عرس القيامة / سمر سليمان معتوق – واحة الفكر Mêrga raman

عرس القيامة

بدى لي حظُّها بهلوانيًّا، يمشي على حبل الصُّدف، ينتظر التَّصفيق له أو الموت؛ قُيِّد قاب انتظارين.

وجهها يشبه قرص الشَّمس، في أيَّام الشِّتاء.

إن أطلَّت تُحدث في القلب زلزالًا يُبطل عمل مقياس ريختر.

يوم ولادتها ولِد معها الحظ لقريتها المنسيَّة؛ إذ زارها وزير السِّياحة ووعد بأن يهدي قاطنيها مصباح علاء الدِّين؛ ممَّا جعل أهل القرية يستبشرون بها خيرًا؛ أما والدها فكان على عكس ذلك؛ قد ورث عن أبيه الَّذي أنجب تسع بناتٍ كُره الإناث؛ كان كُلَّما تزوَّج امرأةً فأنجبت له ابنةً يطلِّقها ويرمي بها مع ابنتها خارج حياته.

مضت السَّنوات بالتقاء النَّقيضين ثقيلةً مسرعة، وأصبحت فرحة بالثَّلاثين من عمرها.

” فرحة” هو اسمٌ أطلقوه عليها في دار الأيتام؛ المكان الذي وضعها به والدها بعد وفاة أمِّها وهي في عمر الخامسة.

جاء نقلها من وزارة الصِّحة إلى واحدةٍ من القرى كي تكون الطَّبيبة النِّسائيَّة هناك.

كان شعورها بأنَّ هذا القرار صدر بحقِّها كحكمٍ تعسُّفي، فخطيبها ابن العاصمة ولا يستطع التأقلم مع بيئة القرية وتقبِّل الحياة فيها غير أنَّ موعد زفافها أصبح قريبًا.

وبعد محاولاتٍ عديدة وإصرار منها استطاعت إقناعه بالسَّكن في مدينةٍ صغيرةٍ قريبةٍ من القرية التي عُيِّنت بها.

أيَّامٌ قليلة وبدأت فرحة تنسجم مع عادات القرية وبساطة أهلها، وأصبحت تشعر براحةٍ كبيرةٍ وهي تقرأ الفرح في وجوه نساء القرية وهنَّ يخرجن من عيادتها.

قالت لي في زيارتها الأولى للعاصمة عقب تعيينها بالقرية: أشعر أنَّ شيئًا ما يشدُّني لهذه القرية، شيءٌ أقوى من مسألة هذه الأيَّام القليلة، أجهل ما هو!

شيئًا فشيئًا أصبحت القرية جزءًا أساسيًّا من حياة فرحة، قرَّرت أن تقيم حفل زفافٍ آخر في القرية دون أن تدرك ما السَّبب الَّذي دفعها لاتِّخاذ هذا القرار، وللمرَّة الأولى تطالب برؤية مختار القرية كي ينسِّق الأمر معها، فتخبرها طبيبة التًّخدير أنَّ المختار أقفل دار “المخترة” منذ وفاة زوجته واختفاء ابنته؛ وأصبح يستقبل النَّاس في بيته.

تلقَّفت فرحة العنوان وأثناء سيرها في الطريق المؤدِّية لبيته أخذ قلبها يقرع كطبلٍ ينبئ بمصيبة وبدأت لقطات غريبة تهتدي إلى ذاكرتها تشبه الخيال، تأتي وتذهب قبل انتهاء المشهد.

وصلت….طرقت الباب ودخلت.

-أهلًا أهلًا من أنتِ يا ابنتي؟

-أنا…. أنا…….أناااااا (ومع تنهيدةٍ أطلقتها وهي تستعيد ما قالته لها طبيبة التَّخدير فاكتملت ملامح اللَّقطات). أنا ابنتك الَّتي ألقيت بها في عمر الخامسة بعد وفاة والدتها في دار الأيتام.

أنا القيامة كما أسميتني، جئت إليك كونك مختارًا للقرية لأطلب منك دعوة أهل القرية إلى حفل زفافي في منتصف الشَّهر الجاري.

– أنتِ القيامة!

كيف ذلك؟ ما الَّذي أتى بك إلى هنا بعد خمسةٍ وعشرين عامًا سوى القدر!

-نعم هو القدر أنجبني مجدَّدًا من رحم أمِّي وبعثني للحياة، كي ترى ماذا يمكن للإناث أن يصبحن إن أردن ذلك.

أعادني اللَّه إلى قريتي كما أعاد موسى إلى والدته.

وخرجت تصرخ من بيت المختار: يا أهل القرية أنا القيامة…. أنا القيامة…. أنا القيامة…. جميعكم مدعوُّون إلى حفل زفافي يوم اكتمال القمر بدرًا…أنا أنا الطَّبيبة فرحة. أنااااااا أنا القيامة.

 

 بقلم: سمر سليمان معتوق

من المجموعة القصصيّة (السراب الصادق)

 

One thought on “عرس القيامة / سمر سليمان معتوق”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *