هوامش…/ نبيهة علاّية – واحة الفكر Mêrga raman

هوامش….

 

حين التقيت البحر هذا السّبت، كنتُ مختلفة …. كنت كما لو أنّي صرتُ (…) ولم أكن.

كنتُ أكثر أناقة من ذي قبل…. كتلك الراهبة التي جعلت من قلبها ملجأ عطر، توزّع أنوثتها في قوارير باذخة الفوضى

لا تستوعب انتفاضتها، وتناست بدهاء الحبّ كلّ هذا، حتى أنّها صلبت حبيبها للعابرين، وأعطت موعداً مع عاشق لم تجد الوقت حتى ترسمه أو تترك له رقعة من عذريتها، حتى يعبث ويمارس أفلاطونية اللحظة مع مخيّلته، التي لم تهتم للتفاصيل التي تحبّذها فيها.

كنتُ من كثرة أناقتي شكّلتُ مرآتي بأسلوبي الساحر، الذي عادة ما يحوّل قرّائي سذّجا وابتلعهم دون عناء، كمن يرسم كوب ماء على ورقة ويشربه بشغف ولا يدري إن كان حقّا ذلك هو الماء أم فراغاً، يشدّ الكأس للورقة، ويفكّ مشاحنة الازدحام بين الفكرة وغريزة الشرب ويفتح متّسعاً العطش. شكّلت مرآتي وبدون مراعاة ذلك الانشقاق الدامي لأصابعي كأنّها تتصفّح إناء الطين الذي غرف منه الله، حتّى برمت تلك النّطفة في محبرة الرّحم؛ كنتُ لم أجد الوقت من كثرة أناقتي لأشاهد فرصة الاستنساخ الدموي.

كلّ هذا لم أجد له الوقت.

كنتُ بحبّ، هذا كلّ ما في الامر.

كنت مع موعد بَعيد كموعد الطّفولة قريب كموعد مع اللاّ نهاية.

أتصدّقين يا صديقتي أنّي كنتُ أنا كما التقيتني! …وأنا مع موعد مع حلم أعرف مسبّقا أنّه مشبوه، أكابر غباءه، لكن وجدتُني متلبّسة بي حيث لا أدري!

أتصدّقين …. أنّ الجنون ضمير الليل …. أتصدّقين!  …

هل لاحظت شيئاً كهذه الأناقة التي تتقاتل فيها الأفكار والخواطر لأكون شيئاً هامشيّاً يختلي به الليل ؟!

أتدرين أنّ الجنون شهوة الذاكرة …. يغريها بالانسكاب ؟!

أعرف أنّك لم تفهمي هذه المعادلة المازوشيّة، أعتقد ولن …. فقط رتّبي الطَرح أن تبقّى لك شيئاً من سؤالك ذاك،

لم يهزّ الجواب …فقط لأنّي كنتُ مختلفة …. ألم تلاحظي بعد أنّي لم أقل شيئا ؟!

حين التقيت البحر هذا السّبت، كنتُ مختلفة …كنتُ بكامل أناقتي، ارتديتُ ملابساً جديدة …. لم أفكّر أبداً ماذا سألبس،

لم أخض مطاحن الأسئلة، إن كنت سأرتاح مثلا بذلك الحذاء، وهل يقدر أن يحدّد مسافة ما …. فقط أدرك أنّي سأكون في ذلك المقهى

تلك الصخرة على البحر ومع ذلك لم أنتبه بأنّه مقهاي المفضّل ولم أفكّر أين سأكون بعد ذلك، فقط ارتديتُ ملابسي كأنّها كلّ ما أملك، بعدها بقيتُ أقلّب الوقت بتغيير تسريحة شعري …حيث كنتُ مختلفة …. بكامل أناقتي.

التقيت البحر …أو يخيّل لي ذلك …التقيت البحر بتجاهل …ربّما كان اهتمامي مشتّتاً في كلّ تفاصيلي.

حين التقيت البحر…. حتّى أنّي لم أتحسّس الهواء الذي عادة ما تبعث به مدينتي من بعيد على أكتاف الأمواج حتّى يعرق منها الملح، كنتُ قد غيّرتُ الطاولة وجاذبيّة الكرسيّ، نبت من ذلك الأزرق -كما لقنته لي مدينتي جرعات بالفطرة وصار ينساب من مخيّلتي نخباً -ذلك الأخضر، قد يكون هدوء أخضر، أو صفة على شكل أخضر، ربّما بحرًا على محكّ قهوة!

 

 

بقلم: نبيهة علاّية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *