الكاتب الفلسطيني أنور الزبن: القصيدة أعتبرها قدر الشاعر وهي ابنته لأنها وليدة أفكاره – واحة الفكر Mêrga raman

الكاتب الفلسطيني أنور الزبن: القصيدة أعتبرها قدر الشاعر وهي ابنته لأنها وليدة أفكاره 

 

حوار مع الكاتب الفلسطيني أنور الزبن/ عائشة كمون

 

لا يضل طريقه نحو الينابيع ارتواءً للمجهول واللايقين، وخصوبة ضد المحو والنسيان المكثف.

الشاعر الكبير والناقد الأدبي الفلسطيني أنور الزبن شاعر عرف بالمفردة الجزلة والبيت القوي والحضور الملفت …

اكتسح الساحة الشعريّة والفنيّة … كيف لا وهو يملك موهبة فذة في انتقاء الكلمات …

لا هدنة مع الحوار …بامتلاكه قوّة المفردة يرسم صورا مميزة في كتاباته وفي موضوعاته أتقن أدواته بمهارة عالية، جسد ذاته.

وبالمناسبة، كان لنا معه هذا الحوار:

 

حاورته: عائشة كمونإعلامية وشاعرة تونسية

 

في البداية حبذا لو تعطي قراءنا نبذة عن سيرتك الذاتية، وتُطْلعهم على نشاطك وإنتاجك؟

أنا من قرية المزرعة الشرقية قضاء رام الله فلسطين متزوج وعندي اثنا عشر ولد وبنت منهم خمسة أبناء وسبع بنات.

كل أبنائي وبناتي متزوجين وعندي ستين حفيد وعمري سبع وستين عاماً.

درست للصف الثاني عشر ثم خرجت من المدرسة كي أعيل أمي واخواتي مع إني كنت مجتهد في مدرستي ودروسي.

كتبت الشعر وأنا ابن ثلاثة عشرة عاماً وكنت في الصف السادس الابتداءي وفي عام ١٩٨٠م التقيت مع أستاذ وشاعر بالصدفة في رحلة على بحيرة طبريا كما علمني كل أنواع الشعر وأسلوب المخاطبة وهو الأستاذ محمود مصلح جزاه الله كل خير حتى أصبحت اعتمد على نفسي في الكتابة.

ثم ابتدأت اكتب الشعر وأنشر في جرائد ومجلات الوطن في فلسطين ومن الجرائد والمجلات التي كنت أنشر فيها مجلة العودة والبيادر السياسي والبيادر الثقافي وجريدة الحياة وجريدة الفجر وجريدة القدس.

كما ظهرت كتاباتي في الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧م وكنت من شعراء المقاومة واكتب الشعر الوطني المناسب للمرحلة في ثورة الشعب

ثم اعتقلت في سجن النقب الصحراوي لمدة ستة شهور إداري وهناك كنت اكتب للمعتقلين وأسرهم وذويهم رسائل بالشعر وكانت في السجن كل يوم الأثنين لي ندوة شعرية يجتمع المعتقلين في خيمتين وألقي عليهم مجموعة من قصائدي فأطلق علي المعتقلون اسم “شاعر النقب”

ترأست عدة منتديات أدبية منها همسة سماء الثقافة والمنتدى الثقافي الفلسطيني الوطني والملتقى الثقافي الفلسطيني والآن رئيس مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب فرع فلسطين.

لي نشاطات داخل الوطن كثيرة وقمت بها مع شعراء من مجموعتي الثقافية كما قمت ولا أزال أشارك وأعمل أمسيات ومهرجانات شعرية في كل محافظات فلسطين.

لدي ما يزيد عن سبعمائة قصيدة مطبوعة ولكن لم أطبع دواوين لحد الآن لعدم قناعتي في جدوى القراءة لأن الشعوب أصبحت غير قارئة في ظهور النت ….  وأنا الآن أحضر لطباعة أكثر من ديوان بإذن الله.

علمت ولا زلت أعلم الشعر للعشرات على مستوى الوطن العربي بأسلوب بسيط يعتمد على السماع وصحة النطق عبر الفيس بوك ومنهم الكثير أفتخر بأن أصبحوا شعراء.

 

كيف ترى تساوق الشعر الفلسطيني خصوصاً والعربي عموماً مع حراك الانتفاضة وتفجّرها؟

قلت أني عاصرت تلك المرحلة وعشتها وكتبت فيها وكنت ألقي قصائدي أما الحشودات والجماهير الفلسطينية واعتقلت مرات بسببها…كما كتبت عن حالة بعض الشعوب العربية ووصف الربيع العربي المدمر …

كتبت عن سوريا والعراق وفلسطين وتونس واليمن.

 

في ظل الخراب الذي يعم العالم، هل ما زالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها؟

لا أبداً ولا تحترم القصيدة ولا الشاعر لبعد الناس عن اللغة واتباع الشهوات والمصالح وحب المال وعدم وجود فراغ أو وقت للمشاركة أو الاستماع ولهذا نرى أن الشعر الجاهلي لا زال يذكر وكتبوه بماء الذهب وعلقوه في الكعبة لاهتمامهم بالشعر والشاعر… كما أن شعر الشاعر كان ينقل على لسان الناس في المدح والهجاء وكان يرفع أقوام ويخفض أقوام.

 

درجة الوعي عند الشاعر بخطورة الانتساب بصدق للقصيدة، يجعله يتهيب للسفر في مجهولها، كيف يستطيع الشاعر أن يتّق شراسة المصافحة الأولى مع النص لحظة الكتابة؟

هذا كلام لا ينسجم مع واقع الكثير من الشعراء لأن الشعر يأتي فجأة وسريع النسيان وقد يقول الشاعر الشعر في وصف حالته أو حالة غيره وقد يكتب الشاعر بعض قصائده ويحبها كمعشوقة ويكبر معها ويفتخر بها ويكثر من إعادتها في المناسبات وبعض القصائد يشعر أنها ليست وليدة أفكاره وكلما قرأها يستغرب كيف خطرت الفكرة بباله فالقصيدة اعتبرها قدر الشاعر وهي ابنته لأنها وليدة أفكاره وليست بالضرورة أن تمثل شخصيته أو واقعه.

 

لو طلب منك أن تكون ثنائي مع شاعر ة أو شاعر فمن هو الذي تختاره؟

شاركت في الكثير من الندوات والأمسيات ولا مرة كنت أنا من أختار إلا الأمسية التي أعملها فأختار المجموعة التي أريدها.

حسب معرفتي بقدرتهم ولكن لو طلب مني أن أكون في تونس مثلاً لن أختار سوى عائشة كمون بكل صراحة وفي أي دولة أقربهم على قلبي.

 

ولو طلبنا من شاعرنا التصنيف تصاعدياً لخمسة شعراء من الذين لهم صوله وجوله في الساحة فمن يكونون مع ذكر وجهة نظره التي اعتمد عليها فالتصنيف؟ وكذلك خمسة شعراء من الشباب حديثين الظهور؟

هذا سؤال محرج لكن أنا أحب الشعر الجاهلي وأصحاب المعلقات ثم مظفر النواب وعمر الفرا وأحمد شوقي وإبراهيم طوقان ومحمود درويش. ومن الشباب بدون مجاملة عائشة كمون لميس الهبل سامي إدريس عبد العزيز بشارات وحسين عنين.

 

ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك سريعًا عند لقائك بها في مُنحدر اللغة؛ باب الطفولة، باب الحنين، باب الحب، باب النسيان، باب المرأة، باب المكان، باب الأم، باب الدهشة، باب الذكرى، باب الوجع، باب الأمل… وللشاعر في أبوابه أسرار وألغاز؟

كل هذه الأبواب دخلتها وكتبت فيها فهي تمثل حياة الشاعر لأنها تعبر عن واقع ووضوح رؤيا وفطرة خلق فيها الإنسان فهي ضرورية وتسعد القلب وتفرج الهم في كثير من الأحيان ومعبرة في البعض منها عن مدى شعوره ومشاركته للأخرين والاهتمام بهم.

 

الكتابة الشعرية انخراط عنيف في الإنصات لعوالم الداخل المشبعة بالجرح والحلم، تعرية لتضاعيف الذاكرة بِشعلة القصيدة، هل تؤمن بأن الشعر قادر على تغيير العالم إلى ما هو أنقى وأصفى في ظل السلم والسلام بعيدًا عن الحروب وقتل الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال؟

قالوا الكلمة تعمل كالرصاصة وأقول الثقافة هي الوجه الحقيقي للشعوب فيعرف الشعب بمستوى ثقافته والشاعر هو طليعة المثقفين والمحرك للشعوب وهو من يجهز لانطلاق الرصاصة ودعمها والثقافة هي من تصنع السلام الحقيقي بين الشعوب والثقافة هي التي تقف في وجه كل قاتل وتمنعه من ممارسة أسلوب التطرف العقائدي أو الدولي أو الحزبي أو القبلي العشائري بمعنى القلب الذي يحتوي الشعر ويتحسس بمشاعر الشاعر هو الذي يأبى القتل والإهانة والتجريح.

 

 إلى متى ستظل تنثر إبداعاً بعيد عن الضوء؟

لا أدري لسنوات أو شهور حسب توفيق الله لي وأنا من طبعي العمل بصمت بعيداً عن الأضواء حتى أخجل عندما يدعوني عريف الحفل بمهرجانات كبيرة وبكلمات ترحيبية بشاعر النقب والمدح.

 

  ترجمة الشعر، هل هي خيانة أنيقة للنص الأصلي، أم ترويض اللغة بدُربة المترجم(ة) للبحث عن ضيافة متخيل آخر يُغني حركية الإبداع الإنساني، ويفتح آفاق اشتغاله على كينونة لغة بلا حدود ولا تُخوم تستهدي بنور البصرَ والبَصيرة تمنحها الذاكرة لروح الكلمات والنصوص؟

لا أظن أن السؤال بهذه الطريقة يفي بالغرض المطلوب فلقد استمعت لشعراء كتبوا بلغات عدة فكان شعرهم ممتاز وهو ليس تحريف ولا محاربة للغة لأن لكل لغة شعرائها وفنها وجمال تركيبتها الموسيقية وأما الترجمة تعتمد على فهم الشاعر للغة والشعر وهو يضع جهده وطاقته ولا يعتبر محرفًا إلا إذا خان الأمانة

 

رسائل الشعراء والمبدعين فيما بينهم كنز عظيم، وتراث إنساني عميق، لماذا تغيب عنا أدبيات جمع الرسائل ونشرها على غرار رسائل محمود درويش مع سميح القاسم، جبران خليل جبران مع ماري هاسكل، أو مي زيادة، غادة السمان مع غسان كنفاني، فرناندوا بيسوا مع حبيبته أوفيليا الخ…؟

لا أخفي عليك أن كان لي مساجلات شعرية مع الكثير من الشعراء والشاعرات ومنهم من استمرت لسنين طويلة وكانت كرسائل بيننا فيها الشعر واللغة وتبادل المشاعر ووصف الحالات الاجتماعية والسياسة في البلدين والعالم العربي ولا زلنا نحن لتلك الذكريات كلما تراسلنا… لكن العادات والتقاليد تحول بيننا وبين نشرها.

 

أين أنت من الساحة الإعلامية؟

الإعلاميون منشغلون في السياسة، كل كاميرات العالم تنتظر طفل يلقي حجر لتجعل خبرها في أول إعلان وأول الصفحات… لكن في عدة مهرجانات وأمسيات نطلب التغطية الإعلامية ولا أحد يأتي.

 

لكل شاعر مرجعياته التخيلية والجمالية لبناء عالمه الإبداعي، ما هي ينابيع ومجاري أنهارك الشعرية لتأسيس قصيدتك؟

أحببت شعر مظفر النواب كونه يصف الحالة السياسة للحكام وعمر الفرا في شعره العامي … كما أحببت شعر أبي النواس لجرأته في الغزل وتبقى روافد شعري من كتاب الله وأمزج بين الشعر الجاهلي والشعر الحديث في الكلمة والصورة الشعرية في المدح والرثاء والوصف والغزل.

 

كيف تصف لنا المشهد والحراك الثقافي عند مثقفي ومبدعي عرب؟

لحد الآن خجول شيء ما على كافة الأصعدة فلا يلبي طلب الشعوب والجماهير كمن سبقوهم مع إنه يوجد شعراء كما قلت أفضل بكثير ممن سبقوهم.

 

ماذا عن قراءاتك الآن؟

أقول لقد كنت في الثمانيات والتسعينات قارئ ومستمع جيد … كنت أقرأ ما يزيد عن ثماني ساعات يومياً وكنت الخص معظمها كتابة وأحفظ منها غيباً وقرأت ما يزيد عن ٥٠٠ كتاب في شتى المجالات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية وكنت أستمع لأشرطة التسجيل والمحاضرين في شتى المجالات والعلوم ولا أبالغ إذا قلت إني اشتريت ما يزيد عن ٢٠٠ شريط وفيديو وسمعتها وشاهدتها.

 

 

شاعر تتوقع له مستقبل مزهر في الشعر؟

هم كثر ولكن كما قلت لك سابقاً عائشة إن لديك صورة شعرية ومصطلحات لغوية راقية جداً لا توجد عند الكثير من الشعراء وأنت أول من أتوقع لها مستقبلاً مزهراً ولا أبالغ إذ أقول أنت أصبحت من شهور وإلى الأمام نحو الصعود إلى القمة مع قامات شعراء تونس.
ماذا عن جديدك الإبداعي؟

أحضر لعمل مركز لمجموعتي الشعراء خاص بي مع إنه الآن تحت تصرفي مجموعة من المراكز وتقديم الضيافة وتجهيز المكان من مقاعد وصوتيات وضيافة وأهمها المورد وبيت الإبداع في رام الله.

 

كلمه أخيره توجهها للشعراء والإعلاميين؟

أقول للشعراء لا تكونوا أنانيين في تعاملكم ومدوا أياديكم لكل من يطلب المساعدة واحترموا مواقفكم الشعبية والوطنية وليكن لكم دور المبدع وصاحب الكلمة الحرة الجريئة واحترموا من هم أكبر منكم سناً وعلماً باللغة والشعر ولا تستهينوا أو تستهزئوا بأحد لتكونوا سبباً في قتل موهبة…. وتحطيم نفسية إنسان أو إنسانة كانت تحلم يوماً أن تقف بجانبكم على المنبر.

 

حاورته: عائشة كمون-إعلامية وشاعرة تونسية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *