المرأة والوطن والإحساس في قصائد عصمت دوسكي “عاشق استجمعت به كل الطقوس والمواجع”/ نوى حسن – واحة الفكر Mêrga raman

المرأة والوطن والإحساس في قصائد عصمت دوسكي “عاشق استجمعت به كل الطقوس والمواجع”/ نوى حسن

 

الشاعر عصمت شاهين دوسكي يعزف بهدوء في محراب الكلام والهيام نحو إحساس وإبداع مميز حيث يلمس شغاف القلب وتبحر معه لعوالم راقية بلا حدود، وروائعه لمسات رقيقة جمعها في قلب حرفه النابض، جماله فاق حد الوصف لرؤى الحب والإحساس بالأشياء الدانية والبعيدة، كلماته تلامس الروح، من الأعماق يجسد المعاناة بوعيه وإنسانيته بصورة مرهفة، دقيقة، ممكن أطلق عليه شاعر الرومانسية والإنسانية والمرأة جميعا.

طرحه دائما طرح شاعر مثقف، يعاني واقع مجتمعه في العراق ويضع معاناة شعبه ضمن سلم أولياته، ولا يغفل الدوسكي عن ضرورة الوصول في العلاقة مع المرأة إلى المستوى الحضاري اللائق بمكانتها عنده كأنه “خزان فرح ونشوة ورقص”.

يدخل في اليأس والخوف والوحدة والحرمان والغربة واللوعة والفراق والقهر والبكاء، فهو يكشف لحظات الضعف والتصدع النفسي الذي يصيب الإنسان في كثير أحواله، يطل علينا الشاعر تارة باكيا من الشوق والحنين والغربة، وتارة من الحب وعذاباته، وتارة من العوز والحاجة والحرمان.

وعندما يتوغل في ذاته أكثر ترتفع منارة الآلام فيطلق القصائد تبحر في عوالم الإنسانية والواقعية والحالمة، يفرط الشاعر عصمت شاهين في الرومانسية وهمه الوطني، نجده يمتلك قدرا واسعا من الشفافية وصبرا في تحمل محنة الحياة بنظرة تأملية هادئة وبعدا إنسانيا متسامحا، حيث أقرا كلماته أجدها لغة سهلة تنح نحو بلاغة السهل الممتنع متناغمة لفظا ومعنى ولعل ما يستثير فيها سحرها الأخّاذ الذي يأخذك من حيث لا تدري إلى عوالم جميلة رغم الألم، بهية رغم الوجع، راقية رغم الجرح، إلى عوالم إحساسه ومعانيه التي تستوطن الفكر والقلب والروح.

ما أقدسها من مفردات لحب له عندك معنى آخر وطعم خاص أنه الوجود والوجد الدائم، حين يحضر يتوقف الزمن معك فقط لأنه يستنجد بما تملك من خلجات ذاتية وكوامن نفسية تعطيه ديمومة الاستمرار. أنت عاشق استجمعت بك كل الطقوس والمواجع والمغامرات لتكون معبدا يسجد أمامك كل شيء في حضرة الحب.

ففي قصيدة “لا أكتب لك” يقول:

“عذرا يا سيدتي المسافرة

لا أكتب لك

بل لامرأة فيك كالبحار

تمتد أمواجها المتمردة العاشقة

وتحطم الأسوار

شواطئها أقدار مجهولة

في ذاتها تبحث عن الأقدار

تسافر من غربة لغربة

ما زالت تبحث عن الأسفار

قد يكون لقاؤنا حلما، ملحمة

أسطورة أشعار

عذرا يا سيدتي المسافرة

لا أقيد إحساسي

فهو حرٌ من زمن الأحرار”

ترسم بريشة إحساسك تدفق المشاعر أنت لا تكتب كلمات … أنت ترسم بالكلمات، الكلمة في هذا النص “امرأة من ثلج ونار” تنزع مدلولها وتتعالى عن معناها وتكسب قيمة اللون. الكلمة هنا ألوان زاهية حارة توزع، تنثر بطريقة ساحرة لا يدرك أسرارها إلا مبدعها تتهادى الحروف كأناشيد المساء ترتل أهازيج الغرام تصفق لها عنادل الروح وتبتسم لنبض قلبك قطرات الندى فتتراقص أوتار القلوب طربا تترنح سكرى بعذوبة البوح.

وفي قصيدة “امرأة من ثلج ونار” يتناغم:

“أنت يا امرأة من ثلج ونار

كلاهما في جسدك ثورة بلا قرار

عاصفة تدور حول مداراتي بلا إنذار

طوفان يدخل ليلي ويرمي الأقمار

أنت بركان يحرق كل وقار”

حروفك تلامس الإحساس، واحة من الشجن أوطاننا، هل من نهاية لبؤسنا. تعب النداء في حناجرنا الوطن نحمله في قلوبنا ولفائف فكرنا أنه وجودنا ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل أنت كنز بداخله إنسان رفض الهوان وجعل من قلمه عنوان للمشردين والأبرياء. تأتينا بما يبهر الذائقة الأدبية عزفا على أوتار الوجد يتعالى صوتك الإنساني في رمزية قصيدة “نوروز وآذار” تقول:

“ما بالك اليوم،

تفجرت النيران

بين الجماجم وأجساد المتعبين؟

في ظل الحرية يغتالون الصبا

والصبايا والعذارى

تحت جنح الظلام والفقر المبين

ما بالك، ألا ترى نزيف الجراح

ألا تسمع صوت البراءة مباح

أم في عينيك غطاء المتأملين؟”.

حروفك كفراشات تهمس بين الزهور لعل الغياب يحترق والغائب يعود ويقترب رغم فوهات المطر هو الحر في سيمفونية تحيكها أحلام الجفون تراقص نبض القلوب أحبارك ترسمنا شغفا وتراتيل بهاء غناها بوحك المرهف ما أبهاك أيها الربان الماهر تقود قلوبنا حيث أنت في قصيدة “ذرى القلب” قائلا:

“ارجع، رحلت أيام زمان

وربيع العشق غدا طوفان

والحب رسول الوفاء بيننا

ينشد اللقاء رغم البركان”.

أحيانا يفتر كل شيء فينا، حتى القلم وأوجاعنا ومشاعرنا يتسرب الوجع من مسامات الصمت فلا صمتنا يسترنا ولا نحن على البوح قادرين، حروف تنثر وجعا وترسم دمعة قلوبنا ما هذا الإنسان الذي يحيا بداخلك لتشير إلى إفلاس الإنسان حينما يفقد إنسانيته، عزة نفسه، كرامته، ويبيع نفسه بقشور الحياة ومظاهر زائلة في قصيدة نحن “مفلسون” تقول:

“نحن مفلسون

من وطن يجمعنا

بعد تشردنا في كل الأوطان

باعوا الحدباء وعفرين والأرملة

والثكلى والصبايا وأطفال بلا أمان

الوطن مجرد عنوان في مزاد علني

ليس لنا فيه لا ناقة ولا مكان

نحن مفلسون”.

يذكر الأديب عدنان ريكاني في إحدى مقالاته عن الشاعر عصمت شاهين دوسكي، “عندما يترعرع القلم في بحيرة مدادك تذوب الحروف بين راحتيك والورق لترسم نجوما تتلألأ في سماء العشق بوح راق ومفعم بالمعاني الباسقة هنيئا لك هذا الإبداع.

شاعرنا الكبير الدوسكي منارة عالية مضيئة في سماء الإبداع واللغة والأخيلة الطافحة بالرقة والعذوبة والصدق السلام عليك في جلالة الشعر والوعي والثقافة “.

ما أجمل حرفك وروعة كلماتك حين تنتقي أحرفك العذبة التي تخترق قلوب العاشقين … حين اقرأها أراك أجمل وأرق كاتب في عالمي … حرف يتوهج في أتون الذهول وتتزاحم مواويل الدهشة لمخيلتكم الرائعة حقيقة أبدعت في قصيدة آسف جدا، قصيدة وجع امرأة، قصيدة متى ألقاك وغيرها،

الأمل لا يغيب يحلق بعيدا ويقترب دائما عزيمة الشعوب لن تقهرها الانكسارات الحب رحلتنا الأخيرة إلى الحياة في طياته نجيد الاختباء من الألم وفى ثناياه تغتسل أرواحنا …كلماتك تثيرنا حزنا ستجف دموعي وتكثر آهاتي …كلماتك تفيض بأشجانها .دمت لنا لسان فكر وقلم راقي وإحساس صادق فمن مداد اليقين أنطقت نبض الحنين فكان الأنين سحرا يعزف بين السطور ويتألق لظى بين الترانيم حقيقة أتوه بين حروفك ،منفردا في رسم المشاعر بصورة خلابة تلامس الروح وتسحر العيون… دام سحر الإبداع بنبض الصدق بين عوالم المرأة والوطن والإحساس والإنسانية في زمن على بركان من التناقضات والأزمات .

***************

 

الدكتورة نوى حسن – فنانة تشكيلية مصرية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *