محطات روائية – لن تستطيع قتل ميغريه!!../كريم السماوي – واحة الفكر Mêrga raman

محطات روائية – لن تستطيع قتل ميغريه!!..

تمكن الروائي البلجيكي المولد جورج سيمنون ( 1903 ـ 1989 ) والذي يكتب باللغة الفرنسية من كتابة 400 رواية وهو بعمر الستين، كما كتب مئة ألف قصة قصيرة. كان يكتب كل رواية في أحد عشر يوما من أحد عشر فصلا، حيث يعلن حالة الطوارئ في البيت، فلا زيارات ولا هواتف أو رسائل تفتح أو برقيات تقرأ خلال فترة الكتابة. كما يحضر الطبيب لفحص الكاتب والأسرة ويقول كلمته أن الجميع بخير. وبعدها يبدأ سيمنون بالكتابة بعد أن يحبس نفسه في غرفة خاصة به، وينطلق بالكتابة في الساعة السادسة صباحا بعد فنجان القهوة ويُلزم نفسه بكتابة فصل في كل يوم.

خلق سيمنون شخصية التحري الذكي الكوميسار جول ميغريه، والذي يحل ألغاز الجرائم الكبرى في رواياته العديدة. وهي شخصية خلق مثلها كتـّـاب كبار أمثال آرثر كونان دويل ( 1859 ـ 1930 ) الذي خلق شخصية التحري شارلوك هولمز، أو أجاثا كريستي ( 1891 ـ 1976 ) التي خلقت شخصية التحري هيركول بوارو، أو هنينغ مانكل ( 1948 ـ 2015 ) الذي خلق شخصية التحري كورت فالاندر. وهذه الشخصيات التي خلقها أكثر من كاتب مشهور ارتبطت ارتباطا وثيقا بشخصيات كتـّـابها، فجورج سيمنون مثلا كان يحيّى في الشارع بـ ” صباح الخير يا سيد ميغريه “. متناسين حتى اسمه الشخصي، ومن هنا لكم أن تتصوروا مدى تأثير هذه الشخصية التي خلقها الكاتب عليه. هذه الحالة جعلت سيمنون يفكر بالتخلص من ميغريه، والكتابة بعيدا عن هذه الشخصية التي خلقها، وصرّح بذلك إلى أكثر من شخص، فقالوا له:” لن تستطيع قتل ميغريه “. فتحداهم وأحيا حفلة خاصة لذلك، دعا لها مجموعة المهتمين والصحافيين لكي يُلزم نفسه أمامهم بقراره التخلص من ميغريه.

وبعد أن تخلص جورج سيمنون من شخصية الكوميسار جول ميغريه شعر بالحيرة، لم يصمد طويلا فأعاده إلى الوجود ثانية بعد أن أدرك أن هذه الشخصية أزلية. الفنان روبرت دافيس مثل شخصية جول ميغريه في السينما مرارا. أما جورج سيمنون نفسه وخلال حياته فقد أزاح الستار عن تمثال للتحري الكوميسار جول ميغريه الذي خلقه ليؤكد بذلك حياته الأزلية.

وعن نتاج وحياة جورج سيمنون نفسه، فقد بيع من كتبه أكثر من 500 مليون نسخة، وتـُـرجمت أعماله إلى أكثر من 50 لغة، وامتلك ثروة كبيرة، غير أنه وقبل عقد من وفاته تقريبا، وتحديدا في سنة 1978 انتحرت ابنته ماري بعد أن أطلقت الرصاص على صدرها، وعن أسباب انتحارها ذكرت في تسجيل صوتي أن والدها أحد أسباب انتحارها. هزته هذه الحادثة فاعتزل الناس والكتابة، وباع أملاكه واشترى منزلا صغيرا وبسيطا في مدينة لوزان، ورفض مقابلة الناس أو القيام بمقابلات صحافية حتى وفاته سنة 1989 عن عمر ستة وثمانون سنة، بينما عاش بعده الكوميسار جول ميغريه مخلـّـدا.

جريدة السماوة الدولية – العدد عشرون

بقلم: كريم السماوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *