول الشاعر (بيره ميرد) في إحدى قصائده عن النوروز (هو عيد كردي قديم) ووفق هذه الحقيقة فان قصيدة بيره ميرد تستند الى شيئين:

أولهما: عيد نوروز هو عيد قديم، رغم أنّه لم يحدّد العام ولا اليوم ولا تاريخهما، ولكن في كلمة (قديم) يظهر لنا تأريخاً قديما، حيث نستطيع تعريفه بأنه تاريخ ما قبل سبعمائة عام قبل الميلاد.

ثانيهما: عيد نوروز (عيد كردي قديم) لذلك أصبحت قصيدة (بيره ميرد) نشيدا تردّده الألسن عبر الأجيال منذ عشرات السنين، حيث يردّد الشعب الكردي (هو عيد كردي قديم) بهذا البيت القصير، استطاع بيره ميرد ختم عيد النوروز بالختم الكردي ليكون واردا ومتردّداً في السياسة الجديدة والثورة والنضال الكردي الحديث، كما أننا نحاول استبيان ومعرفة كردية عيد نوروز قبل سبعمائة عام، أي إبان عصر السومريين الكردستانيين، وعندما نكتب السومريين الكردستانيين، إنما لأننا مقتنعون بأنّ النوروز آت من ملحمة (تموز و عشتار) وهذه الملحمة التاريخية تتحدث عما قبل الأساطير السومرية، التي تبدأ في نهاية الألفية الخامسة وبداية الألفية الرابعة قبل الميلاد، عندما كان موطن السومريين كردستان، وكانت لهم حضارة فيها، فيكتب الباحث العراقي مجيد عبدالله الشمس في كتابه الموسوم (الحضارة والميثولوجيا في العراق القديم) (بحوث ودراسات.. الأسطورة.. أصل نوروز، البستنة) الذي طبع في العام 2003 في العاصمة السورية دمشق، يتحدث الشمس في كتابه المذكور أن نوروز عيد عراقي، ولا علاقة للفرس بهذا العيد، وهنا يريد الباحث مجيد عبد الله الشمس أن يضع الفرس وإيران في جهة، والعراق والكرد والعرب في جهة أخرى، ويكون بذلك قصده سياسياً بحتاً، وكل الحكومات المتعاقبة والامبراطوريات التي حكمت إيران عبر التاريخ لم تكن من الشعب الفارسي، وكمثال الساسانيين، رغم أن الكاتب يقول (الدولة الساسانية فارسية)، حيث يعود عيد نوروز إلى العصر السومري وخاصة أسطورة (عشتار وتموز).

تموز وعشتار:

من المعروف عن حادثة “تموز” أنه في آخر مرة يذهب إلى تحت الأرض ثم يأتي إلى وجه الأرض كإله، يتحدث الباحث خزعل الماجدي في كتابه (أنجيل سومر) عن مكانة “تموز” وانه كان يحتفل بموت وحياة “تموز” في وطن سومر، كما كان يعتقد البعض بأنه بموت “تموز” ماتت الخضرة على وجه الأرض، ويذهب الماجدي إلى أنه في 21 آذار في كل عام السومريون يعقدون احتفالات كبرى في حياة “تموز” ويعرفون هذا اليوم بعيد (زكمك). ما يهمنا أن 21 آذار الذي يصادف اليوم الأول من العام الكردي هو ليس رأس السنة، بقدر ما يهمنا أنه يوم ولادة “تموز” حيث تتحدث بعض المصادر التاريخية عن عيد رأس السنة، وعيد العام الجديد وعيد اليوم الجديد، فان البعض يحتفلون في 1/ 4/ وهو يوم عيد في بعض المناطق، ولكن 21/3/ و1/ آذار مهم، حيث يحتفل السومريون رغم أنهم يحتفلون به تحت مسمى عيد (زكمك). نحن نربط ومنذ فترة طويلة نوروز بشخصية (كاوا) فأن بعض المؤرخين يرمزون إلى أن “كاوا” الكردي هو “تموز” السومري، فالذي يكتبه الماجدي أن 21 آذار هو يوم عيد عند السومريين، كما أن الذي يفعله الكرد كان يفعله العراقيون القدامى، كأنهم يريدون أن يقولوا أنّ الكرد هم وارثوا العراق القديم، وهنا نريد القول إن السومريين تركوا كردستان وأخذوا معهم الدين والحضارة، متأثرين بما تعارفوا عليه لدى الكرد.
حيال القول بان انتفاضة الحضارة السومرية هي حضارة العالم السفلي، فهذا برأي أنها حضارة المرحلة الثانية للسومريين لأنه قبل انحدارهم إلى العالم السفلي كانت لهم حضارة، وهناك تفهماً وحضارة أكثر، وهذا يعود إلى بزوغ فجر الزراعة قبل الألفية الخامسة قبل الميلاد، حيث التأثر بالفكر الديني، حيث تداخل الطبيعة مع متغيرات الفلك وبالتالي مع الولادة والموت.
إلى الآن فأن يوم 21 /33/ هو يوم عيد كردي، عدا ذلك فان تقسيم العام بين الشعب الكردي آت وفق تقسيمات الطبيعة والزراعة، فالربيع يعني الخضرة، والصيف، يعني الهواء والماء، الخريف تساقط وريقات الشجر ونضج الفواكه، الشتاء، أي البرد وتساقط الثلوج.

أسماء الأشهر:

  • 1ـ نوروز (nawroz):هو اليوم الأول في أول شهر كردي، أي بداية العام الجديد.
    – 2كولان (gulan): نضوج البراعم، وكثرة الورود الملونة.
    –3 جوزردان(jozardan):كل ما يخضر في بداية الربيع يصفر في هذا الشهر.
    -4 بوشبه ر(pushpar): يباس الخضرة.
    –5 خرمانان(xarmanan): شهر حصاد القمح.
    –6 كلاويج(galawezh): يظهر في هذا الشهر نجمة كلاويج.
    -7 ره زبر(razbar): تزدهر الحدائق.
    – 8كلاريزان(galarezan): تتيبس أوراق الشجر.
    –9 سرماوز(sarmawaz): يتغير الجو والهواء ويظهر البرد.
    -10 بفرانبار(bafranbarr): في نهاية الشهر التاسع تتساقط الثلوج على المرتفعات في كردستان، لذك ظهر هذا الشهر الذي يليه سهر باسم تساقط الثلوج.
    – 11 ريبندان(rebandan): تصبح الطرق غير سالكة بسبب تراكم الثلوج.
    – 12رشمي(rashamee):هذا الشهر هو نهاية العام.

هذه التسميات على الأشهر الكردية، نابعة وفق الظواهر الطبيعية في كردستان. و إنّ بزوغ الزراعة، وفق معرفتي التامة، تكون على ثلاث مراحل:

-1 الزراعة في الكهوف: أي أن الإنسان عاش في الكهوف ومارس الزراعة.
-2 الزراعة في القرى: وهي مرحلة الخروج من الكهوف وممارسة الزراعة في القرى.
– 3 الزراعة في عصر المدينة: أي عندما ذهب السومريون إلى المدينة بعد بنائها.

لقد عرفت كردستان الزراعة في الألفية الحادية عشرة قبل الميلاد، وخاصة إبان بنائهم القرى، ويذهب الباحث مجيد عبد الله الشمس إلى أن متابعة الأحداث توضح أن قصة (تموز وعشتار) أكثر قدما من قصة (جلجامش)، فإننا نقول بأن الجميع يعلم أن “جلجامش” هو بطل وملك البعض في المدينة في المرحلة الثانية من بزوغ الحضارة السومرية، الذي يعود إلى بدايات الألفية الثالثة قبل الميلاد. هنا يوضّح، أن التاريخ المدون لنوروز، الذي هو 700 سنة قبل الميلاد، هو ليس التاريخ الأول لبزوغ هذا العيد، فإذا كان 1/ نوروز، يصادف 700 عاماً قبل الميلاد، فكيف تم تحديده؟ لأن يوم 21 آذار أيضاً يصادف ولادة “تموز” الإله، فنقول أن 1 نوروز هو أقدم بكثير من هذا التاريخ، وقبل رحلة السومريين إلى العالم السفلي وهي مرحلة بناء المدن، لأن مدينة (أربيل) يمتد ميلادها إلى 8000 عاماً، لذلك فأن وضع تاريخ 2716 هو التاريخ الكردي هو تاريخ جديد، لأننا نستطيع أن نجد أياما وأعواما أكثر قدما من هذا التاريخ في تاريخ الشعب الكردي، لأنه إذا لم يدون في عصر الزراعة في الكهوف فإنه في عصر الزراعة في القرى، قد أثبتت الدراسات التاريخية أن السومريين كانوا في كردستان، ولم يأتوا من أي مكان آخر، وتم العثور على جل آثارهم في كردستان، وهم جزء من القومية الكردية، كما وأثبتت الدراسات أن هناك علاقات ترابط بين السومريين القدماء و الكرد الآن، فيكتب أحد المؤرخين “لا يجوز أن نقول أنّ الكرد سومريين، لأن السومريين هم كرد”، لذلك فان 21 آذار هو يوم إحياء “عشتار” السومرية وهو يوم 21 / 3 يوم نوروز الكردي، كما أنه يوم ولادة “تموز” السومري في العصر السومري، وهو يوم استقبال الكرد للنوروز، هنا يذهب الباحث مجيد عبد الله الشمس إلى أن الجميع يعلم أن الإله “تموز” كان له علاقة مع الماعز لأنه كان راعيا، حيث للرعاة الكرد أيضا طقوس تهمّ الماعز في الربيع.
يكتب في هذا الصدد أيضا هنري فرانكفورت الذي زار كردستان في العام 19300، وشاهد بأم عينيه الشواهد والحقائق، فيذهب في أحد بحوثه تحت عنوان “طقوس تموز في كردستان” إلى أن مكان و جغرافيا “تموز” هو مكان جبلي، وفيه كهوف، وكردستان هو موطن الكهوف والجبال، لأن ذهاب “تموز” إلى تحت الأرض وخروجه يشبه الدخول إلى الكهف والخروج منه، وكردستان فيها الكثير من الكهوف العميقة والطويلة، التي تستطيع استقطاب المئات والآلاف من الأشخاص، ويلفت فرانكفورت، إلى أنّ التمعن في قصة “تموز و عشتار وأخت تموز” عندما يذهبون إلى الأسفل، يذهبون إلى مكان حي، فالمكان الأسفل هو مكان مظلم، ولكن المكان الحي هو مكان فيه أناس كثيرون، ويقول فرانكفورت علينا أن لا ننسى إذا كان الإنسان يعيش منذ أثنا عشر ألف عام في القرى والمدن فأنه عاش مئات الآلاف من السنين في الكهوف، وفتح عينيه في الكهوف، والكهوف ما زالت لها فعل في الذاكرة وخاصة في الذاكرة الكردية”.
باختصار، إذا كان يوم 211 آذار هو يوم إحياء نوروز و تموز في التاريخ القديم، لدى السومريين، فأنه هذا يعني أنه قبل الألفية الخامسة والرابعة قبل الميلاد فقد أتخذه سومريو كردستان، وهو يصادف نفس يوم 21/3 وهو يوم 1 نوروز عند الكرد، وفي كردستان اليوم، هو عيد وطني، وهو عيد ديني مقدّس لدى السومريين، وهو يوم مقدّس قبل عشرات الآلاف من السنين، عيد أتخذه الكرد، وكل الذين يحتفلون به عبر المراحل هم شعوب تمتدّ جذورهم إلى الكرد، وهذا يعني أنه عيد قديم وذهب من كردستان إلى الأوطان الأخرى و بين الشعوب الأخرى، و لكن الذي أسّس هذا العيد هو الشعب الكردي، والوطن الذي احتضنه هو كردستان، و الكرد احتفلوا به في كل الدول، ونشروه، بدءاً من السومريين إلى الساسانيين إلى جُلّ الدول والشعوب المختلفة.

تموز وعشتار، مم وزين:

أشعار الكردي الكبير (أحمد خاني) في ملحمته “مم وزين” تقترب كثيرا أحداثها مع أحداث “تموز و عشتار”، حيث يبدأ الملحمة بيوم نوروز 21/ آذار، فإذا تموز يحيا في يوم نوروز فأن “مم وزين” في ذلك اليوم كأنهما يحولان تماماً دينهما وحياتهما بعضاً مع بعض، ويحبان بعضهما، ولقاء “مم وزين” يشبه إلى حد كبير الزواج المقدس، فإذا في يوم النوروز يحب ويعشق المحبان بعضيهما، فإنّ مم يلبس لباس الفتيات، وزين تلبس لباس الشباب، وهذا التغيير أو التنكر يشبه إلى حد كبير التغيير الذي يلازم أحيانا الملوك والنسوة المؤمنات، حيث أن قصة “تموز و عشتار” تتجسّد، فإنّ حياة “مم” بعد معرفة “زين” تمتلئ بالعذاب والفراق إلى الموت، حيث يشبه الحياة الكارثية لـ”تموز” وذهاب “تموز” إلى الأسفل يشبه مرحلة سجن “مم”. هذا السلك أو المحور يستمر منذ بداية حادثة “عشتار وتموز” وما حدث لـ ” مم وزين” إلى النهاية، وهذا ليس اعتباطياً من الشاعر (أحمد خاني) لأنه نتيجة تاريخ طويل وعميق ومقدس لـ ” عشتار وتموز”، وعيد نوروز، وهذه ليس خصوصية أيّ شاعر، وليس شاعر بحجم أحمد خاني أيضاً.
أحمد خاني يجسّد ملحمته في يوم مقدس وهذه خاصية إبداع خاني.
هو نفسه يقول: “كل شيء من إبداع.
وأحياناً يقول: “كلّ شيء اقتبسته وجمعته”، حيث يكتب في ابتداء يوم نوروز:

ده ورا فه له كي زبه ختى فه يروز
ديسا كو نوما ز نوفا نه وروز

هنا لا يجد خاني فقط نوروز وسط الأعوام التاريخية، لأنه يجده جزءا من تكوين الفلك، هو ليس تاريخ تأسيس نوروز، لأنه هو نوروز.
جزء من دوران الفلك، لأنه دورة الفلك في تجديد نوروز بين القلوب، إلى أن أصبحت عادة مقدسة يباركه المدنيون في مدنهم والعساكر في أماكنهم، بمعنى آخر عيد نوروز هو عيد مبارك للحكومة والشعب، ويحتفل به الجميع لأنه عيد الجميع، هو عيد الطفل والشاب والكهل وفيه يكبر الشباب وتدرك الفتاة نفسها، وكلهم يلتف حول الآخر، كعشاق، حول شيء مقدس، يبدع الشاعر أحمد خاني بعد آلاف السنين في تراجيديا “تموز وعشتار” ويحولها إلى غلاف جديد هو “مم وزين”.

نوروز وكاوا وأزدهاك:

نوروز في كتاب (شاهنامه) والشاعر (فردوس) هو حدث تاريخي، وقد كتبت حول معاني وتأسيس قصة نوروز مئات القصص والقصائد والمقالات السياسية، ومازالت تكتب إلى يومنا هذا، حيث أن يوم 21 آذار، 700 سنة قل الميلاد، كان هناك كاوا، وهو شخص، وأزدهاك هو ملك، فهذان كيف ترابطا؟ وكيف تم تاريخ هذا الشيء؟
و تظل الأسطورة محيرة. كان انتصار “كورش” على أزدهاك في العام 550 قبل الميلاد، وليس 700 قبل الميلاد، حيث أن 700 قبل الميلاد قد يكون تاريخ تأسيس إمبراطورية (ماد) على يدي “دياكو” لذا كيف كان أزدهاك ملكا.
يذهب حبيب الله طالباني في كتابه (وحده قومي كرد وماد) إلى أنّ أزدهاك كان ذا قلب صاف، كما يكتب بعض المؤرخين إلى أنه لا وجود في التاريخ لملك مثيل لأزدهاك كان يحب الناس، وهنا كان القول إن ازدهاك ليس كما متعارف عنه بأنه ظالم وجائر، إذ هو ملك محب لـ(ماد) ومن جنسه، وقد أسقط على يد “كورش” في العام 550 قبل الميلاد، وليس 700 قبل الميلاد، وانهياره كان انهيار إمبراطورية (ماد) ولم يكن بيد “كاوا”.

من هو كاوا:

المؤرخون لا في تاريخ ماد ولا بعده ولا قبله لا يأتون على ذكر شخص اسمه كاوا، بينما مجيد عبد الله الشمس يذهب إلى أن الكثيرين يتحدثون عن بطل كردي اسمه كاوا، ويقولون إنه حداد، ويتغلب على القوى الشريرة، كاوا الحداد وجوده ما زال في ذهنية الناس، كحقيقة، وليس له أي ملف بين الناس، وليس على الكرد الافتخار بشخص كان سبباً في انهيار إمبراطورية (ماد)، لأنه إذا عرفنا (ماد) ككردي لا يجوز أن يكون مسقط هذه الإمبراطورية ومسقطها موضع افتخار لنا.

تغييرات آستياك:

– آستياكي من أحد ملوك (ماد) إلى جنسية أخرى.
– من ملك عادل إلى ظالم.
– من إنسان اعتيادي إلى مريض يربط على كتفيه أفعيان.
– من إنسان عادي وطبيعي شاب إلى ملك عمره آلف عام.

تغييرات كاوا:

– من معدن سومري إلى إنسان ومن ثم إلى بطل.
– من زمن يمتد إلى 4350 عام إلى 550 قبل الميلاد.
هذه التفاصيل وتفاصيل أخرى، تجعل من التاريخ أسطورة فيجب إعادة كتابة هذه الأسطورة بشكل تاريخي موثق.
موضوع نوروز موضوع مقدس يتطلب منا بحث أكثر على مر التاريخ.

النتائج:

-1 نوروز، الذي يوافق 21 آذار معروف أنه يوم نوروز الكردي يعود تاريخه إلى تاريخ “عشتار و تموز” وهو برأيي يعود زمنه إلى عهد الزراعة في الكهوف.
-1 نوروز 700-قبل الميلاد هو تاريخ سقوط “أزدهاك” وربما هو يوم تأسيس إمبراطورية (ماد).
– آستياك، زحاك، أزدهاك، هو ملك في جنسيته بابلي، وهو ليس ظالم وجائر ولم يكن على كتفيه أية أفعى ولم يكن عمره ألف عام، فهو ملك مادي محبوب و إنسان اعتيادي.
– كاوا، الحداد، ظهر كبطل، بدوره، فهو بحسب دوره ليس كردياً، وهو قريب جداً إلى التغيير.
– عهد كاوا بحسب الأساطير فهو ظهر في العام 5500 قبل الميلاد، أي في بداية إمبراطورية (ماد) 700 قبل الميلاد.
– 21 آذار هو يوم ولادة “تموز” وهو يوم وعيد ديني طبيعي، أي عندما كان السومريون يقطنون كردستان ولم يخرجوا بعد من الكهوف.
– 21 آذار أو 11 نوروز هو يوم وعيد تاريخي وقد تعرض للتغييرات التاريخية، من عيد ديني أسطوري إلى عيد واقعي و قومي للكرد ويحتفل به قوميات وأوطان ودول مختلفة.
– عيد نوروز أول ما عرفه السومريون وكان موطنه موطن السومريين، ولأن السومريون جزء من القومية الكردية، فقد أولوا اهتماماً بهذا اليوم، وحولوه من عيد ديني طبيعي زراعي إلى عيد قومي.
– اليوم، أو راهناً، عيد نوروز هو عيد قومي كردي، وهو الصاحب الأوحد له.
1نوروز 700 سنة قبل الميلاد هو ليس التاريخ الأولي لهذا العيد.
1نوروز هو يوم بعث “تموز” الذي يوافق 21 آذار، هو رأس السنة الكردية، وهو يوم طبيعي أو كما يقول الشاعر أحمد خاني هو جزء من دوران الفلك.
ربما يقول بعض الباحثين في زمن ما، أنه يجب اعتماد عام أو يوم معين لهذا اليوم، ولكن من الصعب محو هذه الأسطورة بهذه السهولة بين الناس.

ختاماً أعود إلى قصيدة الشاعر “بيره ميرد”، وأقول إن نوروز هو حدث مقدس لكلّ عام على مرّ الأجيال، وأنّ قوميات عديدة تحتفل بهذا اليوم، وشعوب كثيرة تقيم له مراسيم مختلفة، ولكن لا أحدا يمتلك الحقائق بهذا الشأن مثل الشعب الكردي، لذلك نردّد في كلّ عام وهذا اليوم مع شاعرنا بيره ميرد، أغنيته وقصيدته الأصلية، الذي رددها المطرب حسن زيرك.

القصيدة الكردية الأصيلة عن عيد النوروز لــ ” بيره ميرد”

نوروز
ئه م روزى سالى تازه يه
نه وروزه هاته وه
جه زنيكى كونى كورده
به خوشى و به ها ته وه

**********
جه ند سال كولى هيوا ى ئيمه
بيبه ست بوو تاكو بار
هه ر خوينى لاوه كان بوو كولى ئالى نيوبه هار

**********
نه وروز بوو ئاكريكى وه هاي
خسته جه ركوه
لاوان به عشق ئه جوون به ره
وبيرى مه ركه وه

**********
تا ئيستا رووى نه دا وه له
تارخى ميلله تا
قه لغانى كولله سينكى كجان
بى له هه لمه تا
**********
بىى ناوى بو شه هيدى وه ته ن
شيوه ن وكرين
نامرن ئه وانه وا له دلى ميلله تا ئه زين

ترجمة القصيدة للأستاذ الشاعر و المترجم ( جلال زنگابادي)

نوروز
هوذا يوم العام الجديد نوروز قد عاد
عيد كردي عريق، بالمسرة واليمن
سنوات مديدة ووردة أملنا مدعوسة
حتى السنة الماضية
ولم يكن سوى دم الشباب يستحيل ورداً احمر
في الربيع الباكر
ذلكم اللون الأحمر هو الذي كان يحمل بشرى الفجر
من أفق الكرد السامق
الى الشعوب القاصية والدانية
انما نوروز قد أضرم في الأكباد ناراً حامية
فهب الشباب بعشق الى استقبال المنية
هي ذي الشمس أشرقت من ربى الوطن العالية
فليس لون الغبش إذ يسطع إلا دماء الشهيد الزكية
لم يحدث في تأريخ أمة حتى الآن
أن تصير صدور الفتيات دروعاً لصد الرصاص!
ليس ثمة داع للمآتم والمناحة لشهداء الوطن
فلن يموتن أولئك، الذين يحيون في قلب الشعب

وهكذا يبقى عيد نوروز حاضرا بشكل كبير في الأدبيات الكردية التي عبرت في حقب زمنية معينة عن الشعور القومي، ويظهر ذلك في العديد من القصائد التي تحاكي قصة نوروز وعلاقتها بالشعب الكردي.

 

نوميديا جرّوفي

شاعرة، مترجمة، باحثة وناقدة جزائرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *