رسالة إلى السيد مسعود البارزاني (رئيس إقليم كوردستان)/ جوتيار تمر – واحة الفكر Mêrga raman

 

رسالة إلى السيد مسعود البارزاني (رئيس إقليم كوردستان)

تحية ثورية:

لن أخوض في سرد التاريخ الحديث للكورد فأنت أعلم به مني لكونك ممن صنع الكثير منه، ولكونك عشت أغلب مراحله سواء مع الأب القائد، أو من خلال ممارستك للعمل الثوري والسياسي ضمن دوائر جغرافية حية متخمة بالأنين الشعبي الكوردي جراء السياسات اللامعقولة والدكتاتورية والفاشية التي اتبعتها الحكومات التي تحتل أرض كوردستان في كل جزء، هذه الحكومات التي لم تكن تتنفس الصعداء إلا بعد القضاء على أي عمل ثوري يطالب من خلاله الشعب الكوردي بحقوقه مع اختلاف آلية المطاليب في الأجزاء الأربعة وذلك حسب الأوضاع التي تعيشها المقاومة الكوردية.

إن التجربة الحية التي عشتها كَثوري وسياسي من جهة وكأبن لقائد من قادة الحركة التحررية الكوردية، لابد وإنها صقلت المفاهيم السياسية لديك بدرجة أصبحت تعرف أن الوعود والمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات كلها مجرد أرقام ضمن معادلة غير مؤكدة وغير صادقة وغير موثوقة، لكون تلك الوعود والمواثيق والاتفاقيات نفسها أصبحت قيداً حول عنق الحركة التحررية الكوردية منذ البداية فجعلتها تثق بالكثير من الوعود وفي النهاية لا استطيع أن أقول ندمت، ولكن على الأقل إنها ذاقت وبال مصداقيتها مع تلك الوعود والمواثيق، بالتالي فإن أكبر الخاسرين سياسياً وواقعياً كانت الحركة الكوردية، تلك الحركة التي تبنت منذ البداية هموم الشعب الكوردي وحملت معها أوجاعها وأنينها جراء الظلم والاضطهاد العربي(العراقي – السوري) التركي الفارسي، ولكنها في كل الأحوال كانت تسعى جاهدة لخلق ممرات تواصل تبعد هذه الصورة البشعة لحكوماتهم عسى ولعل أن تجد ممراً للتوافق وبناء علاقات طيبة معهم، وكما هي العادة كانت الخيبات أكبر من أي طموح ورغبة، حتى أصبح الشعب الكوردي يعيش حالة من التذمر حول أية محاولة من قادة الكورد للتواصل مع هذه القوميات اللا انسانية، بسبب ممارساتها اللاإنسانية تجاه الكورد في كل الأجزاء.

إن المنطق الذي أجبر الكورد على تبنيه الآن هو الخيار الأنسب للتعامل مع هذه القوميات، ومع هذه الحكومات التي بدأت تتقارب بشتى الوسائل وتدفن أحقادها تجاه بعضها البعض لطمس معالم الثورة الكوردية الحالية الساعية لخلق كيان كوردي مستقل، وبالتالي فان اي انتكاسة أخرى للحركة الكوردية ستكون بمثابة الإبادة الجماعية ( الجينوسايد) الجديد للكورد، والذي لن يكون أعداء الكورد هم السبب في حدوثها، إنما سيكون انصياع الحركة للواقع الذي تريد هذه الدول ان تفرضه عليها، ومن هذا المنطلق فإن الحل هو الاستفتاء والاستقلال وإعلان الدولة حتى لو مررنا بتجربة حرب معهم وضحينا بالمزيد من الشباب في سبيل تحقيق هذا الهدف والغاية الأسمى للشعب الكوردي في أجزاءه الأربعة، فصوت الكورد حول هذه المسألة موحد وواضح، وما تلك التظاهرات التي تستوعب الآلاف من أبناء الشعب الكوردي في كل أرجاء المعمورة إلا دليل ذلك، وحتى الأصوات الشاذة التي تنادي بالتأجيل فأنها لا ترفض الاستقلال ولكنها تتغطى برداء آخر ربما لأجندات لا تريد للحلم الكوردي ان يتحقق.

سيادة رئيس إقليم كوردستان إن الأمر ليس مجرد لعبة سياسية يوجد فيها رابح وآخر خاسر، أو حرب تصريحات وشعارات، الأمر تعدى ذلك كثيراً فالحرب الكلامية الإعلامية على الرغم من جبروتها وسطوتها وتأثيرها إلا أنها في النهاية مجردة من أهم قوائم النجاح إلا وهو الفعل، الفعل الذي يحول تلك الأقاويل وتلك الحرب إلى واقع ملموس وبرؤية حديثة معاصرة تحمل في طياتها مفاهيم الدولة السياسية المدنية المبنية على أساس التوافق بين جميع المكونات والأعراق والأديان والمتخذة من القاعدة الشعبية الجماهيرية ركيزة للاستمرارية ومن القوة العسكرية العظيمة للبيشمركة دعماً للوقوف بوجه اية أطماع خارجية أو أية محاولات خارجية لوأد التجربة ولوأد الاستقلال .

سيادة الرئيس لسنا من يوضح لك مدى خطورة المرحلة ومدى خطورة التراجع عن قرار الاستفتاء والاستقلال، فأنت ومن خلال لقاءاتك المتوالية للأطراف السياسية الداخلية والخارجية تدرك تماما حجم الحقد الذي يكنه لنا دول الجوار ، وتعلم جيداً بان سياسات تلك الدول هي التي أوصلتنا لهذه المرحلة والمطالبة بالاستقلال، لذا سيكون من الموجع والمؤلم التراجع عن هذا القرار التاريخي ليس لك كرئيس للإقليم انما للحركة التحررية الكوردية التي وصلت لإحدى أهم مراحلها التاريخية والسياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهذه التجربة التي تخطت حواجز القمع وكم الأفواه وعلى مرأى من العالم الآن لا تعارض خروج بعض أحزاب المعارضة وبشكل مباشر رافضين للاستقلال ولن نقول لماذا هم يفعلون ذلك الآن، ولكن سنقول أن الديمقراطية وحدها هي التي تجعلهم يقولون آرائهم وبصوت مسموع من خلال قنواتهم الاعلامية وبحرية تامة، وعلى الصعيد الخارجي نرى التحديثات التي افرزتها الحركة التحررية الكوردية وذلك من خلال رفع العلم الكوردستاني في اكثر من محفل دولي، ناهيك عن الزيارات المتواصلة للعديد من تلك الدول إلى أرض كوردستان والجلوس تحت ظل راية كوردستان، ومع ذلك نجدها لا تحرك ساكناً.

سيادة الرئيس ان القرار الذي توصلتم اليه أنتم قادة الحركة التحررية الكوردية في الاقليم بعد جلسات وتداولات واعلان الاستفتاء والاستقلال هو القرار الذي عاش الكوردي منذ عصور لسماعه، لذا نحن كأبناء شعب كوردستان نطالبكم بل نتعدى الحدود نأمركم كشعب له الحق في ان يأمر قادته بعدم التراجع، لأن التراجع سيكون فيه موت الشعب وانهاء اية رغبة في البقاء داخل كوردستان ولا يمكن إدراك العواقب الاخرى. نحن الشعب نأمرك بان لا ترضخ لأية تهديدات، وان لا تثق بأية وعود، وان تصر على اجراء الاستفتاء للاستقلال تحت اي ظرف كان، لأنه باختصار لا بديل لنا سوى الاختيار ونحن الشعب اخترنا الاستقلال وليس لكم أنتم القادة إلا الرضوخ لإرادة الشعب وإلا لن نؤمن الا بمساعنا كشعب يريد الاستقلال وسنرفض حلولكم هذا ان تراجعتم عن القرار وسنخرج الى الشوارع لنطالب بخروجكم من كوردستان وسنتهمكم بالخيانة، حتى لو أتيتم لنا بألف مبرر ومبرر. وقلتم الواقع الدولي والاقليمي والداخلي والى غير ذلك من الاقاويل التي قد تجدون فيها مبررا للاستسلام.

سيادة الرئيس .. عذرا لتجرأي ولخروجي عن المنطق، ولكني ككوردي لا يمكن ان اقبل غير الاستقلال ولا يمكن ان اساوم بأرواح الشهداء ودموع امهاتهم، لأنني وقتها سأكون جاحداً بحقوقهم.. وانت تعلم ما يعانيه الشعب الان، وما يعانيه عوائل البيشمركة والشهداء ، فالكل متفق على ان اداء الحكومة الكوردية لم يكن بالمستوى المطلوب، والازمة التي نعيشها جميعا مع اختلاف وجهات النظر هي ازمة قتلت الكثير من المعنويات لدينا، ولكن في الوقت نفسه ما اعاد الينا الروح هو السعي للاستقلال وبدأ مرحلة جديدة نكون نحن فيها اصحاب القرار وليس بضع اشخاص في بغداد يتلاعبون بمصائر الملايين منا، هذا الاختيار هو الذي جعلنا نعود للصف الوحدوي بعدما كادت تفرق بيننا الحزبية والمصالح والتحالفات غير المنطقية، على هذا الاساس سيادة الرئيس نحن الشعب نأمر ك بان تستمر في الكفاح وتستمر في النضال لأجل الاستقلال بدون اية تأجيلات، وبدون الوثوق بأية وعود ومواعيد لأنك اعلم من الكل بانها تأتي لتهدأ الاوضاع وما تلبث ان تصبح مجرد حبر على ورق، ومعاهدة سيفر ليست ببعيدة عنا، ونحن جميعا نعلم كيف طمسوا بأحقادهم مشروع كيان كوردي مستقل وقتها. وكذلك في الوقت الحاضر الاتفاقيات مع بغداد -المالكي – الذي تلاعب بالدستور وتلاعب بالأرواح وأدخلنا جميعا في صراع من اجل البقاء.

سيادة الرئيس الكلمة الأخيرة يجب ان تكون للشعب وليس للمصالح السياسية والاتفاقيات السياسية والوعود السياسية التي لم نجني منها سوى الخيبات، والمزيد من التضحيات والتراجع للوراء، لذا نأمرك نحن الشعب بان لا تثق بأية وعود، وان لا يقنعك اي وعد، او اية وثيقة حتى لو كانت مصدقة من الامم المتحدة نفسها، دع وعد الشعب يتحقق، دع اتفاقية الشعب توَقَع، دع كلمة الشعب تكون هي الدستور الجديد لكوردستان مستقل ودع الاستقلال يكمم أفواه الحاقدين.

 

بقلم: جوتيار تمر/ كوردستان

9/9/2017

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *