أشعر بمن حولك/سماح خليفة – واحة الفكر Mêrga raman

أشعر بمن حولك

 

كيف لنا أن نتوحد مع الطبيعة؟ هذا السؤال حملته على كتفي في طفولتي وبدأت أجره على ثقل؛ فلم أفهم في ذلك الوقت دعوة تلك المرأة الذي تظهر على شاشة التلفاز بلباسها الأبيض ووجها المجعد وشعرها الأشيب الناعم المنسدل على كتفيها، تجلس متربعة الساقين، تحيط بها الشموع من كل جانب، وتدعو بصوتها الملائكي للتوحد مع الطبيعة. كانت تقول إن الإنسان هو ابن الفطرة، ابن الطبيعة، سكب أسراره في هذا الكون، حتى أوجد لغة خاصة بينه وبين الطبيعة، فكل شيء في الطبيعة يتحدث وعلينا أن نصغي له؛ لنرتقي بفطرتنا ونلج الطبيعة إلى أبعد حدودها.

حاولت مرارا أن أسمع صوت الطبيعة، استمعت إلى صوت العصافير وكل كائن ناطق على هذه الأرض ولم أفهم منها شيئا، نصت مرارا إلى الجبل لأسمع صوته ولم أفلح، جلست مع أزهار أمي التي زرعتها بيدها وروتها بحبها وحاولت مخاطبتها ولم تتجاوب معي، بقيت أحاول ومحاولاتي تبوء بالفشل إلى أن سمعت -صدفة وأنا أجلس على عتبة البيت المطلة على الشارع-صدى صوت أحد الأولاد الذين يصرخون في الشارع يأتي من جهة الجبل البعيد المقابل لحينا، وما أن سمع الولد ورفاقه هذا الصوت حتى بدأ الجميع يصرخ ويستمتع بالصوت الذي يرد عليه. فهرعت إلى والدي رحمه الله وهو يجلس على ذلك الكرسي المجاور للأستوديو خاصته وقلت له: وأخيرا نطق الجبل، فرد والدي: طيب شو حكالك؟ فأجبته: حكى مثل ما حكينا بس بصوت أعلى. “هذا منسميه الصدى”

لم أكترث للتسميه ولكنني أصبحت على قناعة بأن كل كائن في الطبيعة يتحدث إلينا وعلينا أن نفهمه ونتفاعل معه.

وذات يوم عندما خرجت مع عائلتي في نزهة جبلية، أذكر أنني اتخذت مكانا قصيا، وحدثت نفسي بأن علي أن أصنع حديقة صغيرة بأزهار جميلة كتلك التي صنعتها بطلتي”ساندي بل” بل وأتحدث إليها كما كانت تفعل، فمن المؤكد أن “ساندي بل” كانت تفهم حديث الأزهار ولذلك كانت تبتسم دائما لها.

وفعلا صنعت حديقة صغيرة مستديرة وقسمتها إلى قطع دائرية بواسطة حجارة صغيرة جمعتها، ثم أحضرت أزهارا بألوان مختلفة من الجبل وزرعتها، رويتها ثم طمأنتها ووعدتها بأني سأعود فيما بعد للعناية بها. إلا أن نزهة امي التالية للجبل بعدت كثيرا بسبب انشغالها، وأنا لم أكن أجرؤ على الذهاب وحدي، ولم تكن اختي لترضى مرافقتي. المهم استطعت انا وأخواتي أن نقنع والدتي بالتنزه وفعلا وافقت، كنت أخطو خطواتي نحو الجبل بتخوف وانا أسائل نفسي: هل يمكن أن يكون قد حدث لها مكروه؟

ما إن وصلت الجبل حتى هرعت إلى حديقتي لأجد أزهاري قد شرذمها الريح، لابد أنها توسلت للريح أن يتركها بأمان، لابد انها توسلت للطبيعة أن تزجر الريح، لابد أنها استنجدت بي، لكني لم أسمعها وتركتها تموت.

أخذت أوبخ نفسي من جديد؛ كان على قبل أن أسعى لسماع الأشياء من حولي، أن أحس وأشعر بها دون حاجة لسماعها.

 

 

 

 

بقلم: سماح خليفة/ فلسطين

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *