انطلاقة/أسماء سنجاري – واحة الفكر Mêrga raman

 

انطلاقة


بدتْ كسماء زاهية بالسعادة وهي تجلس على حافة سريري وتحدثني عن رحلتها القادمة.

-نعم، فعلتُها. سأكمل الجزء الثاني من البحث في باريس. لستُ مثلكِ يا عزيزتي فأنتِ على الرغم من ولعكِ بالثقافة والحضارة وطريقة الحياة الفرنسية من كلّ جوانبها لكنّكِ اكتفيت بزيارة بلدكِ المفضّل كسائحة لأيام فقط.

ارتشفتُ من كوب القهوة الفرنسية وعجزي عن تحقيق أحلامي ورغباتي يخجلني ويؤلمني.

رمقتني روز بنظرة ملؤها الشفقة والاعتذار معًا وهمستْ:

-تعرفين أنّني أريدكِ هانئة ومقتنعة بتفاصيل أيامكِ وظروفكِ. منذ عرفتكِ وأنتِ تقرأين الأدب الفرنسي وتتابعين الأفلام الفرنسية وتسمعين موسيقاهم وتدرسين بشغف فلسفتهم وتاريخهم. حتى أنّكِ تفضّلين القهوة الفرنسية والشوكولاتة الفرنسية وكلّ شيء يعيدكِ إليهم.
ابتسمتُ لما عرضته أمامي من ملاحظات صادقة وشعرتْ هي بتشجيعي لها على إكمال ما تريد قوله.

-حسنًا. على الرغم من أنّني أفضّل الرجل الأمريكي “الكاوبوي” الذي استطاع زراعة الأراضي الجرداء وجمع الذهب وبنى حضارة باذخة لكنّني ربّما سأجرّب ذائقتكِ وأصادق فرنسيًا وأكون معه في علاقة حرة ممتعة ومفيدة.

كدتُ أختنق من الضحكة المفاجئة التي داهمتني من شدة جرأة روز.

-روز! هل ستتخلين عن الأمريكي حقًا؟ أين اشتياقكِ له وهيامكِ به وإعجابكِ بمنجزاته وتفوقه؟

تنهّدتْ روز.

-أتعبني جدًا. استهلكَ الكثير من وقتي وطاقتي بمزاجه المتقلّب والذي يصل حد القسوة أحيانًا. أشعر كأنّني ألهث كي أرضيه وكي يهتم بعواطفي. لنقل أنّني أريد التمرّد عليه وإثبات إمكانية اهتمامي بمَن هو أوسع آفاقًا منه وأكثر رهافة.

تأملتُها بحنان.

-ليس من حقكِ ظلم الفرنسي الرقيق والأنيق والحريص على جمالية اللحظة ومعناها واستغلاله كتعويض سريع.

قهقهت روز.

-هذا الفرنسي المقدّس بالنسبة لكِ لن أستطيع جرحه فهو كما تعرفين واسع الثقافة وسخي العاطفة وقوي الشخصية وبالتأكيد لن يتأثر بعلاقة لطيفة وقصيرة الأمد معي منسجمة مع أحاسيسه الحرة.

سادتْ فترة صمت وروز تسرح في تفسير ما في قعر كوب قهوتها وأنا استرخيتُ مع وعكتي الصحية واستسلمتُ لما تجلبه لي عيناي الناعستان وأسواري الواقعية.

 

 

 

كتابة: د. أسماء سنجاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *