الجرة / السيد الزرقاني – واحة الفكر Mêrga raman

الجرة

 

علي ضفاف النيل تبوح بكل مشاعرها في ثقة الخل لخليله ، تداعب بعض من همسات السكون في وداعة الأطفال وتدلل النساء  بين الرفيقات اللواتي يخرجن كل مساء لملء تلك الجرات الفخارية من نهر النيل ، هنا وقفت “فاطمة ” تحت شجرة التوت لتلقي نظرة عابرة علي الشط الآخر للنهر  في لحظة الغروب ، تذكرت تلك اليد الحانية وهي تسلم عليها في ليلة الوداع الأخير حيث سيسافر خطيبها إلى وحدته العسكرية في العريش  بشمال سيناء.

لم تملك من أمرها شيء غير ان تنظر في عينيه وتحاول تحقيق قدر من الإشباع البصري يصاحبه اشباع وجداني وهو مازال يمسك بيدها ويتأمل تلك الشفاه التي لم تتحرك ولو بحرف رغم انها قالت أحاديث كثيرة بنظرات عينيها الهامسة ونبضات قلبها الحانية ، تركها وخرج، وقلبها هائم حوله طائرا يحرسه من تلك المخاطر الشاردة على أرض سيناء من هؤلاء المتآمرين علي الوطن

سمعت صوته هامسا مع نسمات المساء هاتفا في أذنيها  ” أنا هنا أدافع  عنك وعن كل النساء  في وطني ، أنا هنا أموت عشقا في هذا الوطن لأنك إحدى حرائره ………”جاء صوت زميلتها من جوف المنحدر الترابي إلى سفح الشاطئ  تستغيث بها  لأن الماء قد جرف جرتها إلي الداخل ولم تعد  لها القدرة علي الإبحار في الماء لتأتي بها مرة أخرى   ، جرت فاطمة إلى أسفل المنحدر  تصرخ فيها لا تنزلي فقد قالت لي أمي ان تلك المنطقة مسكونة ب (جنية البحر ) والمساء دخل علينا ، لا تجازفي أو تغامري في النزول خلفها ، الجرة عائمة علي سطح الماء تروح وتغدوا مع حركات الماء المنحدر في جداول من الجنوب الي الشمال

وقفت هي وزميلتها علي الشط بين ضفاف الحيرة  ودخول المساء ، من بعيد بدي صوت قارب بوسط النهر يحاول راكبه التغلب علي دفع الماء في الاتجاه المعاكس  ، حاولت ان تنادي عليه  بصوت عالي بان يقترب  ، إلا ان رفيقتها جذبتها من جلبابها بألا  تنادي فهم لا يعرفون من هو ، ربما يسيء إليهما ، إلا أن فاطمة قررت بأن تنادي عليه في اصرار  ،اقترب أكثر إشارة إليه بأن يأتي بالجرة التي جرفها الموج بعيد  في غيم النهر ،

فجاء ناحية الجرة  فامسك بها  واقترب من منحدر البنات، كان قلب زميلتها يدق بسرعة امسكت بيد فاطمة التي دهشت من فعلها ، خرج إلى الشط شاب رديع  مؤدب في نظراته وكلام  أعطي لهما الجرة بعد ان ملئها بالماء  ورفعها عليها ولحقت بها فاطمة  التي لاحظت أنها لا تنطق بأي حرف صعدا إلى أعلى الشط وكان الارتباك  هو المسيطر عليهما ، سألتها فاطمة ما بك ؟

– لا شيء

– لا يبدو عليك أشياء وليس شيء واحد ما الخطب هل تعرفين هذا الشاب ؟

– لا ………..لا أعرفه وتلك هي المرة الأولي التي أراه فيها

– ما الداعي لهذا الارتباك الذي تجلي عليك ولمحه هو أيضا وقد بدي عليه وهو يرفع عليك الجرة

– أحدثك الصراحة يا صديقتي

– نعم احكي لي

– هذا الشاب لا أعرفه وتلك هي المرة الأولي التي التقي به …ولكن هو يشبه شاب يراود أحلامي كثيرا منذ زمن وكلما جئت إلى النهر، انظر إليه لعلي أي هذا الشاب الذي يلاحقني المنام والخلاء ويحدثني كثيرا عن حبه لي وسمعت منه أغرب كلمات الحب والعشق والغرام … تسحرني كلماته صوته رخيم عذب به شجن وحنين

 

كثيرا ما اخذني في الليل عبر هذا النيل الي الجنوب  لنري تلك الآلهة العاشقة في معابد الكرنك والشمس  كنا نلهو طوال الليل نبحث عن أسرار الحكايات ولا ننتهي إلا حين يجذبني من يدي ليضمني إليه فاصحوا من نومي ، ابحث عنه في واقع أيامي، أحاول استكمال النوم مرة أخرى كي ألحق به فلا استطيع،  انتظرا نوما آخر ،واليوم حين جرف الماء الجرة لم اتوقع تلك الإطلالة وتلك الملامح الآتية من عمق النهر إلى الشط،  أصابني الارتباك وأخذتني الحيرة ما بين الحلم والواقع كنت انتظر منه ان يأخذني إلى عالمه النهري في غياهب المعابد الفرعونية في الجنوب كنت انتظر ………كنت انتظر

تلك هي نواميس الحب العذري الذي يسكن قلب البنات في طقوس الحلم الوردي

– لا لقد عايشت كل الطقوس معه في رحلاته اليومية عبر النهر وشغاف البحث عن مكنون الحكايات ……….؟

– هل تصدقي بأني أيضا عايشت الحب منذ قليل وأنا أركن إلى جذع تلك التوتة وتذكرت حبيبي وهو يودعني عند سفره وأراه يحدثني في كل خلاءK خصوصاً عندما أحمل جرتي وأجيء معك إلى هنا كأنه يسكن في هذا المكان.

 

 

 

بقلم السيد الزرقاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *