صورة المعلم المرشد في لغة العشق… قراءة في نصّ “الحب أن…” للكاتب فراس حج محمد/ مادونا عسكر – واحة الفكر Mêrga raman

 صورة المعلم المرشد في لغة العشق

 قراءة في نصّ “الحب أن…” للكاتب فراس حج محمد

 

– النًصّ:

الحبّ أن

الحبّ أن تأكُليني كما ينبغي لامرأة أن تأكل قطعة خبزٍ طريّة بعد جوع طويلْ
واشربيني مثل كأس نبيذ في عشائنا الأول
ذاك العشاء الجديدْ
والبسيني مثل قطعة بحرية شفافة
واركبيني مثل موج ضارب للشاطئ
لا يملّ من التحدث في السّريرْ
واستعيديني كوعيٍ وجوديٍّ مثقلٍ بأفكار السلام بعد حرب عنيفةْ!
يا امرأة من كلّ شيء استقبليني
مثل ضوء ومركب نهرٍ في امتداد جموحك المستقيمْ

 

– القراءة:

في تقريب يسوعي ملائم بين الحالة المسيطرة في نصّ الشّاعر فراس حج محمد والنَّفَس الإنجيلي نجح الشّاعر في سكب صورة عهد جديد تجلّى فيها العشق بصورته الجديدة، أي المتسامي والخارج عن الزّمان والمكان. ويبدو للقارئ جليّاً ولوج الشّاعر في قلب الحقيقة العشقيّة متّخذاً دور المعلّم. (الحبّ أن…). وكأنّي به يتلو تعليماً جديداً خاصّاً يعبّر عن وهب الذّات الكلّيّة، تشير إليها الأفعال (تأكليني/ اشربيني) الّتي تخرج  عن إطار الغذاء الجسديّ لترتقي إلى مقام الهبة الكلّيّة للذّات.

(الحبّ/ الأكل/ قطعة خبز/ جوع طويل) مصطلحات تكشف عن رابط وثيق أساسيّ بين الحبّ والحياة الجديدة. الخبز رمز الحياة، به نستمر ونحيا جسديّاً، إلّا أنّه يتساوى في النّصّ مع الحبّ ما يمنحه تلك القيمة الحياتيّة الّتي تشير إلى هبة الذّات. وإن دلّ الجوع على أمر فهو يدلّ على إفراغ المحبوب من داخله حتّى يتاح للحبيب أن ينسكب بكلّه حتّى لا تبقى ذرّة كيانيّة واحدة خالية من الحبّ. يذكّرنا هذا الانسكاب/ الاتّحاد بقول الحلّاج:

يا كلّ كلّي يا سمعي ويا بصري يا جملتي وتباعيضي وأجزائي
يا كلّ كلّي وكلّ الكلّ ملتبس وكلّ كلّك ملبوس بمعنائي

في إشارة إلى امتزاج الحبيب بالمحبوب امتزاجاً كلّيّاً نهائيّاً. إلّا أنّ هذا الامتزاج مرّ باختبار حقيقيّ حتّى بلغ مقامه، وهو رحلة الجوع الطّويل، انتظار الحبّ/ الحياة. (الحبّ أن تأكُليني كما ينبغي لامرأة أن تأكل قطعة خبزٍ طريّة بعد جوع طويلْ). لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الشّاعر يعلّم أصول الحبّ الكوني مبشّراً به عبر المرأة الشّخص، (كما ينبغي لامرأة). فهو لا يخاطب أنثى بعينها وإنّما المرأة. ما يمنح النّصّ قيمة أرفع وأبهى ويعلي الشّاعر رتبة المعلّم والمرشد. ولا ريب أنّ دلالة النّبيذ تتّجه في ذات المنحى (واشربيني مثل كأس نبيذ في عشائنا الأول) لتؤكّد معنى الهبّة الذّاتيّة والاتّحاد الكيانيّ.

العشاء الأوّل هو العشاء الجديد، وكأنّي بالشّاعر ولج عهداً جديداً عشقيّاً، فهو العشاء الأوّل الجديد الّذي يأخذ بعداً سماويّاً علويّاً في سماء جديدة وأرض جديدة. فما بعد الاتّحاد العشقيّ أصبح كلّ شيء جديداً من جهة الرّؤية والممارسة. (والبسيني مثل قطعة بحرية شفافة)، كدعوة لخلع اللّباس القديم والاصطباغ بالجديد، كحالة ولادة عشقيّة جديدة تؤسّس لوعي وجوديّ جديد ولحياة أبديّة. (واستعيديني كوعيٍ وجوديٍّ مثقلٍ بأفكار السّلام بعد حرب عنيفةْ!). وما الحرب العنيفة إلّا دلالة اختبار الاحتراق العشقي في سبيل بلوغ مقام العشق العلويّ الكونيّ المستقيم الكامل:

يا امرأة من كلّ شيء استقبليني

مثل ضوء ومركب نهرٍ في امتداد جموحك المستقيمْ.

 

 

 

 

 

بقلم: مادونا عسكر/ لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *