آراء ومقولات حول الأصل الكوردي/ جوتيار تمر – واحة الفكر Mêrga raman

 

آراء ومقولات حول الأصل الكوردي

 

لا يتوقف التاريخ الكوردي عند محطة زمنية دون أخرى تسبقها، فالكورد متجذرون في التاريخ كما أغلب شعوب المنطقة، ولايمكن إنكار هذا الأمر فقط لأنه لايوجد كيان كوردي موحد لحد الآن، لأن هذه النظرية عديمة وعقيمة من حيث المنشأ والتوجه والإثبات الأكاديمي، فكل الكيانات الحالية كانت في الفترات الزمنية السابقة مجردة من التسميات الحالية، أي إن حالها كحال الكورد كانت ضمن دوائر صراعية تنافسية تقاتل من أجل إثبات وجودها وغرس أقدامها في الأرض التي تتواجد عليها، وبغض النظر عن المعطيات والأسباب التي أدت بالتالي إلى خلق بعض الكيانات بالمسميات الحديثة والتي يدركها الواعي والمتفكر بأنها كانت وليدة المصالح الدولية، فإن الكورد كانوا يقطنون أرض كوردستان قبل الميلاد بل وبحسب المخطوطات والمصادر القديمة إنهم غرسوا أقدامهم في أرضهم كوردستان بالأخص فيما حول جبال زاكروس والمناطق المتاخمة لها منذ العصور الحجرية القديمة، ولست هنا أريد أن أعرض الموجودات الأثرية التي وجدت على أرض كوردستان والتي يعود تاريخها إلى تلك الحقب الزمنية الغابرة ككهف شانيده ر وهزار ميرد وجرمو وجارستين وإلى غير ذلك من الآثار التي يمكن من خلالها توثيق ماهية الحياة التي وجدت على أرض كوردستان، وبالتالي فإن أنكار الوجود الكوردي على أرض كوردستان هو أمر مناقض للعقل والعقلانية الحديثة ومناقض تماما للدراسات الأكاديمية التي أثبت هذا الوجود وأثبت وجود العنصر الكوردي، كما إنه في الغالب يناقض النظرية الدينية القائلة بالطوفان حيث أن الجبل الذي رست عليه سفينة نوح يقع على أرض كوردستان وبالتالي فإن المهد الثاني للبشرية وبحسب آراء الكثير من المؤرخين والعلماء قد بدأ في كوردستان حيث أن جبل جودي الواقع في كوردستان الشمالية ( شمال كوردستان) من على سفحه بدأت البشرية بالانتشار ومن هناك بدأت النظرية القائلة بهندواوربية الكورد.

وبعيداً عن البحث في الوجود الكوردي القديم قدم المنطقة، كنا ولم نزل نعيش صراعاً مزدوجاً بين الاثنيات المجاورة للكورد قديماً وحديثاً من حيث تدوين النظريات حول الأصل الكوردي، حيث لايخفى على أحد عمق الصراع العربي الفارسي حول هذا الأمر بالأخص، ووجود العديد من الآراء والنظريات التي رفضتها النظريات الأكاديمية الحديثة، كما رفضها المنطق والعقل المستنير من أبناء تلك الاثنيات أنفسها، لكونها رفضت طمس معالم شعب متجذر تاريخياً في الوجود البشري بسبب الصراعات القومية الشوفينية في المنطقة، وللوقوف عن قرب على بعض الآراء التي أوردتها المصادر العربية الإسلامية والفارسية ومن ثم المصادر الأكاديمية للمستشرقين ولبعض المؤرخين الآخرين نعرض بعضها كمدخل تدويني قابل للبحث العميق.. حيث يمكن تقسم الآراء حول أصل الكورد إلى عدة نظريات منها:

  • النظرية العربية: وهي تتمثل بآراء عدة مؤرخين وعلماء الأنساب ممن كتبوا عن الأصل الكوردي ونذكر من المؤرخين المسعودي الذي كتب عن أصل في كتابه مروج الذهب حيث ذكر فيها ثلاثة آراء تختلف كل واحدة عن الأخرى في تصورها من حيث المنطق والعقل:
  • الكورد من أصل الجن: أورد المسعودي رأياً يوضح فيه بأن الكورد من أصل الجن حيث يورد قصة عن النبي سليمان الذي امتلك مجموعة من الإيماء والجواري في بلاطه وأثناء إحدى غزواته وغيابه عن بلاطه دخلت الجن على تلك الإيماء والجواري فحملن وعندما عاد سليمان ووجد تلك الإيماء والجواري حاملات تفاجأ وسأل عما حدث فقالوا له بان الجن دخلوا عليهن فحملن بهن، فقال اكرودهن إلى الجبال، وهناك وضعن حملهن ومما وضعن بدأ نسل الكورد، (لا يحتاج هذا الرأي الى توضيح لكونه يناقض العقل والمنطق أولاَ والمنطق الديني ثانياً).
  • الرأي الثاني الذي يذكره المسعودي حول أصل هو أن أصلهم يرجع إلى العرب، حيث كانت الجزيرة العربية يسكنها الكثير من القبائل التي كانت تتناحر وتتقاتل فيما بينها، مما أدى بقبيلة بني ربيعة أن تهاجر إلى الشمال وبالأخص إلى جبال زاكروس وما حولها وهناك اختلطوا بأهالي المنطقة من الفرس فتشكل منهم ذرية جديدة وهم الكورد.
  • أما الرأي الآخر الذي يذكرة المسعودي حول أصل الكورد فهو ما أورده مختصرا حول انتساب الكورد إلى الفرس لاعتبارات لغوية وهو تقارب وتشابه اللغتين الكوردية والفارسية بعضهما من البعض (اللغتين الكوردية والفارسية حسب رأي علماء اللسانيات ينتميان الى الأسرة اللغوية الهند واوربية، القسم الشرقي التابع للغات الهندو ارية ومن هذا القسم ينتميان الى القسم الخاص باللغات الآرية).
  • النظرية الفارسية: وتصنف هذه النظرية بانتمائها الاسطوري لأصل الكورد، حيث تعيد النظرية أصل الكورد إلى أحد ملوك الفرس الذي يسمى (ضحاك – زوحاك-) وهذا الأخير كان مصاباً بمرض غريب حيث نبتت على كتفيه حسب بعض الروايات رأس ثعبانين كبيرين، فطلب منه الحكماء والأطباء أنداك بالاستعانة بدم بعض الشباب لمعالجة مرضه، وحينها أمر الضحاك بذبح وقتل شابين كل يوم أو بين فترة وأخرى ، واستمرت الحالة معه لفترة وأثناء ذلك اتفق وزيره مع الطباخ أن يقوم بتسريح( اطلاق سراح) شاب وذبح الآخر، حيث كان المُسَرح يفر إلى الجبل وهناك وبعد مضي فترة، كثر الفارين على الجبل واختلطوا بالأقوام القاطنة هناك وتزاوجوا ومنهم تناسل أصل الكورد.
  • النظرية الاستشراقية: سلط المستشرقون الكثير من الضوء على أصل الكورد وعلى النظريات التي ذكرت ولكنهم إجمالاً خالفوا السائد من النظريات القائلة واعتمدوا أساليب أكثر دقة وأكاديمية في بناء آرائهم ونذكر من المستشرقين المستشرق الروسي مار الذي قال بان أصل الكورد يرجع إلى الكاردوخيين الذين ذكرهم زينفون في سنة 402 قبل الميلاد في كتبه أثناء رحلته الشهيرة (حملة العشرة آلاف).

        أما المستشرق مينورسكي الروسي أيضا فيذكر بإن أصل الكورد يرجع الى الميدين الذين تحالفوا مع الدولة البابلية الآكدية سنة 612 قبل الميلاد ضد الآشوريين وأسقطوا دولتهم. كما إنهم أنفسهم سقطوا سنة 550 قبل الميلاد على يد الأخمينيين الفرس والميديون سكنوا أطراف بحيرة أورميه وامتدت سيطرتهم على الكثير من أجزاء كوردستان.

  • النظرية الكوردية: وهي تتمثل بآراء مختلفة نذكر منها ما ذكره البدليسي في كتابه شرفنامة الذي كتبها باللغة الفارسية حيث أورد نظرية تشبه في مضمونها الرواية الفارسية حين أرجع أصل الكورد إلى عهد الملك ضحاك الذي كان مصابا بداء على كتفيه واضطر الى استخدام (مخ) شابين في كل يوم لعلاج مرضه، إلا انها أفرج بعد فترة عن شاب وقتل الآخر، والذي كان يفرج عنه كان يلجأ الى الجبل ليحتمي وعندما كثر عددهم واختلطوا مع أهالي المنطقة ظهر منهم نسل جديد وهم الكورد.

           أما محمد أمين زكي فيذكر رواية هي الأقرب إلى العقل والمنطق من حيث الاستشهادات التاريخية سواء من الناحية الدينية أو العقلية فيذكر بإن البشرية مرت بعهد الطوفان في زمن النبي نوح حيث لجأ الناجون إلى السفنية التي صنعها نوح وبما أن الطوفان أغرق العالم وقتها فإن الناجين هم فقط من كانوا على السفنية وهذه السفنية رست على جبل اسمه جودي وهذا الجبل يوجد في كوردستان وهذا يعني بإن كوردستان هي المهد الثاني للبشرية ومن جبل جودي بدأت البشرية تنتشر إلى جميع أنحاء العالم وهناك استقر الهندواوربيين الذي منهم ينحدر الكورد وسكنوا كوردستان منذ ذلك الوقت.

ولاتتوقف الآراء والنظريات حول الأصل الكوردي عند هذا المنعطف وهذا الحد لكون الكورد كشعب متجذر في المنطقة قد لقي الكثير من الاهتمام بالأخص من الاكادميين الغرب الذين تناولوا موضوعات الشرق بحرفية ودقة، فكتبوا عن الأقوام القديمة التي سكنت المنطقة وكان للكورد نصيب كبير في دراساتهم وكتاباتهم بالأخص فيما يخص الأصل الكوردي وكذلك اللغة الكوردية ومن ثم العادات والتقاليد والتراث الكوردي وأغلب الموضوعات الأخرى المتعلقة بوجود الشعب الكوردي.. ومع ذلك فإن بعض المنتمين الى دوائر قومية معادية للكورد مازلوا يصنفون الكورد ضمن المجموعات غير المستقرة ولايمكن اخفاء الأسباب التي تقف وراء عدم وضوح الأصل الكوردي عند هؤلاء بالأخص العربية والفارسية:

  • وجود روايات “خرافية” متعددة حول الاصل الكوردي سواء أكانت فارسية أو عربية وذلك تحقيقاً لأهدافهم الخاصة.
  • الموقع الاستراتيجي لكوردستان أثر كثيراً على توجهات الآخرين حيث حاولوا إلحاقها بممتلكاتهم ودولهم ومنع ذلك وجود قومية أخرى عليها ” الكورد ” مما دفعهم الى تشويه صورة الكورد لمصالحهم.
  • بقاء الكورد في المناطق الجبلية والوعرة وعدم اختلاطهم المباشر بالعالم الاسلامي وذلك محافظة على وجودهم القومي من جهة ولكسب معيشتهم من جهة اخرى جعل المؤرخين الاسلاميين ينظرون إليهم نظرة تمرد على السلطة.
  • تأثير الكيانات القبلية الكوردية وعدم وجود كيان سياسي موحد في المنطقة الكوردية ساهم بشكل وآخر في إضعاف محاولات البحث الجاد حول الأصل الكوردي وتعريفهم للآخرين.
  • تحويل اراضي كوردستان منذ العصور القديمة الى ساحة معارك بين الامبراطوريات القديمة كالفارسية واليونانية ومن ثم الفارسية والرومانية ومن ثم الاسلامية والفارسية والاسلامية والبيزنطية وأخيرا بين الدولة العثمانية والصفوية كل ذلك أدى الى إضعاف الجوانب الثقافية والاقتصادية وبالتالي أدى ذلك الى فقدان الكثير من المصادر والكتب التي فيها معلومات قيمة حول كوردستان مثل كتاب انساب الكُرد لابن قتيبة الدينوري.

 

بقلم: جوتيار تمر/ كوردستان

23-1-2017

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *