مصلوب بلا صليب للشاعر عصمت شاهين دوسكي/ عدنان ريكاني – واحة الفكر Mêrga raman
عدنان ريكاني

مصلوب بلا صليب للشاعر عصمت شاهين دوسكي/ الأديب عدنان ريكاني

 

يا جيل الهوى ..
أنها صرخة سرمدية يستمد أغوار الكون السحيق صداه من عيون هابيل بنظرة الدهشة و الذهول في حصد روحه من أقرب الأقرباء له .. فكيف بنا بين هذه الوحوش الضارية .. وكيف لا يجسد الذهول في ثنايا أرواحنا قبل أجسادنا …
يا جيل الهوى …
نص وجداني يبدئ الشاعر بمقاطع التسقط والتفعيل في اللغة قبل الاستمالة إلى مواضع الألم فيجود باللغة كصياد محترف ويغمز بسنارته وسط بحور الاشتقاق الفعلي وكأن لسان حال الشاعر يقول سوف نقطع الآلام أربا، أربا ونحوله للماضي القريب والبعيد ثم نحوله للمستقبل أيضا ليكون لنا فيه حض بصيغة المبالغة لأنهاك الروح بقدر القتل والصلب المتفشي بين سطور الأضلاع المتقدة وكأنها جمرة لا تريد أن تنطفئ وتظل تعيد الكرة تلو الكرة.

يراوغ الشاعر بحرف الاستدراك ويستعين به كرصاصة الرحمة على جثة القتيل وفق حيثيات المعهودة بترك ملفات الجريمة مفتوحة دون رادع ولا حسيب ليكمل القضية على ذمة قاتل مجهول الهوية ..
ثم يبين الشاعر مدى قدرته على التحول من الجنس المرئي و المادي إلى عالم آخر بعيد عن تسليط ضوء العيون والمرئيات و الدخول إلى عالم الميتافيزيقي و ما وراء الطبيعة، ليكون له جولة حادة النظر بين أطراف العقول الغريبة والقيمة البعيدة عن الوصف الحقيقي، ليكون جناً من جن الكئابة وهذا عروج قلما يعول عليه الشعراء في أوصافهم ألا من كان ذو دراية وفهم عميق في كيفية نظم الشعر و الأسطورة الشعرية الخلاقة..

صلب، يصلب، صلباً
لكن، مصلوب بلا صليب
قتل، يقتل، قتلاً
لكن، مقتول بلا حسيب
فعل، يفعل، فعلاً
من فعل هذا بلا رقيب؟ **********
أكتب عن الحب والهوى
قالوا: جن من جن كئيب
أكتب عن نساء العالم
قالوا: عاشق بلا حد رهيب
أكتب عن الوطن والسلام
قالوا: عن الوطن غريب
عجب نبض القلب عجبا
ما بال لا يحتمل الإبداع ، عجيب ؟
إذا بصمت أسمع صرير القلم
هؤلاء لا يقرؤون من بعيد وقريب
يصلبون، يقتلون، يفعلون
لكن أمام الكلمة نحيب ونحيب
***********

أما الجولة التي يتسلق فيها الشاعر مفازات الروح الإنسانية و يجعلها عالمه الخاص النادر و نستطيع القول بأنه العالم المفقود و الذي نبحث عنه بين طيات النسيان و الفكر البشري ألا وهو تضاد الأفكار بين الروح و الجسد، الصراع الأزلي الذي لا يغتفر بين الروح والمادة خط التساوي يتسابقان و يلتقيان أبداً، فيضفه الشاعر بـ (( يا جيل الانكسار و الهزيمة و العار )) ويدلي بالأسئلة التي تنتظر الأجوبة منذ عصور خلت و كأنها لا ترنو لحياة اليأس فقط بل تتعدى إلى مفاصل اللا شيء و اللاوعي المحدود بالالتزام فقط بالقشور المادية و ترك الحياة الأبدية السرمدية في مهب الريح و التوغل في أغوار السحت و بناء الجسد الذي هو المادة على حساب الروح فيختمها بصرخة من أعماقه (( أه .. آآآآآآآه )) يا جيل الانكسار وكأنه الخسران المبين ..

يا جيل الانكسار والهزيمة والعار
من يمح العار
ويزحزح صخرة الانهيار ؟
من ينزع قشرة المظاهر
من يفتح زهرة في القفار ؟
من يغسل أثر السحت الحرام
من يغسل جوف الآثار ؟
من يجبر جسور الروح
من يضيء قناديل الأنوار ؟
آه وآه ,,, يا جيل الانكسار
والهزيمة والعار
*********

ثم يستوحي الشاعر بمفردات الوصف وليختزل حركة الكون عند منعطفات الحياة التي لا روح فيها بل متشبثة في الفوضى الخلاقة المتعبة للروح والفكر البشري والمهزومة سلفاً، وليس هنالك من يدفع ثمن هذه الأخطاء سوى أرواح بريئة طالما كانت تغني للبشرية جمعاء دون تمييز عنصري مفتوحة الذراعين لاستقبال المنكوبين في أرجاء البسيطة وهم ينسلون ..

فيؤكد الشاعر مرة أخرى بزوال هذه النظرية العرجاء التي تريد الوقوف على ساق واحد، فيصرخ ((يا جيل الفوضى والهوى والتماثيل ستهوي عروشك وأحلامك))، ليبدأ فلسفة من جديد ويدري الحوار بأسلوب آخر، ألا وهو الالتباس في أول من صمم وأصر على أحياء صفة القتل وبعثه للحياة، ليعد سؤالا نفكر فيه ملياً ونقرأه جيداً ونبحث عن أروقته المعتمة في بقعة ضوء أو من نافذة الوجد ونحلل فيها الغايات التي تبرر الوسيلة، مَنْ قتل مَنْ؟ ومَنْ سلب الحياة مِن الآخر، هل خلقت الأخوة للتنكيل والقتل والسلب والنهب والدمار بأسماء ومسميات كثيرة ما خلق الله لها من سلطان، اترك السؤال مفتوحاً كما فعل الشاعر هنا وجعله مفتوحة للبصر والرؤيا الحقيقية للتأمل.

يا جيل الفوضى والهوى والتماثيل
ستهوي عروشك، أحلامك
من كذب وخداع وأباطيل
يصبح الباطل زاهيا
ويصبح الحق منديل
تسقط عبراتك على رؤوس
كأوراق الخريف الجزيل
أختزل الأمر في عينيك
قابيل قتل هابيل
أم هابيل قتل قابيل؟

 

بقلم: عدنان الريكاني

 

*************************

القصيدة من / مجلة جامعة شعراء الأبجدية الثقافية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *