هل يعود ثانية…/ أحمد صبحي النبعوني – واحة الفكر Mêrga raman
أحمد صبحي النبعوني

هل يعود ثانية ؟!

قصة قصيرة 

 

هل يعقل إنه مازال يملك الكثير من العواطف تجاه من كانت ذات يوم شرارة نيرانه الأولى … هل يعقل أن تكون بذرة الهوى ما زالت حية رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة …

هل يختبئ الحب عندما يشعر بالخوف أو الفشل … لكن.. كم سنة يمكنه أن يختبئ ..!؟ . بعد ثلاثين عاما وجدها مرة أخرى في زمان مختلف ومكان لا يتوقعه أبدا .. أخذ يسرد لها عن تلك الرسائل التي كان يقذف بها إلى السطح لتقرأ ما كان يجول في ثنايا مخيلة مراهق صغير، أخذ يشعر بعاطفة جديدة لم يعتاد عليها سابقا لكنها ساحرة وغريبة … هو القدر يفعل فعلته في كل مرة يقذف بها … ليجدها أمامه … زنبقة زرقاء ما بين طبقات الثلج وسط غابة من أشجار غربة الروح والجسد … تارة وهي طفلة وتارة وهي شابة وتارة أخيرة وهي أم …! يقول لها: كنت خجولا جدا ومع ذلك كنت استجمع عزيمتي لأهرب من المدرسة حتى أنتظر انصرافك من المدرسة وأسير خلفك فقط … لا كلمة تخرج من فمي أو حتى إشارة صغيرة … صراحة كنت أعشقك بصمت .. وخجل … وخوف … وأيضا مع استعداد ليتحول الصمت إلى كلام والخوف لشجاعة والخجل لجسارة … لكن لم تشاء الظروف ربما أو أنها رواية يجب ألا تنتهي صفحاتها … يجب أن يمر البطل بحوادث صعبة ومرهقة حتى لا يمل القارئ وينجذب أكثر لمتابعة القراءة … لعبة الأقدار غريبة وغير متوقعة. من كنا نظن إنه كان مجرد صدفة عابرة في حياتنا نجده ماثلا أمامنا بعد سنوات طويلة ليتكرر نفس المشهد من أول الرواية والسيناريو … الحب الأول مهما بدا باهتا وخافتا ومهما غاب وتوارى، سيظل في ثنايا القلب، ويبقى لأنات الحب الأول مذاق لا ينسى … هل حبه الآن يشبه ذاك الحب في رواية حب في زمن الكوليرا للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا مركيز … حيث تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بالوقود فيما تضم عش الحبيبين اللذان لا يباليان بكبر عمرهما ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل للوصول إلى مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب.

نسي أن يقول لها أيضا: أنه أحبها في فصل الربيع مع الأمطار الغزيرة التي كانت تملأ برك الطرقات بالمياه ليعود إلى بيته بعد أن سرقت عيونه كل النظرات لشعرها الأسود الناعم وبريق عيونها والوجه الذي كان لا يمل من النظر إليه … مبللاً بالمطر والسعادة وشيئاً آخر يصعب وصفه.

كانت تستمع له بصمت وكلمات قليلة لتقول له في النهاية ماذا تريد مني الآن؟ سؤال يصعب الإجابة عليه … فعلا ماذا يريد ولماذا يعيد شرح الأحداث من جديد لها وهي التي كانت محور الزمان كله … ولماذا تسأله هي هذا السؤال؟ هل ستمنحه ما كان يحلم به يوماً وهل تستطيع؟ كان يتمنى لو أنه كان ثملا حتى يجيب على سؤالها لأنه ما زال يخجل من الحديث في حضرة الحب الحقيقي … كذاك الصوفي المتعبد الذي يجلس أمام شيخه الكبير بتواضع وهدوء … كان سيقول لها أريد كل شيء. أريدك أنت من جديد … أريد استرجاع روحي التي فقدتها وأنت بعيدة عني . أريد أن أنسى أنني الآن أعيش بعيدا عن وطني وأريدك أن تكونين أنت الوطن الذي ليس له حدود أو حروب … وطن دائم لطائر لم يعد يقوى على الرحيل مرة أخرى.

 

بقلم: أحمد صبحي النبعوني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *