علم مقارنة الأديان يجد موطئ قدم له في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس – واحة الفكر Mêrga raman

 

 

استأنفت أعما ل  الملتقى الدولي للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان صبيحة يوم الجمعة، فكانت الجلسة الأولى بعنوان معالم التسامح والتعايش بين الأديان برئاسة الدكتورة “حبيبة أحادوش” التي أعطت الانطلاقة بمداخلة الطالب الباحث عبد الله محمود الشميري من كلية الآداب والعلوم الإنسانية  سايس– فاس في موضوع المشترك الإنساني بين سبل التجسير وآليات الهدم تناول فيها الباحث أهمية التعارف والتعايش بين الديانات، وضرورة الاعتراف بالآخر المختلف، وضمان حقه في هذا الاختلاف، وحريته في التدين مشددا على ضرورة التجسير مع الأخر ،والاندماج معه واحتوائه، وداعيا إلى التكامل الإنساني، وعدم الاقتصار عند دراسة الآخر على الأديان فقط وإنما التأسيس من الأديان إلى الإنسان . بعد ذلك تناول الكلمة الطالب الباحث حسن رشيدي عن جامعة محمد الأول – وجدة في موضوع الإنسان غاية الأديان تطرق فيه إلى فكرة عامة تمثلت في قيمة الإنسان في رسالات الأديان، وقد أورد مجموعة من النصوص التي تبين قيمة الإنسان في الأديان، كما أشار إلى مبدأ التطرف المنبوذ شرعا، داعيا إلى التفريق بين الدين والتدين، وفهم آليات النص الديني، مشيرا في الأخير أن النص الديني يؤكد في تعاليمه أن الإنسان مهما اختلف عرقه ودينه سيبقى سيد الخلق.

جاءت بعده مداخلة الطالبين الباحثين يوسف لوميم/ بدر الحمومي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية – سايس فاسMoroccanTraditional Architecture: A Helix of Coexistence Transcending Cement وقد تعرض في هذه المداخلة لما تمثله الهندسة المعمارية من تعايش وتسامح بسبب التنوع الواضح والاختلاف الذي شكل لوحة فسيفسائية جميلة للمعمار المغربي، وأكد على هذا التنوع بجرده لفنون المعمار الإسلامي الشرقي، والمغربي الأمازيغي، والمعمار اليهودي والموريسكي والمسيحي. هذه الأنماط المعمارية التي انصهرت في بوثقة واحدة، وأعطت تحفا فنية خالدة من الأرابيسك والجبص وقصور وقصبات بالعديد من المدن المغربية. هذا التلاقح بين فنون المعمار المختلفة جعلت المغرب بحق وطن كل الأطياف وصورة للتعايش الذي كان والذي يجب أن يكون.

الطالبة الباحثة نجاة ذويب من جامعة القيروان تحدثت عن دور العلماء المسلمين المُحدَثين في الدعوة إلى التعايش بين الأديان (روجيه غارودي أنموذجا)، مركزة على مسألة التعايش باعتبارها واحدة من أهم المبادئ في حوار الأديان، متخذة في ذلك نظرة روجيه غارودي، الذي دعا دعوة صريحة إلى التعايش بين الحضارات الأخرى وانفتاح الحضارة الغربية على نظيرتها العربية.

أما المداخلة الخامسة والأخيرة فكانت للطالب الباحث توفيق السالمي من جامعة القيروان في موضوع الأديان والتعايش بين النظري والواقعي حيث تناول فيه فكرتين أساسيتين أولهما الاختلاف الذي يمكن التقاطه وتبيينه من خلال نقد الأديان لبعضها البعض رغم إعلانها أنها ذات مصدر إلهي، فمثلا اليهودية نقدت نقدا داخليا من قبل أنبيائها كالنبي إرمياء الذي اتهم التوراة بالكذب وكذلك علماء التلمود. كما نقدت نقدا خارجيا سواء من المسيحيين أو المسلمين أو غيرهما من الديانات والفلسفات.

استهلت الجلسة العلمية الثانية برئاسة  الدكتور ميمون الداودي الذي قدم الكلمة الأولى للطالب الباحث عبد الصمد سليماني من جامعة محمد الخامس – الرباط وكان عنوان مداخلته الأسماء العبرية للإله في التناخ: دلالاتها ومقارنتها بما ورد في القرآن الكريم، وتدور المداخلة في مجملها حول تسميات الإله عند بني إسرائيل الواردة في “التناخ”، وقد وضح مرام اليهود من هذه التسميات من قبيل تعظيم الإله والنهي عن ازدرائه، وجاء في طيات هذه المداخلة جرد للعديد من الأسماء العبرية الإله ( يهوه: יהוה ، رحوم:רחום ، العظيم:הגדול ، إيلوهيم:אלוהים)، وأسهب في شرح اسم “يهوه” وانتهى الباحث إلى تباين المشترك والمختلف بين التناخ والقرآن الكريم.

كانت المداخلة الثانية للطالب الباحث محمد الوادي من جامعة محمد الخامس – الرباط بعنوان علاقة الدين بالدولة في اليهودية والإسلام : دراسة مقارنة ناقش من خلالها العلاقة الجدلية بين الدين والدولة اعتمادا على دراسة مقارنة طالت اليهودية والإسلام، وأفرد جردا كرونولوجيا لتأسيس الدولة الإسرائيلية، وماهيتها التي تتجاذبها الصبغة الدينية والعلمانية حسب العديد من المنظمات والجمعيات التي قاربت هذا الموضوع. وفي القسم الثاني من مداخلته قارب الدولة الإسلامية، وقسمها إلى أربعة أقسام بداية من العهد النبوي ودولة الخلافة والدولة العصبية وانتهاء بالدولة المدنية، وبين الفرق بين الدولة المدنية والدولة الدينية، واختتم الباحث بتركيب لمداخلته عبارة عن مقارنة بين تصور الدولة عند اليهود وعند المسلمين.  وتطرقت الطالبة الباحثة نادية الزورقاني من دار الحديث الحسنية – الرباط موضوع أصالة المصدر في معرفة الآخر: أهميتها ودورها. افتتحت الباحثة مداخلتها بعرض تصميم مكون من ثلاثة أقسام.  وقد عرفت لفظة ” المعرفة” من الناحية اللغوية والفلسفية، وانتقلت إلى التأكيد على أهمية التعرف على الآخر مستشهدة بأقوال للدكتور حسن حنفي والدكتور أحمد شحلان، وقد توسلت الباحثة بسيرة ابن هشام و قصة النبي عليه الصلاة والسلام مع النجاشي ملك الحبشة وتعداد مناقبه. وتناولت في مبحث آخر جهود ابن حزم الأندلسي في تحري الصحة بحثا ونقلا مؤكدة ذلك بشهادة ابن خلدون، بينما أفردت القسم الثالث من مداخلتها لتوضيح مفهوم ” الغريب” في التلمود والتوراة وتصور الفكر اليهودي للآخر. وقدمت الطالبة الباحثة خديجة العيدودي من جامعة القيروان  مداخلة بعنوان الفكر البشري بين قداسة النص ووطأة الواقع الحوار بين الأديان الكتابية أنموذجا، تناولت فيها فكرة أن المقدس يعكس حركة الفكر البشري والكوني كما أشارت إلى علم اللاهوت ودوره في معرفة الأديان، ودراستها ومقارنتها ذلك أن النصوص المقدسة ليست نصوصا ثابتة يحكمها الجمود بقدر ما هي نصوص ذات طابع دلالي حركي يتأثر فيه اللاحق بالسابق في إطار التفاعل الثقافي واللغوي، وقد ختمت مداخلتها بأن حاجتنا ملحة اليوم الى توطيد علاقتنا بعلم الأديان وضرورة الخضوع فيه والتعويل عليه حتى يكون بمقدورنا التعرف على ذواتنا من خلال الآخر. أما المداخلة الخامسة فكانت  للطالب الباحث عدلاني بن ثابت من جامعة القيروان، عنوانها هو معرفة الآخر ومحاورته ضرورة للتأثير والتأثر- مناظرات أحمد ديدات أنموذجا- الذي انطلق من فكرة أهمية حوار الأديان لحاجة الأفراد والجماعات إلى الحوار معتمدا في ذلك على مناظرات احمد ديدات. وقد تطرق في هذه المداخلة إلى نقاط ثلاثة: أولها نظرة الإسلام إلى الآخر المخالف من خلال الأصل المشترك ووحدة المنبع، ثانيها نظرة الآخر إلى الإسلام والمسلمين، ثالثها المناظرات باعتبارها آلية للتعايش والتحاور عند ديدات، مجيبا في الأخير عن مجموعة أسئلة أهمها: كيف استطاع ديدات من خلال المناظرات تغيير نظرتنا للآخر الذي كثيرا ما تناصبه العداء، ونشتكي منه، ونتوهم أنه يتآمر علينا إلى القبول والاعتراف والاطلاع عليه دينا وثقافة وفكرة وفلسفة وحضارة؟

 

افتتحت الفترة المسائية  بالجلسة العلمية الأولى وكانت برئاسة الدكتورة “نجية نشيط” التي قدمت الكلمة للطالبة الباحثة أوعثماني صونية من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية – قسنطينة، والتي عنونت مداخلتها بموقف دافيد فريدريك شتراوس من موت وقيامة يسوع في اليوم الثالث من خلال كتابه : vie de jésus، وقد أشارت فيها إلى الغاية منها، المتجسدة في معرفة عقيدة الصلب التي تعد مركز عقيدة المسيحية، ذلك أن جوهر معرفة الآخر يكمن في معرفة عقيدته. وتناولت حدث موت وقيامة المسيح في اليوم الثالث وهو من أهم الأحداث التي يرويها الكتاب المقدس عن حياة المسيح حيث يذكر العهد الجديد أن يسوع صلب يوم الجمعة من طرف الرومان إلى جانب براهين القيامة في العهد الجديد وبراهين القيامة عند المسيحيين بالإضافة إلى المعجزات التي رافقت موت يسوع على الصليب. أما المداخلة الثانية فكانت للطالبة الباحثة وهيبة شريعي من جامعة محمد الخامس – الرباط بعنوان مريم عليها السلام (نموذج المرأة بين الإنجيل والقرآن). وقد اختزلت الباحثة مداخلتها في الحديث عن السيدة العذراء، كنموذج للمرأة في أسفار العهد الجديد، والأبوكريفا (الأسفار المنحولة)، والقرآن الكريم مركزة على المشترك والمختلف بينهم.  بينما تناولت الطالبة الباحثة بثينة القراوي من جامعة القيروان موضوع تمكين العوام من مقارنة الأديان: (مناظرات أحمد ديدات أنموذجا)، ركزت فيه على شروط الحوار الناجح، وردت مشكل العنف والصراعات والنزاعات والعنصرية (أحداث الإرهاب) إلى أزمة العلاقة بين الأنا والآخر، ذلك أن العملية الإقصائية للآخر المغاير تنبع من تعصب الأنا فيكون العنف تعبيرا عن هذا الإقصاء. مشيرة إلى أن القول بإلغاء الاختلاف والإبقاء على المشترك بين الدينين من قيم العدل والتسامح والمساواة والأخلاق الكريمة يجعل الحوار بين الأديان يتحول إلى حوار إنساني مقدمة في ذلك نموذج “أحمد ديدات”.

واختتمت فعاليات الملتقى الدولي الثالث للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان بحفل ختامي برئاسة الدكتور عبد الرزاق وورقية الذي قدم الكلمة لكل من الأستاذ الدكتور مصطفى بوهندي من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الذي أثرى كلمته بمجموعة من المعلومات القيمة من زخمه المعرفي في هذا المجال العلمي، وقدم مجموعة من التوصيات التي تنير منهج الطالب الباحث في علم مقارنة الأديان، ثم تناول الكلمة الأستاذ الدكتور بشير عز الدين كردوسي ممثل وفد الطلبة الأجانب الذي تقدم بالشكر والعرفان لكل القائمين على هذا المحفل في مقدمتهم الدكتور سعيد كفايتي والدكتورة كريمة نور عيساوي وجميع الساهرين على إنجاح هذا الملتقى في صبغته الثالثة، ثم مرر الكلمة للأستاذة الدكتورة كريمة نور عيساوي رئيسة اللجنة المنظمة التي تقدمت بكلمة جامعة شاملة لكافة فعاليات الملتقى وشكرت جميع القائمين على إنجاحه من داعمين ومنظمين ومشاركين وحضور، منوهة بالنجاح اللافت الذي حققه الملتقى آملة في نمو الزهرة وبلوغها مرتبة الشجرة السامقة، الأستاذ الدكتور سعيد كفايتي رئيس فريق البحث في علم مقارنة الأديان الذي شكر لكل من عمل على نجاح وتألق هذا الملتقى من داعمين ، ومنظمين ، ومشاركين ، وحضور طامحا بكل عزم وحزم إلى تحقيق حلم منشود:حلم ملتقى عالمي في علم مقارنة الأديان في المستقبل القريب.

وفي الأخير تم فتح المجال لتوزيع الشهادات التقديرية على الدكاترة الأجلاء، والطلبة الباحثين في الملتقى.

د كريمة نور عيساوي

عن اللجنة المنظمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *