التداعات المابعدية/ جوتيار تمر – واحة الفكر Mêrga raman

التداعات المابعدية

تمر كوردستان الآن بوقت عصيب ضمن امتداد تاريخي للمراحل السابقة التي أوجبت عليها أن تعيش ضمن جغرافيات لاتنتمي إليها، وبعض تلك الجغرافيات نفسها تكاد لاتنتمي إلا إلى عنصريتها القومية والمذهبية والدينية من جهة، وإلى أحقادها التاريخية المستمدة من شخصيتها المتزعزعة غير المستقرة من جهة أخرى، ولم تعد الأحداث التي تعصف بكوردستان تأخذ منحى تحليلي واضح، فكلما وصلت إلى مرحلة ظن الكورد بأنها تبشر بالخير لهم ولوطنهم المسلوب والمجزء، ضربها عاصفة هوجاء تحمل وسماً وشعاراً مصلحوياً واضحاً من قبل الدول المسيرة للمنظومة العالمية، والدول الخاضعة لتلك المنظومة، وبذلك يتراجع السعي الكوردي ليدخل مرحلة سبات أخرى أو مرحلة يأس وانعدام ثقة، وبالتالي تنحصر الأماني بالمقولات والمدونات الوقتية التي تحاول بشتى الوسائل بث روح الصمود في أبناء الشعب الكوردي.

ولايخفى على أحد مدى الحرص من دول الجوار على إبقاء كوردستان مقسمة مجزءة بلا أمل وبلا منافذ حيوية للمضي قدماً، وكما لايخفى على أحد اتباع هذه الدول كل الوسائل للإبقاء على كوردستان خاضعة لسلطلاتهم القومية العصبية والمذهبية ناهيك عن استخدامهم كل الوسائل الممكنة للتفرقة بين الكورد أنفسهم، كما تفعل ايران والعراق مع جنوب كوردستان وشرقها، وتفعل سوريا وتركيا مع شمالها وغربها، مستعينة بالتحالفات الاقليمية والدولية لفرض إرادتها على الكورد، ومستخدمة في الوقت نفسه قدراتها الاقتصادية والعسكرية لثني إرادة الكورد، منتهكة بذلك كل الأعراف والعقائد وحتى القيم الانسانية.

لقد عاشت كوردستان منذ أن تم تقسيمها في معاهدة لوزان بشكل رجعي ديكتاتوري، أحلك الحقبات التاريخية مع الحكومات التي تسيدت تلك الدول التي تضم أجزاء من كوردستان، حيث تعاملت حكومات هذه الأجزاء مع الكورد على إنهم خارجون عن القانون، ومتمردين، وملحدين، ناهيك عن نظرتهم الاستعلائية التي هي في الاصل نظرة انتقام للقوميات الأخرى التي لاتنتمي إليهم ولاتنصهر تحت بوتقة احتلالهم وجبروتهم، ولعل من يتابع تاريخ تلك الدول سيجد مع المساعي التحضرية لديها فجوات البداوة والهمجية لاسيما فيما يتعلق بالتعامل مع الآخرين، لقد أدت هذه النظرة إلى ازدياد حجم الفجوة بين الكورد وبينهم، مما أصبح من الاستحالة الركون إلى موقف توافقي معهم، حتى وان بدت الاوضاع السياسية الحالية على انها تذهب للتوافق، فالدول ليست مجرد حدود وجيوش، انما هي ايمان بتلك الحدود وايمان بتلك الجيوش، وهذا الايمان لم يعد موجوداً نهائياً لدى الكورد، ماعدا الذين باعوا انفسهم للحكومات لاسباب شخصية وطموحات شخصية وعداوات شخصية ، وهولاء تاريخياً مع انهم اثروا كثيراً على سير الحركة التحررية الكوردية الا انهم في عيون الشعب الكوردي ليسوا الا خونة، والخيانة لايمكن ان تسود وتحكم.

لقد اثبتت التجارب على ارض الواقع بان السعي الكوردي لتحقيق اهدافه الاستقلالية ليست مجردة من مضمونها القومي التحرري، وفي الوقت نفسه اثبتت تلك التجارب على عمق الهوة بين الحكومات العرقية القومية الدينية في تلك الدول التي تحكم اجزاء كوردستان وبين الشعب الكوردي من حيث التطلعات والقيم الانسانية، فعلى الرغم من سعي تلك الحكومات لسحق الكورد اقتصادياً ” غلق المنافذ الحدودية – قطع الموازنة – اغلاق المطارات ” وعسكرياً باستغلال القوة والسلاح كما في جنوب كوردستان ” كركوك – شنكال – زمار – التون كوبري – طوزخورماتو – خانقين وغيرها من الاماكن..” وفي غرب كوردستان وشمالها ( المدن الكوردية داخل الجزء التركي وفي كوباني وعفرين الان ” وفي شرق كوردستان (ماتفعله السلطات الايرانية من قمع واعدامات)، واجتماعياً من سياسة الترحيل والتهجير والتتريك والتعريب، فان الكورد مازالوا يؤمنون بقضيتهم، ومازالوا يسعون لتحقيق اهدافهم عبر الدبلوماسية السياسية، ولم يبادلوا تلك الاعمال باية ردة فعل ، بل كان خطاب الساسة الكورد واضحاً بان ابواب مدنهم مفتوحة لابناء شعوب تلك الحكومات(لكل منطقة خصوصيتها للاسباب الامنية)، وانهم لن يتوانوا في تقديم كل ممكن للنازحين غير الكورد الى كوردستان، وانهم مازالوا ينظرون الى شعوب تلك الدول نظرة اخاء لا عداوة فيها، بغض النظر عن مواقف حكوماتهم.

ومع ذلك فان تلك الحكومات والكثيرين من ابناء شعوبهم مازالوا ينظرون الى الكورد نظرة عدائية ممتلئة بالاحقاد، ومازلوا يحاولون اثارة الفتنة بين الاطياف الكوردية مستغلين وجود بعض اصحاب النفوس الضعيفة الذين باعوا القضية ولبسوا رداء الخيانة، فاصبحوا معاً (تلك الحكومات والخونة معهم) يطبلون على اسماع الكورد بان الساسة والقيادات الكوردية هي السبب فيما وصل اليه حال الشعب الكوردي في كل الاجزاء، ففي الشمال والغرب مازال الترك يثيرون زوبعة حول احد ابرز القيادات الكوردستانية في العصر الحديث ( عبدالله اوجلان) على انه السبب فيما وصل اليه احوال المدن الكوردية من تدهور وخراب ودمار، متناسين بانهم لم يحترموا قدسية برلمانهم وزجوا بالقيادات الكوردية السياسية غير المسلحة ايضا في سجونهم ( صلاح الدين ديمرتاش) والعديد من القيادات الاخرى، فضلا عن ادراجهم اسماء بعض القيادات الاخرى ضمن قائمة المطلوبين لمحاكمهم العنصرية ( صالح مسلم)، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل كانوا ومازالوا يحاولون تسخير قدارتهم العسكرية في طمس المعالم الكوردية داخل مدن تركيا وفي الغرب السوري، كما يفعلون الان في عفرين الصامدة، اما في الشرق الكوردستاني فان ايران بهمجيتها لاتترك صغير ولا كبير ولا عالم او فقير ، امرأة او شيخ الا وتسلط عليهم جنودها واستخباراتها وجيشها الثوري، فاصبحت مشاهد الاعدامات تسود المناطق الكوردية والاغتيالات والتدمير وزج الناس في السجون امراً قد اعتاد عليه الكورد هناك، وفي الجنوب الكوردستاني الصورة لم تتغير كثيراً فقد صبت الحكومة المذهبية الطائفية حقدها على الكورد والبيشمركة بداعي انهم انفصاليون، واعتبرت قيام الكورد بالاستفتاء للاستقلال السبب الرئيسي في تدهور العلاقات بين الحكومة والكورد مع ان الامر بنظرنا نحن الكورد لا علاقة له بالاستفتاء، فالحقد على الكورد سبق الاستفتاء بعقود ، والعلاقات تدهورت قبلها بعقود، والاستفتاء لم يكن الا حصيلة تدهور تلك العلاقات، ونحن الكورد ننظر الى الاستفتاء على انه حق مشروع، وهو من ابرز المحطات التاريخية للحركة التحررية الكوردية منذ سقوط جمهورية كوردستان في مهاباد، والتاريخ سيشهد سواء عاجلاً ام اجلاً بان الصوت الكوردي اتحد لاول مرة وقال نعم للاستقلال عبر الاستفتاء وان الكورد في انحاء العالم توحدوا وخرجوا وهتفوا بصوت واحد نعم لاستقلال كوردستان، لذا فان المشككين بالاستفتاء والرافضين له، وحتى الذين يدعون بان الاستفتاء هو سبب ما يحصل للكورد في الجنوب الان، لان الوقت لم يكن مناسباً، ليسوا الا ابواق تحاول التقليل من قيمة العمل التحرري الكوردي في التاريخ المعاصر ملتحفين بشعارات لاجندات خارجية تعمل على شق الصف الكوردي، لان الاحداث التي تلت الاستفتاء اثبتت ان الحكومات التي تحكم اجزاء كوردستان لن تعترف بحقوق الكورد ابداً وانها مستعدة للتحالف مع اية جهات من اجل اجهاض الحركة التحررية الكوردية وانها مستعدة لتقديم التنازلات لاعدائها من اجل طمس معالم الوجود الكوردي، ولعل مافعلته تركيا وما قدمته من تنازلات لايران وللعراق خير دليل على ذلك ناهيك عن قيام ايران بغلق المعابر الحدودية مع كوردستان بعدما قامت الحكومة العراقية بالهجوم على المناطق الكوردية في كركوك وغيرها وفرضت حضراً جوياً على كوردستان، بالاضافة الى ان الدول الكبرى التي تراعي مصالحها هي نفسها التي كانت تشرف على مؤتمر لوزان، وانها هي مع دول الجوار لايهتمون بمسألة الوقت المناسب او عدمه، انما لديهم هدف واحد وهو الحفاظ على مصالحهم وعلاقاتهم وفق منطق ومسار يحفظ لهم امتيازاتهم وحضورهم القوي في المنطقة، لذا ليستاءل المطلبين لهذه الاجندات وتكرار قولهم بان الوقت لم يكن مناسباً متى سيكون الوقت مناسباً طالما تركيا وايران والعراق وسوريا ستبقى على نهجها العدائي ( تركيا تدمر عفرين الكوردية – سوريا تتخاذل للدفاع عنها – ايران تخمد المظاهرات في المدن الكوردية بالرصاص والاعدامات والسجون – العراق تفرض على الكورد والمدن الكوردية سياسة الاخضاع بالكره وتقطع كل سبل العيش لديهم وتفرض ارادتها عليهم والدليل اقرار الموازنة بدون حضور الكورد)، و تحت انظار الدول الكبرى، والامم المتحدة، التي ستبقى تقدم مصالحها على اية اعبتارات اخرى.

ان روح الاستفتاء لم تزل متقدة في نفوس الاوفياء من ابناء الشعب الكوردي، ومازالوا متمسكين بنتائجها، والتي بلاشك ستضاف الى رصيدهم الثوري والتحرري وستبقى تلك النتائج شوكة في عيون الحكومات التي تسعى لفرض جبروتها على الشعب الكوردي في كل مكان، كما ان روح الاستفتاء ستبقى شعلة يقتدي بها ابناء الشعب الكوردي في جميع اجزاء كوردستان، وان كل الادعاءات المابعدية التي تفرضها الاجندات من المتملقين لايران وتركيا وبغداد وكذلك الرافضين للاستفتاء لن تجني ثمارها في طمس معالم اهمية الاستفتاء، ولعل ما نشر مؤخراً بان المنظمات الاوربية والدولية تطالب الكورد بجعل يوم الاستفتاء عيداً قومياً هو خير رد على المشككين باهمية وعظمة الصوت الكوردي في يوم الاستفتاء.

لذا ليس للكوردي الخضوع لهذه المتاهات التي تصدع قوته، وتصدع صوته القوي، انما ليعلم الكوردي بان الحقائق التي اظهرها الاستفتاء هي تشكل الصورة الحقيقية لنظرة الجوار ( تركيا- ايران – العراق – سوريا – الدول الكبرى) الينا تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، وعلى هذا الاساس فان الاعتماد على التطبيل والتزمير لن يُقدم للقضية الكوردية سوى التراجع والانحناء والخضوع للواقع المُرّ الذي تريد هذه الدول فرضها على الكورد، ومن هذا المنطلق عليهم الايمان بنتائج الاستفتاء والاستفادة منها لتقوية عزيمتهم في نبذ كل الفرضيات التي تريد اجهاض الصوت الكوردي، وكذلك في رفض كل المستجدات التي تريد الاستهانة بالصوت الكوردي، والعمل على توحيد الصفوف وابعاد الخاضعين للاجندات الخارجية والمطبلين لهم، ومحاولة بناء منظومة داخلية لمقاومة اي عدوان واحتلال للمدن الكوردية من اية جهة كانت، فضلاً عن كرس كل الجهود من اجل تحقيق الاهداق الممنشودة وعدم الانصياع لماهية الوقت، فان الانسان الحر لابد ان يصل الى حريته طالما يسعى اليها ويكرس جهده للوصول اليها.. ولتبدأ في كوردستان انتفاضة بل ثورة جديدة من اجل حقوقها ومن اجل انهاء الحكم الدكتاتوري الحالي، كما فعلت في انتفاضتها الاذارية الكبرية ضد البعث ونظامهم وقائدهم المقبور.

 

بقلم: جوتيار تمر/ كوردستان

5-3-218

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *