جواب:رسالة مِنْ امرأة تحترق/ إبراهيم أمين مؤمن – واحة الفكر Mêrga raman

 

جواب

رسالة مِنْ امرأة تحترق

زوجي الغالي:

أكتب إليكَ وقد عسكرتْ أناملي رعشةُ الخوف بعاصفة ابتعادك، واشتد وجيب القلب حتى انصهر من حرقة الشوق إليكَ،

وتفجّرَ الدمع من عيني فأذهبَ كل دمعة فرحة ابتسمت في حياتي.

أخطُّ حروفي إليكَ لتكون رسولًا يدعوك إلى الإياب، أخطّها وأرسمها لوحة لا شمس لها ولا قمر ولا غيث يسّاقط من السماء ولا نبع يتفجّر

لوحة تتساقط فيها الأزاهير وتتكسر فيها الأغصان وتذبل فيها الأوراق وتتهدم فيها الجدران.

لوحة كنتَ فيها وكانتْ مروجاً خضراء وولّيتَ عنها فأصبحت أرض بوار، فنعمّ هي وأنت فيها مقيماً، وبئس هي وأنت عنها مدبراً.

                      ************

قلتُ لكَ لا ترحلْ

 أتذكر؟

أدفعكَ وأستدفعكَ إلى صدري وألتصق بك وأضمك بيدي وأستعطفك بدموعي، أن لا ترحل

حتى انفلتَّ عن صدري وتحررتَ من يدي وصرفتَ بصركَ عن دموعي ومضيتَ وأنا أصرخ لا ترحل

قلت لك كسرة خبز أطعمها في جوارك خير من شهد أُغمض عيني ريثما يدخل فمي في ابتعادكَ

تعالْ لا ترحل وتقول كفى كفكفى الدمع واصبري، وأين الصبر وأنتَ مفتاحه فأنى لي أن ألجه أو أقربه؟

حتى إذا ما ذهبتَ عدوتُ خلفكَ رامية يداي على كتفيك أُزلزلك وأصرخ وأقول لك لا لا لا ترحل.

                      ************

أتعرفني الآن؟ ما أظنكَ تعرفني

أنا ما عدتُ أنا وأنتَ ما زلتَ أنت َ

أنا الصرخة وأنت صانعها

أرى في عيني نور شمس يغرب ولا يعود، صرخة

وقلباً يباباً من بعد رياض كانت تجود، صرخة

ويداً كانت تمد تغيث وتجير وأصبحتْ تضيق، صرخة

وجسداً بارداً من بعد دفء بلا حدود، صرخة.

وروحًا كانت تطير في ملكوت علوي فأمستْ تعود، صرخة.

جعلتني أنحدر في دهاليز الظلام فأقبع بين جمر الحمم والبركان

 كل أعضاء جوارحي تختلج ثم تنتفض لتحترب حتى إذا بلغتْ ذروة الإعياء سقطتْ على الارض تهذي وتدندن على أوتار أناملي أُنشودة النداء، ندائي إليك يا حبيبي

نظرة في هذا الجدار وذاك الجدار، أتعلمْ أن كهْفاً يأوي إليه فتانا يا حبيبي!

أتعلم أن كُهيْفةً تأوي إليه، فتاتنا يا حبيبي!

وأنا أنظر الى الجدار إنه كاد يتهاوى فيرديني ويرديهما فالحق بمسار العودة وأقمْ الجدار.

أتململ على فراش مضجعنا وأنصهر عليه من جمرات الشوق والارتياع، إنها أُسطورة الاحتراق من الشوق والإلتياع.

أتقلبُ وأحترقُ حتى إنّ قلبي يغترب جسدي ويألف النزوح عنه ليسافر إليك ويسري في أعماقك وبدنى هنا لكهْفٍ وكهيْفةٍ، طفلينا يا حبيبي

                    ************

لِمَ الرحيل يا أنت؟

ألا تذكر

 رعشة الضم والتوحد يوم ذابت أرواحنا.

وكنا نعدو خلف بعضنا وسط ضحكات امتد فيضها حتى بلغت ما حولنا فانتبهوا مبتسمي الثغور.

كنتُ أرتع بين أحشائك وأتلمس القرب من حبل وريدك

كنتُ في كيانك. في داخلك. في أنفاسك. في دقاتك. أسمع. أصغى. …

كنتُ أراكَ من داخلك، في داخلك تُقر عيني بروضاتك الغنّاء وتُلذ روحي بروحك القدسية العلية، وينتشي جسدي بمائك الطهور الذي كان يسبح في شراييني

رأيت الماء السلسبيل من ريق فمك. ورأيتك في أحلى وأبهى وأجمل حبيب. ما أعظمك يا أنت؟

 كنا إلفين تحت سقف الأثير من الحب.

تنفجر الأشواق ونحن نفترش الأرض ونتسقفُ الأثير من الحب.

تنفجر محدثة آهات تسري كنسيمٍ من نسائم الطيب تعبر النفس.

تنساب روحي من جسدي لتلقى السلام والتحية على أعتاب قلبك وانفاس روحك عتبة عتبة ونَفَس نَفَس

أضم فاستشعر اهتزاز الأغصان، وتفتْح البراعم، وخروج الجنين من الظلمات الى النور.

فماذا جنيتَ من الرحيل يا أبا كهْفٍ وكُهيفةٍ؟

                                                   إذاً ارجع

                   **************

بقلم: إبراهيم أمين مؤمن

       8-9-2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *