السلطة والمبدع/ايفان زيباري – واحة الفكر Mêrga raman

 

 

السلطة والمبدع …. مراقبون من قبل أجهزة الأمن ولهم ملفات في إدراجها

 

1

دائما كان هنالك صراع معقد منذ القدم بين السلطة والمثقف فهما لا يلتقيان ولطالما كانا قطبين متضادين لا لعيب في أحدهما فهما يختلفان فحسب عن بعضهما فكل واحد منهما له قانون وشريعة فالقضية بينهما لا تتخطى صيغة الألوان كالأبيض والأسود فهذا يرتفع في إحدى زوايا اللوحة والآخر ينخفض في زاوية أخرى هناك على اللوحة يلتقيان ويرقصان معا لتكتمل الصورة لكن لكل واحد منهما آرائه وتوجهاته وتطلعاته هنا يكمن الاختلاف بينهما فربما هذا يراها انطباعية بينما الآخر سريالية ….

 

2

هنالك نظامان يحكمان العالم الشرق والغرب لذا لكل واحد منهما خصائصه الاثنان كعازفين ينفردان بالعزف على ذات الآلة لكن هنالك اختلاف في اللحن والمقصود به هنا النظم والتشريعات والقوانين ….

ففي الغرب هنالك مكانة ذات قيمة للمبدع أيا كانت صفته لذا فهو حر في تدوين الإبداع كما يراه فكريا وعقليا لذا فالحرية بمعناه هذا وليس بمعاني أخرى لان لكل شيء تفسير معين ضمن خانة الحرية بينما في الشرق يختلف الأمر ففي معظم الدول الخاضعة لمصطلح الشرق الاوسط وما يجاروها من الجهات الأربع فأن المبدع أيا كانت صفته شاعرا أو كاتبا وأديبا أو صحفيا …. الخ فهو علامة استفهام كبيرة في عين السلطة وهو مراقب من الأجهزة الأمنية وتحمل إدراجها ملفا باسمه فيه تفاصيل ومعلومات عن المبدع وربما هنالك كتيبة تطارده من شارع إلى شارع ومن زقاق إلى زقاق لمعرفة كيف يقضي المثقف يومياته وهذا أمر ليس بالجديد فكل المبدعين مراقبون امنيا في الشرق ويوميا ترسل التقارير عن تحركات المبدع للجهة المسؤولة بمتابعته فهي تعلم كل شيء عنه بداية بيوم مولده اللعين وصولا الى تصعلكه وتعربده على صفحات الصحف الورقية والمواقع الالكترونية فهذا ما يميز الشرق عن الغرب فالأول يصرف الملايين كي يراقب المبدعين والاخر يصرف الملايين لبناء المبدعين …..

3

السلطة في عوالم الشرق لا تحب النخبة المثقفة ولا تستهويها طروحاتهم وتطلعاتهم لذلك عندما يشتعل فتيل أزمة في أي قضية اجتماعية كانت او اقتصادية او سياسية او ثقافية فالمثقف هو اول الضحايا والسبب يعود الى ان السلطة تكره الفرد الواعي المفكر الذي ينظر الى ما بعد الافق فمن يقرأ هو في نظر السلطة شرير وخبيث ومن يكتب تطاله ذات الشتائم ومن يبدع في اي مجال انساني فهنالك خط احمر عريض تحت اسمه ….

أنا لست عنصرا مخابراتيا أو أمنيا كي أعلم بكل هذا فالقضية لا تحتاج سوى لورقة وقلم وبعض الهدوء لترتيب أروقة العقل ورؤية الواقع المتعفن الذي يعيشه الشرق وهذا لا يحدث إلا في حالة واحدة ألا وهي الثقافة فهي تصنع الوعي وتقوي الفكر وتضغط على المخ لإفراز الخيال فالموضوع له بعد آخر فالقراءة تبني العقل وبالتالي فأن هذه الآلة البشرية تعمل كي تكتسب مهارات الثقافة والفكر والفلسفة ….

فالسلطة تحب الأفراد العاديين البسطاء الذين لا يعلمون من الحياة سوى روتينها الممل بينما تكره الانسان المثقف الذي يستلهم الوعي كدستور عمل في يومياته فمن ينظر ما دون الأفق فهو بعيد عن أنظار السلطة ومن ينظر إلى ما بعدها فهو قنبلة موقوتة في فلسفتها ويجب تفكيكها وبالوسائل التي تراها مناسبة ….

فالمبدع يعرف حقائق الأمور لأنه في حالة توعية وتثقيف مستمرة وهذا تجاوز على قوانين السلطة في عوالم الشرق بينما الفرد العادي فهو صحراء قاحلة مجردة من كل شيء إلا تفاصيل الحياة البسيطة فالمثقف يفرق الخطأ والصواب وبالعكس لأنه يفكر ويتعمق في خيوط المشهد والصورة والحدث بينما الإنسان المليء بكل شيء إلا الوعي فهو لا يفرق بينها بل يكتفي باستيعاب واحتواء الأشياء والأمور من منظور الآخر أي السلطة على عكس المثقف الذي يتخذ من الوعي والإدراك مفهوما وقيمة في ثنايا الحالة الفكرية والفلسفية التي يعيشها بشكل مستمر …..

 

 

ايفان زيباري

شاعر وكاتب

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *