موت الغريب/ أحمد صبحي النبعوني – واحة الفكر Mêrga raman

موت الغريب

 

الموت حق وكل إنسان له زمان ومكان معين سيموت فيه، وللموت هيبة ووحشة، أما الإنسان المغترب فإنه يموت مرتين في حياته، المرة الأولى عندما يهاجر وطنه مجبراً لا رغبة منه، والمرة الثانية في حالة موته الطبيعية، والموت مصيبة وله وجع وفيه فزع وقد لا تكون مصيبة لمن رحل عن الدنيا، بل مصيبة لأهله وأحبابه وأصدقائه …

قال الله تعالى: ((فأصابتكم مصيبة الموت)).

لكن هناك فرق بين من يموت في وطنه ومن يموت في ديار الغربة!

حيث تجد حضور المعزين قليل القليل من الأصدقاء أو الجيران أما عندما يموت في وطنه فكل غريب وقريب يحضر ويشارك في تعزية أهل الفقيد ….

الذي يغادر الحياة في الغربة يموت بعيداً عن الشوارع التي احتضنته طفلا، عن الأصدقاء الذين شاركوه اللعب. …عن الأسواق والحارات والأزقة التي شهدت كل مراحل حياته.

هناك من يوصي بنقل جثمانه إلى أرض الوطن، بعد أن يكون قد أشبع الوطن وتراب الوطن والمقيمين في الوطن جميع أنواع السباب والشتائم وهناك من لا يوصي بشيء إنه يكتفي بالموت الهادئ والبارد الحزين، هذه هي الغربة وهذه أثمانها.

سيغادر الجثمان تلك الشقة وجدرانها التي عاصرت أحزانه وأشواقه ووحدته …. ولا أحد وراء الجنازة سوى صديق أو ربما صديقين بالمصادفة أو ربما لا أحد على الإطلاق سوى العمال البلدية الموكلين بالأمر، ثم يمض هذا الجسد إلى حفرة أو مكب للنفايات كأنه سلعة أنتهى مفعولها. لقد تجاوز حدود الاستعمال، هكذا هي الغربة تستنزف الروح وكل مشتقاتها.

الجسد الذي يولد ويشب في الأرض ثم يهاجر إلى أرض أخرى بعيدة يفقد كل مناعاته الفطرية ويصاب بأمراض الزرع الغريب عن تربته.

 

 

بقلم: أحمد صبحي النبعوني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *