حينما شعرتُ بدفءِ مجنونٍ تَحْتَ الثّلجِ/ عطا الله شاهين – واحة الفكر Mêrga raman

حينما شعرتُ بدفءِ مجنونٍ تَحْتَ الثّلجِ

جذبتني ذات صباحٍ، قبل عدة عقودٍ، وذات زمن ولّى، بينما كنتُ في قاعة المحاضرات، حينما دخلتْ علينا معلّمة فائقة الجمَال، أتذكر حينها تنورتها القصيرة، وأناقتها المجنونة، فحينما رأيتها عنْ قُربٍ جذبتني أكثر مِنْ سحرِ عينيها ومن نعومة صوتها.. سلّمتْ على الطلبة بصوتها الرقيق، وعرّفتْ عنْ حالِها وقالتْ: أحبُّ التّعرف عليكم.. فبدأنا نقول لها أسماءنا، وبعدما عرفتْ أسماءنا، راحتْ تشرحُ لنا الدّرس الأوّل بكل هدوء، ولكنَّني لمْ أفهم حينها شيئا، لأنَّني كنتُ أرنو إلى جمالها الطبيعي، الذي لم أعهده من قبل لأية امرأة، لدرجةِ أنني نسيتُ كُلَّ أغراضي في الدُّرج، حينما انتهت المحاضرة..

ومع مُرورِ الوقتِ، توطّدتْ علاقاتي معها من باب الصداقة، ومِنْ خلال مخالطتي المُستمرّة معها استطعتُ تعلّمَ لغة بلدها بشكل جيّد منها. وأذكر عشيةِ رأسِ السَّنة أتتْ صوبي بعد انتهاءِ المحاضرة، ودعتني للاحتفالِ معها، وقالتْ: عند منتصفِ الليل سترى جوَّ رأس السّنة الرائع، لأنَّ الليلة ستسقطُ الثّلوج، وسنحتفلُ تَحْتَ هطول الثلج، لكنّني رفضتُ في البداية، إلا أنَّها ألحّتْ عليّ كي أجيء، وحين أتيتُ إلى عندها، رأتني أرتجفُ مِنْ شدِّة البرْدِ، ولكنْها أدخلتني إلى الشُّقة الصّغيرة، وشعرتُ لحظتها بدفءِ المكانِ، وجلسنا سوبة وتحدّثنا كثيراً في أُمورٍ عدّة وضحكنا حتّى مُنتصف الليل..

وعند منتصف الليل خرجنا سوية إلى الشّوارع، وكانَ المنظرُ رائعا، فنُدف الثّلج كانتْ بدأت تتساقطُ بشكلٍ غزير.. فرُحنا نلعبُ في الثّلج بكل حُبِّ، ولكنّني تجمّدتُ هناك، ولاحظتْ هي بأنَّني ارتجفُ من البرْد فخبّأتني تَحْتَ معطفِها المصنوع من الفرو، وشعرتُ بدفءٍ مختلفٍ، وكنتُ لحظتها خجلاً، لأنني أول مرة أخرج فيها مع امرأةٍ ذات زمن سهرت فيها تحت الثلج ومن حولنا كان صياح الأطفال والناس الفرحين بليلة رأس السنة المميزة.

وبعد عدّة شهورٍ من إنهاءِ السنة التحضيرية للدراسة كنت متشوقا لرؤية الوطن، وسافرت إلى بلدي لزيارة الأهل، وبعد انتهاء الزيارة عدتُ إلى ذاك المعهدِ، وسألتُ عن تلك المُعلمة، فقالوا لي بأنَّها تزَّوجتْ قبل أسبوعين، فرحتُ أبحثُ عنها لكيْ أُباركَ لها زواجها فقطْ، فوجدتُها تُصلّح أوراق الامتحانات اليومية في غُرفةِ المعلمين، فسلّمتُ عليها، وقلتُ لها: مبارك زواجكِ، فشكرتني، وقالتْ: لقد تمتّعتُ معكَ ذات شتاء، فأنتَ كنتَ شابّاً لطيفاً معي طيلة مدة تعارفنا.. فشكرتُها، وودّعتها، وقلت لها أنت تدرين بأنه وقع عليّ الاختيار للدّراسةِ في مدينةٍ أُخرى بعيدة من هنا فردّت أعلم.. ورغم مرور عقود على تعارفنا الإنساني حينذاك، إلا أنّ صخبها الغير عادي ذات ليلة شعرتُ فيها بدفءِ مجنون من حُبّها تحت الثلج، رغم أنّ درجاتِ الحرارة كانت تشير حينها إلى دون الصّفر ..

 

 

بقلم: عطا الله شاهين

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *