أنا موافق/ محمود حسونة – واحة الفكر Mêrga raman

أنا موافق …

قصة قصيرة

 

استيقظ من نومه مبكرا، الضوء يرشح من النافذة، الصمت الشاسع يلف الفضاء، انسحب من فراشه الدافئ، وقف لصق النافذة، يستوعب المدى المسدود بجدار أزرق، رفع يديه أعاد ترتيب شعره.

السماء ترسل رذاذا متصلا على مهل، عبرت في زمن كاللسعات!

على شعرها ندى الرذاذ وقد تورد وجهها فرآه صافيا كالصحو!!

الحيوية تتدفق من جسدها الممتلئ، سحر كامن من فائض أنوثتها الظاهرة، إنها تحتفظ بتيار سري وقوي، شاكسته، غامزته بعينيها صراحة، لانت تقبضات وجهه!

ابتسامتها تطن في رأسه، الخواطر تتخلله كومضة وتنأى به إلى واقع قصي وسري؛ فيدب فيه خليط من اللذة والتمني، تحتضنه الأحلام المحمومة، فيشهق مزيدا من الهواء ويضحك بتوتر وعي غائم، عوّد نفسه على حبها، يراها من الزاوية التي تزيد من حبه لها وتعلقه بها، ليس من اليسير حبها ونسيانها، ليس ثمة ما يدعو للقلق والخوف، هناك متسع من الوقت، لكن الوقت قد يقصر ويضيق كحبل مشنقة.

بدأ الهدير … عبس على الفور، أخذ الغضب يلوك روحه، ضربه شعور لا يقاوم بأن هذا يحدث مرة واحدة في العمر، وأنه سيبقى معزولاً بمنأى عن كل عوالمها الصغيرة المدهشة، وأن الوحشة تسكنه، تسكن بيته حتى النهاية، فهو مفرد والناس أنساب تتناسل وتملأ الكون، ولسوف يبقى هو وحده في علبة مقفلة وتذهب هي …إنه الخاسر.

عاد إلى رسالته التي كتبها قبل فترة ضغطها على قلبه…. كلماتها يابسة شائخة ورغم ذلك تمنحه جرعات دفء، فكر…. وفكر، الاستطراد في التفكير جعله يطلق ضحكة مرة. … اللحظات مشحونة. …ظل مبهوتا …

يجب ألا يكون القرار مباغتا وعشوائيا، فالحياة حياته ليس من السهل حسم الأمر فالفشل يعني أن كل السياط ستنهال عليه وهذا يخيفه حتى الموت … كلما تقادم الوقت عاودته الوحدة تهرش خلاياه، يكظم صيحة من أعماقه، القرار كامن في نقطة غائرة فيه لم يبلغها بعد، التنافر يلتبسه، الشهقات تتصاعد … ثمة ما يوحي بالنقيض الذي يصدمه …

ذاكرته متماسكة بقوة حفظها ومقاومتها للنسيان وهي صحوة له بالمرصاد … يتحسس ذاته، ذاته كاملة … من منا ليس له ماض!

تجذرت صورة ماضيها في روحه وتمددت فيه سرا يخجل من إعلانه … نجح في التكتم طويلا، لكن لماذا لا ننزع أشواك الماضي من فراشنا؟! لماذا لا نستبدل الملاءة الملطخة بأخرى نظيفة ؟!

المبالغة في الحكمة تعني التنازل عنها وهذا أمر مخيف … العذر غير مقبول … لا مبرر… أطال التحديق في القرار… يعود إلى صورة وجهها القمحي الصغير كلما عنّ عليه القرار!

كان ينتظر بصبر صوتا يحدد خطواته التالية … أعاد التحديق في القرار، امتلأ به حدا لا رجعة فيه، أمسك القلم بسرعة خاطفة، كأنه ينقض على فريسة تكاد تفلت، يده ترتجف ضغط عليها بيده الأخرى حتى لا تنزلق الكلمات!

بزغت الكلمات من أعماقه المعتمة هادئة رتيبة … أكمل الرسالة: أنا موافق … فلنلتق … يومها استيقظ مبكراً، ونام مساء مبكرا.

 

 

بقلم: محمود حسونة (أبو فيصل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *