أيهما أخبث السياسة أم الإنسان/ جوتيار تمر – واحة الفكر Mêrga raman

أيهما أخبث السياسة أم الإنسان؟

 

لن يختلف اثنان على مقولة ليس في السياسة الدولية عواطف بل عقول، ولا مجاملات بل مصالح، وليس في السياسة خصومة دائمة، ولا صداقة دائمة؛ فصديق اليوم قد يكون خصم الغد، وخصم الأمس قد يصبح صديق اليوم، هذه المقولة التي أصبحت من أهم ركائز الرؤية البشرية لمفهوم السياسة في أغلب أصقاع العالم الحالي بشطريه الشمالي والجنوبي، مع اختلافات في الصورية التي تتمثل بها السياسة من شطر إلى آخر، فبين التنافس السياسي الحزبي الفكري إلى آفق أضيق ضمن دائرة التنافس المغلف بالسياسي، وهو في الأصل التنافس الطبقي الديني المذهبي الطائفي القومي القبلي.

ولايجد المتتبع لمدلولات السياسة في الشطر المدني الديمقراطي الحزبي الفكري الساعي للوصول للسلطة أي صياغات تناقض شعاراتها المبنية على أساس الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية بالدرجة الأساس والتي يعتبر المس بها انتهاكاً صريحاً لكل الشرائع واللوائح والقوانين بالنسبة لهم، وهو ما يستدعي بالتالي الوقوف بوجه تلك الانتهاكات بكل الوسائل وشتى السبل حتى لو كانت تتطلب العبور فوق جماجم الآخرين فالأمن القومي لديهم فوق أي اعتبارات أخرى، وذلك ما يفرض عليهم اتباع بروتوكولات خاصة تحمي مصالحهم الأمنية والقومية والوطنية والمدنية على حساب اتفاقاتهم ومعاهداتهم مع الآخرين، مما يعني أن لا ثوابت سياسية تتعلق بالصداقات لديهم إذا ما مست ولو من بعيد الأمن القومي لديهم.. وهنا قد ينظر إلى تلك الرؤية بدونية من قبل الشعوب المستضعفة الساعية لبناء مجدها “إعلامياً”  على حساب اللاوفاء بالعهود والاتفاقيات من تلك الدول الأخرى، ولكن الحقيقة الواضحة هي أن الدول المستضعفة تعيش في وهم المجد الإعلامي فحسب والواقع يبرهن دائماً على خلوها من أي مقومات يمكن الاستناد عليها والاعتراف بوجودها كدولة تستحق الاحترام سواء من الداخل أو الخارج، وبعبارة أخرى سواء الشمال أو الجنوب، فالمنطق هو الذي يفرض نفسه دائما والمصلحة الوطنية هي التي تعطي الثبات لدى الغير ، أما لدى هؤلاء فالثبات يكون في الإبقاء على الكرسي مصوناً ومحفوظاً من أي هزات وتغيرات.

على ذلك الأساس تأتي الرؤية الثانية النابعة من السياسة الطبقية والدينية والمذهبية والطائفية والقبلية وفق معطيات تنتمي إلى الوهم الشعاراتي المبني على أسس البيان والبلاغة والصراخ والتحريض وإثارة العواطف الدينية والمذهبية وحتى القومية المكسوة بالرداء القبلي، فالبعض من هذه الدول تدَّعي كونها دول ديمقراطية وتستشهد بأحزابها التي وفق رؤيتها تتنافس على ضوء البرامج البناءة وخلفية الخطابات السياسية “بتصويرها الإعلامي القومي القبلي”  والخطابات التوجيهية النيرة” بردائها المذهبي” والرؤى الاستشرافية ” بكسوتها الدينية القومية ” الظاهرة المعالم المحبكة التفاصيل، بحيث تجيش العواطف وتصعق القلوب وتفطرها فتخرج الجموع من اوكارها الى الشوارع ثائرة هائجة تحرق وتسرق وتنهب باسم الثأر والمقاومة والحرية والى غير ذلك من التداعيات التي لا تثبت غير الانتكاسة النفسية وانعدام الثقة وغياب الوعي السياسي الحقيقي المبني  للحفاظ على الثوابت المتعلقة بالأمن القومي والوطني، وإمكانية الاستحداث في السياقات الأخرى التي لا تمس المصلحة الأساس، فتأتي شعارات هذه الدول على أسس واهنة ضمن تصوير عنكبوتي شائك، في الإعلام يصرخون بالضد، وتحت الطاولة يوطدون الأواصر التي تدعم بقائهم على الكراسي السلطوية دون الالتفات الى المعيات الأخرى التي يمكن أن تغير معالم الموجود الواهن والواقع المرفوض إجمالاً، فتأتي كل التحركات مناقضة للمفاهيم التي يمكن اعتمادها كوسيلة للمطالبة بالحقوق او حتى كسبها، فتخرج عن دوائر الرصد العالمي الدولي لتصبح مجرد حركات عابثة غوغائية في انطلاقتها وتصوراتها وعقائدها وأفعالها والنتائج تكون في الغالب كارثية على الجميع دون استثناء.

ولايمكن إرجاع الهزائم المتكررة لهذه الشعوب إلا إلى المنظومة اللاواعية التي تنطلق منها مطالبة بحقوق ربما هي ضمن دوائر المصالح السياسية الدولية لاتخدم ثوابتها، لكونهم يدركون تماماً بأن تداول الأنظمة وفق معايير هذه الدول الساعية للتغيير سواء الدينية المذهبية والطائفية أو القومية القبلية لا يمكن الاعتماد عليها، لكونه عاجلاً أم آجلاً ستتحرك النعرات وبحسب الظروف ما تسمح به الظروف في السياقات الدينية والقبلية التي ستدفعها إلى الواجهة والصدارة، معتمدة على القدرة التأويلية الموروثة من العقلية الغاباتية ” منطق القوة” المبنية على أسس الحمية التي تتشكل منها معالم الوجود السياسي الفعلي والتي أيضاً تأخذ زمام الأمور من الوهلة الأولى  مع الإحساس الجديد بالمكانة المكتسبة و من خلال خلاياها لتضع معالم وجودها السلطوي السياسي  وفق منطقها  الخاص “القبلي الجهوي التحالفي” حتى تؤول اليها السلطة المطلقة.

 

وكل هذا ما يفرض علينا البحث في العينات الاستدلالية والواقعية لمفعولية مفهوم خبث السياسة والنظر في الترافقيات التي تجعل الإنسان يُقّر بخبث السياسة مع العلم ان الإنسان نفسه هو الذي يمنطق المفهوم أساساً ويخلق المسار ويفتح أمام المدلول بالتحول وتقبل المتغيرات والمتحولات على جميع الأصعدة سواء تلك التي تخدم مساعيه لفرض وجوده أو لتحقيق غاياته وحاجاته ورغباته، فتأتي الرؤى بعد ذلك منطلقة من صميمه الواعي بالواقع لترسم ملامح السياسة التي يريد ان يتبناها ومن نفس المصدر نراه يطلق على السياسة التي لا تتطابق وحاجاته وسعيه بالخبث، وليس من شك لدى أحد بأن مهنة السياسة تتفرد على توفير أدلة براءة المتهم وتجريمه في آن واحد كما يقول “المامون حساين” لعدم إيمانها بصداقات ولا عداوات دائمة ولا تمنح الأصدقاء ثقتها وتتربص بالأعداء وتفرض قيمها الأخلاقية على ممتهنيها وتجردهم من أخلاقهم الاجتماعية، وتشترط إتقان أساليب الخداع، والمراوغة، والكذب، والغدر، والشك لاحتراف العمل السياسي يقول مكيافلي”على الأمير أن يتصرف كالحيوان عليه أن يقلد الثعلب والأسد في نفس الآن”.
بدليل ازدواجية أخلاق السياسي فمن جهة يوحي التزامه بقيم المجتمع الأخلاقية ومن جهة أخرى سلوكه يعكس قيم السياسة الأخلاقية، ففي الأولى يكسب ولاء المغفلين والسذج وفي الثانية يخدع أقرانه السياسيين لتحقيق أهدافه الخفية…

ومن هنا تأتي الاستدلالات الاجمالية التي يمكن الاعتماد عليها كوجهة نظر خارجة على السياقات السبقية التي فرضها المصطلح ضمن دوائر الواقع العياني من حيث التنظير الفعلي والفرضي، ويمكن اعتبار ان أساس الخبث هو البشر ” الإنساني ” الذي تجبره رغباته وحاجاته ورغباته وميوله وطموحاته على اتباع نهج يفترض انه ضمن السياق الاصطلاحي ” سياسته” لتحقيق تلك الحاجات والرغبات، ومن تلك الوهلة تبدأ المصاغات البلاغية برصد نوعية الحراك ونوعية الوسائل المتبعة والوجهة الأساسية لها لتطلق عليها ما يناسبها، ولكون الوقائع تاريخياً قديماً وحاضراً ومعاصراً لاتشير سوى الى المتغيرات التي لاثوابت  لها ضمن هذا المسار الرغبوي الحاجاتي الانساني فان المصوغة الاكثر انتشارا عن السياسة اصبحت الخبث، وفي الاصل ان الخبث هو الاساس الذي اعتمده الانسان الأول للسعي لتحقيق رغباته وحاجاته حتى وصل به الأمر الى استخدام أبشع الوسائل لإزاحة المنافس.

 

 

 

 

 

بقلم: جوتيار تمر/ كوردستان

24-12-2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *