إنها البداية فحسب/ جوتيار تمر – واحة الفكر Mêrga raman

إنها البداية فحسب

اتسمت عملية الاستفتاء في كوردستان بالتصعيد السياسي والإعلامي بشكل ربما لم يحدث إلا حين تهاون حكام بغداد وسلمت الكثير من المدن العراقية لداعش، حيث كان التصعيد وقتها سياسياً وإعلامياً وذا وتيرة مستفزة على المستويين الشرق اوسطي والدولي، ومنذ تلك اللحظة بات الانسياق وراء الحرب ضد الارهاب إحدى أبرز معالم الحدث العالمي، وكأن الحدث قد أخذ كفايته سياسياً وإعلامياً بحيث أن حرب الارهاب على الرغم من كونه لم يزل قائماً وغير منهياً تحولت الأنظار إلى حدث آخر ليس فيه إرهاب، وليس فيه اعتداء، وليس فيه إراقة الدماء، وليس فيه تجار الدم والأسلحة والمخدرات والرقيق، ولاتوجد إعدامات في الساحات علناً، هذا الحدث الذي حول الأنظار من كل الدمار والدماء وتهديد الأمن والسلام العالمي وتلك الشعارات التي كنا نسمعها في بداية ظهور داعش، إلى الشعب الكوردي الذي قال للعالم دعونا فقط نذهب الى صناديق الاقتراع لندلي بأصواتنا حول مسألة إذا كنا نريد التحرر من قيود الحكومات القومجية والطائفية المتعاقبة أم لا.

لم يكن بحسبان أحد من دعاة الانسانية والتحرر أن العالم الذي يدعي بأنه يساند الشعوب المتطلعة للحرية بأن موقف هذه الدول سيتحول من محاربة الارهاب إلى محاربة شعب يريد الحرية، ذلك الموقف الذي كشف الغطاء عن حجم النفاق الذي يحملها تلك الحكومات تجاه الشعب الكوردي، هذا الشعب الذي أجبرته المعاهدات الدولية إلى الانصياع لمبدأ التجزأة والتقسيم ، هذه الأمة ، هذه القومية ، التي يعترف الجميع بأنها تتجاوز (45) مليون نسمة مشتتين بين دول كل واحدة منها أكثر كراهية وحقد على هذا الشعب، فطمس الهوية ومحاولة فرض امر الواقع وخرق كل القوانين والدساتير اذا ما تعلق الامر بهم كل هذا يحصل، ولم يزل يحصل، وتحت انظار تلك الدول التي تنادي بالقيم الانسانية والحرية وتحرر الشعوب المضطهدة، ولكن حين يتعلق الامر بالكورد فان الشأن داخلي، الامر يتعلق بالامن القومي لتلك الدول والامن القومي الاقليمي، والدولي، ناهيك عن ان مصطلح الوقت ليس بمناسب، محاربة داعش اولى، ترى لماذا حولتم احقادكم واسلحتكم باتجاه الكورد ولم تزل داعش تتبنى عمليات التفجير والتفخيخ داخل عواصمكم، الامر بلاشك ليس له علاقة بداعش ولا محاربته، فالكورد بجميع اجزائه شاركوا بقوة وفعالية كبيرة في محاربة داعش، واذا انتم تنكرون ذلك فالتاريخ سيشهد لهم بانهم كسروا شوكة داعش واسطورتها ببطولتهم وتضحياتهم، فالبيشمركة ووحدات حماية الشعب هما لحد اللحظة اكثر قوة برية استطاعت ان توقف مد داعش وتلحق بها الهزائم وتستعيد منها الاراضي دون ان ننكر الدعم الجوي للتحالف.. اذا فالمسالة ليست مسالة محاربة داعش، انما هي مسالة محاربة الكورد، وكأن الكورد هم سبب الدمار الذي الحق بالمنطقة كلها، بمعنى اخر كأن الكورد هم من سلموا الانبار والفلوجة وتكريت وصلاح الدين وبيجي وسبايكر وغيرها من المناطق في العراق الطائفي الى داعش، وفي سوريا كأن الكورد هم من سلموا الرقة وجميع الاراضي الاخرى التي لم تزل تحت سيطرة داعش ، بل كأن الكورد هم من ارسلوا الباصات المكيفة لحمل المئات من داعش مع عوائلهم وجلبهم الى حدود العراق داخل الاراضي السورية.

وكأن الكورد هم وحدهم سبب تفشي انتشار المخدارات والدعارة والارهاب والاعدامات والاضطرابات ورفض حكم الملالي في ايران، وكأن الكورد وحدهم هم السبب في تحول اردوغان من حاكم يدعي الديمقراطية الى دكتاتور ادى تسلطه على الشعب الى قيام انقلاب ضده – مع وجود اراء حول ان الامر مدبر من قبله ليقضي على المعارضة – ، ان هذا التحول الدولي ضد الكورد قد جعلنا نؤمن تماما بأنه لاصديق لنا سوى الجبال، وان البيشمركة وحدهم هم الحماة اما الباقون فانهم مجرد دمى تحركها مصالحها مع المنطقة، وليس مع الكورد، فحمياتهم لنا ليس الا لانهم يريدون توطيد اقدامهم في المنطقة ضمن صراع رباعي طويل الامد، بين امريكا وروسيا وتركيا وايران، هذا الصراع لايهم كيف يتم توثيقة وتثبيته في المنطقة، وبعبارة اخرى لايهم ان يتم الامر على جماجم الكورد وشعوب المنطقة طالما المصلحة ستتحقق، وهذا ما ظهر جلياً للكورد خلال الشهرين الماضيين، وكأن الكورد لم يعتبروا من التاريخ حيث دائما تخذل هذه الدول تطلعات هذا الشعب، ولكنه التوق للحرية دائما يعطي لهم الامل لعل ذات مرة يخرج انساني من بينهم ليمد لهم يد العون.

كشفت عملية الاستفتاء عن عورة العالم من حولنا، وكشفت الحقائق بان المصالح فوق المبادئ لاسيما تلك المبادئ التي تتعارض وتحقيق المصالح، ففي حين يذكر الجميع بطولة البيشمركة ووحدات الحماية بشقية نجدهم ما ان يتحدث الكوردي عن الحرية تتلكأ السنتهم وتبدأ حرب التصريحات، والتهديدات، والاجتماعات، والزيارات، وكأن الكوردي تحول من بطل يحارب داعش الى تهديد للامن العالمي، ان هذا التحول اجبر الكورد على اتخاذ موقف صارم لا ادعي بانه مستقل وليس هناك خلف الكواليس ما دعى الكورد لممارسة عملية الاستفتاء، لاننا نؤمن بكون المنظومة الدولية لم تزل فعالة وهي التي تدير الطاولة وليس حكام ولا شعوب المنطقة، ولكن ما حرك الامر باتجاه ربما اغضب الكثيرين وتسبب في اسراع تحقيق الاستفتاء هو الموقف اللاانساني من القوى العراقية المتباينة، لاسيما تصريحات بعض الساسة الذين هم في الاصل سبب دمار العراق وتحوله الى دولة طائفية بدون سيادة حقيقية، ناهيك عن القوى الاقليمية والدولية التي تدرك تماما بان عملية الاستفتاء ستكون في القريب العاجل معضلة حقيقية لهم وذلك لسياساتهم التعسقية تجاه الكورد، اما الموقف الدولي فانه مخزي بشكل جعل الكورد لايؤمنون بان هناك انسانية كما تدعيها تلك الدول,

عملية الكشف مستمرة ومواقف الدول تتباين الان، فالاستفتاء اجري وبنجاح ودون اية مشاكل وخروقات، ولعل نسبة المصوتين تربك حسابات اغلب تلك القوى، ولكن ما سيربك حسابات الرافضين للاستفتاء  واستقلال كوردستان هو هذه الجماهير التي خرجت طوال هذه الاسابيع تنادي بانشاء كيان كوردي مستقل هذه الجماهير التي لم تعد ترضى باي شكل من الاشكال الانصياع لاوامر بغداد، ولا العودة اليها، ستكون في المرحلة القادمة ورقة صعبة لايمكن خرقها، لاسيما ان الموقف الدولي من جهة والاقليمي من جهة اخرى ، والعراقي قد ساهم في تأجيج الصراع، فالجماهير الكوردية باتت مؤمنة بانها تريد ان تعيش بعيداً عن سلطات بغداد المنصاعة تماما لقرارات ايران، فضلاً عن  تركيا عدوة الامس هي الاخرى التي باتت تساندها، والغريب ان تصريحات قادة وساسة العراق تنادي بوحدة الاراضي العراقية، في حين نجد بأن الجنرال الايراني سليماني هو الذي يتجول بين الوية الجيش المسمى بالعراقي، وهو الذي يقود المعارك، فكأنه ليس في العراق كله شخص كفوء يمكنه قيادة الحرب ضد داعش فاستعانوا بسليماني كي يقوم بالامر.. ناهيك عن التصريحات والتهديدات التي تبثها قنوات الحقد لديهم، حتى تحول الامر الى رد فعل عنيف من قبل الجماهير الكوردية التي لو لا احترامها لقرار قيادتها بعدم التعرض للعرب لكانت ستحرق الارض من تحت اقدامهم لاسيما هولاء الذين لجأوا الى كوردستان بعدما داهم داعش اراضيهم وكانوا ولم يزال الكثيرين منهم تحت حماية البيشمركة، في حين ان قادتهم الان في بغداد يثيرون البغضاء والكراهية ويقررون باغلاق المنافذ وسد الطروقات على كوردستان، متناسين بان اكثر من مليونيين عربي سني متواجدين في كوردستان وان اعلاق المنافذ لن يركع الكورد، بل سيتسبب في اجاعة هولاء اولاً لانهم في الاصل محرومون من الذهاب الى بغداد.

ان اتباع سياسة التهديد اعتقد بانها باتت سياسة فاشية عديمة الجدوى، فصوت الشعوب هي الاقوى، انظروا الى كتالونيا الان فالحرب الشرسة التي تمارسها الدولة تجاههم لم تثنيهم لحظة، بالعكس ردة الفعل تصبح اقوى واكثر شراسة، كذا الامر مع الكورد، فردة الفعل قد لايتوقعها الكثيرون، ولكن حين يصدح برلماني كوردي  تركي داخل اروقة البرلمان بان اية حرب ضد جنوب كوردستان هي اعلان حرب على (40) مليون كوردي، وفي الشرق الكوردستاني تتعالى الاصوات والمظاهرات في سنه والكثير من المناطق الكوردية ضد حكام ايران وتهدد باشعال الحرب ضدها اذا انتهكت حقوق جنوب كوردستان ، وفي الغرب الكوردستاني تأتي التصريحات فور تهديد الجوار بغلق المنافذ بان منافذهم مفتوحة وانهم مستعدون بالدفاع عن جنوب كوردستان بالغالي والنفيس، فان هكذا ردة فعل ستربك الحسابات كثيراً، وستجعل من محاربة تجربة الاستفتاء اشبه بحرب داخل حرب اخرى، ولن تتوقف الاصوات الكوردية بالمطالبة بحقوقها تحت اية ضغوطات كانت.

ان الكورد مدركون تماماً بان عملية الاستفتاء ليست الا البداية التي من خلالها استطاعوا ان يقولوا بصوت صريح بانهم لايريدون العيش داخل دولة تسمى العراق، وان ولائهم كان ولم يزل وسيبقى لكوردستان فحسب، وهذا بحسب اعتقادي كان الغرض والهدف الاساس من الاستفتاء، لان الامور لم تحسم بعد وستحتاج الى قوة ودعم جماهيري كوردي عريض في جميع اجزاء كوردستان وجميع احرار العالم كي تتحول عملية الاستفتاء الى مراحل اخرى يبدو ان الصراع فيها سيكون محتدماً وقوياً ولاذعاً ، فلغة التهديد التي تتبناها دول الجوار واضحة المعالم وواضحة المقاصد، انهم يريدون ان يتكالبوا على الشعب الكوردي لارغامه للخضوع اليهم، وهذه اللغة التي لطالما سمعنا بان العالم الانساني الحر يندد بها ويجشب كل محاولة تعرض قوم او جماعة للتهديد والخطر، ولكن صمت هذا العالم سيكتبه التاريخ بانه وصمة عار اخرى فوق جبين القوى الدولية والمنادين بالانسانية كما وصمت جبينهم في مجزرة جلبجة وعمليات الانفال والهجرة المليونية.

 

 

بقلم: جوتيار تمر/ كوردستان

26/9/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *