قـــراءة فـي روايــة الشمــس خلــف الغبـار للكاتب ياســين شــامل .. /احمــد طـه حاجـــو – واحة الفكر Mêrga raman

 

قـــراءة فـي روايــة الشمــس خلــف الغبـار

للكاتب ياســين شــامل ..

 

الشمس خلف الغبار هي تجسيد للأمل بكل جوانبه المضيئة رغم مصاعب التي تعترض طريقه .لا تعتبر هذه الرواية تسجيلية فحسب لانها وثقت لمرحلة مر بها العراق والبصرة بصورة خاصة حيث جرت احداثها بل كانت عبارة عن دراسة نقدية للواقع العراقي قام بها الكاتب حيث نرى المعاناة والالم الذي التمسه من واقعه أثر واضح في معاناة شخصياته حيث كانت مجريات الاحداث شمولية لواقع بلد ونظام .

ان أسلوب الراوي في هذه الرواية أضاف متعة واثارة وتشويق وعدم ملل وايقاض مسنمر لفكر القارئ فنرى ان الرسائل التي أراد ارسالها الكاتب تأتينا بطريقة مدهشة وهو يرسلها بأسلوب ينم عن دراسة وسيطرة تامة باللغة والمفردة .

ان فكرة الرواية كانت تعطي انطباع عن شعور بالمسؤولية لدى الكاتب حيث اختارها لانها حملت في طياتها قضايا جوهرية تخص بلد وشعب ومعاناته الدائمة ..

فبرغم الرومانسية التي كانت محورا تحرك الاحداث بين الحين والآخر لكن كانت رومانسية حالمة مجروحة واقعيا ..

لقد انتقدت هذه الرواية العادات الاجتماعية وبعض الموروثات البالية والتي لازالت تتحكم بمجتمعنا الحالي والتي كانت بدورها السبب الرئيسي لدمار وتخلف وتأخر المجتمع ورجوعه للعصور الحجرية ..

وقد سلطت الضوء أيضا على اندثار معالم المدينة وتغير ملامحها بفعل لبحروب الثلاثة التي مر بها البلد وهذه المدينة بصورة خاصة فحرب ايران هدمت البيوت واحرقت النخيل وحرب الكويت والحصار هدمت النفوس واحرقت القلوب والحرب الأخيرة والاحتلال الأمريكي الذي كشفت الكثير من الغوامض بطبيعة المجتمع العراقي ..

وبينت طبيعة ونوع الرعب الذي كان يعاني منه الشعب بسبب الاعدامات الوحشية التي كان يمارسها النظام الطاغي على كل من كان يعارضه بالرأي او الفكر ومقدار الحذر الذي كان يعيشه الشعب والخوف من زلة اللسان التي كانت لا يخفى على الكل نتيجتها لذلك كان الحديث في ذلك الوقت يجري همسا ..

بالأضافة الى ذكر بعض المناطق التي لها مدلولات تاريخية لدى اهل هذه المدينة فسوق المغايز والسينمات التي انقرضت وتحولت الى مجمعات تجارية والجسر الحديدي الذي يربط البصرة بالتنومة والبنك المركزي وزهور حسين واغنيتها المشهورة التي تأخذنا الى ذكريات الزمن الجميل وغيره من العلامات المهمة التي ترجمة مدى تأثير المكان لدى الكاتب وعشقه لمدينته وحنينه عليها الذي ييش بداخله ..

كما عالجت الرواية آثار التربية والتنشئة للطفل وما تخلقه من ذكرى على مستقبل الأبناء فنرى ان جمال بطل الرواية كان يعاني من قسوة ابيه عليه وكانت نتيجتها الانحراف والسرقة والسجن وأيضا الحكم الصارم على مها المتفتحة الجمال والانوثة حيث ان ممارسة القسوة عليها لم تمنعها من ارتكاب المعاصي ولم تمنع قلبها من النبض وتذوق الحب بشتى انواعه …

وتطرقت أيضا الرواية وبينت صفات ووضع اهل المعدوم ومعاناتهم حيث كانوا يعاملون كعملاء مدى حياتهم ويكونون منبوذون ويعاملون بدونية من قبل النظام ..

فالقلق من كل شيء كانت السمة الطاغية على العيش بالعراق وكانت النفوس محروقة وحذرة من كل شيء . وان كل هذه المعطيات أدت بالحرب الأخيرة بعدم الرغبة للشعب بالمقاومة بالحرب لان المقاومة كانت تمثل الدفاع عن شخص واحد وهو الرئيس الطاغي ..

اما الفلسفة التي احتوتها الرواية تتمثل بتركيب الاحداث ومدلولاتها الفكرية التي عاشتها الشخصيات والمنطقية المفرطة التي جسدتها تصرفات وتحركات الشخصيات في وضع وبيئة زمانية ومكانية عاصروها وعاصرناها ..

سعاد كوستر ( ام مها ) ذات السمعة السيئة وذات الاختفاء المثير للجدل كانت شخصية منحرفة كانت تتلقفها الايدي ولا تستقر على يد او صدر رجل زز تزوجها هاشم المنحرف أيضا وصاحب السلوك الشرير وكانت نتيجة الانحراف هو ضحية اسمها ( مها ) كان مقدر لمها ان تعيش حياة كريمة لو انها ولدت في غير هذه العائلة لكن حظها الغابر وضعها في هذه العائلة البائسة ..

تبرز حرفة الكاتب الواضحة بهذه الرواية في تسلسل الاحداث والوقائع وهناك انسجام واعي الحبكة . ونرى ان الصراع مستمر في كل مراحل الرواية صراع الراوي مع ذاته ونشاطه المستمر وصراع الشخصيات كل على حدى الجدة , مها , هاشم , الراوي , والصراع العام للشخصيات مع الواقع وتغير الاحداث المستمر والمفاجئ بعض الأحيان . كما ان الرواية تعمقت بقراءة الواقع بدقة حيث نرى ان لدور الطاغية الذي كان المسؤول عن امن المنطقة الجنوبية اثر واضح في سخط اهل المدينة عليه نتيجة لتهديده المستمر لهم وتلفظه عليهم بألفاض نابية ووصفهم بأقبح الأوصاف ..

اما لغة الرواية فكانت تحتوي على الفاظ جذابة حتى انها أعطت انطباع بأنها قصيدة وليست رواية فجائت الرواية كلوحة تشكيلية ملونة لما احتوته من جمال لغوي يحسب للكاتب ….

عالجت الرواية بطريقة البحث والتحليل جميع شخصياتها وشخصت أسباب معاناتهم والتي تمثل معاناة مجتمع برمته . فمثلا سبب منع مها من التعليم من قبل الاهل بسبب نضجها وجمالها المفرط .. فهل ذنب مها انها جميلة ؟ لتحرم من التعليم ؟ ان المشكلة التي عانت منها مها انها لا حول ولا قوة لانها تعيش تحت هيمنة هاشم والدها المتسلط والسكير فمشكلتها مضاعفة …

اما جمال أيضا هو عانى من معاملة والده له المهينة حتى انه لاحظ ضع تقدير من هاشم عندما تودد له واشعره بأهميته عندما أراد سرقة العتاد فراح جمال يلهث وراء هاشم رغم علمه بغايته المشينة وتاريخه الأسود.

ان للمرحلة التاريخية التي اختارها الكاتب خصوصية لدى العراقيين فالظلم المبالغ به من قبل النظام للشعب كان على درجة عالية من التنوع والاذلال . فكان هناك سخط شعبي وجماهيري في ذلك الوقت قبل الحرب حيث وردت بالرواية عبارة ( متى يغادرون الكثيرون هذا الحيز الضيق دون رجعة ويغيرون ما هو ثابت ) هل يبقون دائرين في نفس الدائرة من الغبار ولا يزيلونه عن طريقهم ..

فالدعوة  لتغيير الظلم مفتوحة في كل زمن ووقت . كما كان هناك تركيز واضح على وضع المرأة وقد حلله الكاتب بطريقة جريئة وعميقة من خلال انفعالات مها واحاسيسها الانثوية وامنياتها واحلامها ومشاعرها ورغباتها المكبوتة وتفكيرها في الخلاص لكن يصطدم تفكيرها بجدار وضعه الاهل والجهل وحاصروها به لكنها لم تكف عن الثورة الداخلية ضد الظلم المحاط بها والمفروض عليها . وهو ما يعانيه اغلب بنات اليوم والذين يعيشون بنفس ظرف مها ..

كما ان الرواية كانت عبارة عن دعوة للثورة ضد الظلم بشتى اشكاله ودعوة للغور بالنفس وتحليل افعالها الارادية واللارادية وتقييم نتائجه على الابن والبنت والمجتمع . وأيضا دعوة للتأمل لنوع النظام وافعاله ووجوب المقارنة بينه وبين الأنظمة السابقة وتجنب الأساليب التي خلقت الخزي والعار لأزلامه نتيجة التصلب والانفراد بالقرار .

اذن كانت الرواية عبارة عن ملحمة مليئة بالصراعات مع الذات ومع الواقع المفروض على الكل .

ان الجرئة التي عبر بها الكاتب عن انفعالات مها وجمال ووصف انفعالاتهم الاجسدية والروحية اضافت مصداقية وواقعية للرواية ووصف طريقة التفكير ومستواه لكل شخصية اثرى الرواية حيث كانت هناك ملاحظات دقيقة ومرسومة لفعل كل شخصية مع اهتمام كبير لمستوى تصرف الشخصيات وان الانتقالات بين انفعلالات الشخصيات والتنقل بالزمن وظهور شخصية صاحب النظارة اضافت أجواء حلمية مميزة لجمال السرد كانت شبيهة  بمشاهد الفلاش باك بالمسرح حيث كانت بمثابة مشاهد ترويحية بين الحين والآخر واذهبت الملل الذي قد ينجم من قراءة الرواية من البداية وحتى النهاية فكانت الرواية ذات نسق متجانس ممتع ومشوق والقارئ يشعر برغبة بالمواصلة لانه يرى تحليلات منطقية بين الحين والآخر واسئلة واجوبة مصاغة بطريقة ذكية …

اما نهاية الرواية فتكللت بقتل هاشم وجمال بطريقة غريبة ومفاجئة حيث كانت نهاية مأساوية ومعروفة للغريق بالاثم والحرام والباطل أي كانت نهاية البطل بأنجلاء الغبار وسطوع الشمس لزمن جديد فهل كان زمن جديد ببزوغ الشمس ؟ ام كانت شمس ملبدة بالغيوم الحمراء ؟

بقلـم احمــد طـه حاجـــو

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *