كتابنا وشعراؤنا يغازلون الأمراء والسلاطين العرب، هل انفرط عقد أدب المقاومة/ شاكر فريد حسن – واحة الفكر Mêrga raman
شاكر فريد حسن

كتابنا وشعراؤنا يغازلون الأمراء والسلاطين العرب، هل انفرط عقد أدب المقاومة

 

يبدو أن ما اصطلح على تسميته بـ “أدب المقاومة” الذي تشكل وتكوّن بعد النكبة في ثقافتنا العربية الفلسطينية المعاصرة في هذا الجزء من أرض الوطن الكبير، وحمل الطابع السياسي والاجتماعي التعبوي المحرّض على الفعل المقاوم والثورة والمواجهة والدعوة للتغيير ، والتصدي للقهر والظلم والجور والغبن والاجحاف والاضطهاد القومي والطبقي ، ولمحاولات تبديد وتشويه هويتنا الوطنية والقومية ، ولامس جوهر العلاقة بين الحياة والموت وتميز ببعده الاجتماعي وولائه للطبقة العاملة الكادحة التي تعلق على أكتافها بنادق مصيرها ومستقبلها.. الأدب الذي حظي باهتمام الأوساط الشعبية والنخب الأكاديمية والفكرية المثقفة وأعطاه الروائي الشهيد غسان كنفاني شهادة المرور الى العالم العربي وأعاد تشكيل نسيجه، يبدو أن هذا الأدب انفرط عقده منذ زمن، بعد تراجعه رويداً رويداً على مدار السنوات الفائتة، بالرغم من تفجر الطاقات الإبداعية وتفتح المواهب الواعدة وكثرة الأقلام الأدبية التي تكتب وتنتج وتنشر كتاباتها في الصحف المطبوعة وعلى الشبكة العنكبوتية.

وفي الحقيقة والواقع ، أن أدب المقاومة أخذ بالنكوص والتقهقر الى حد انفراط عقده ، عقب الهزيمة وانحسار المد القومي الناصري الجارف والماركسي الثوري ومع بدء تدفق أموال النفط من دولارات خضراء ودنانير وريالات وبالونات ملونّة ، فراح شعراؤنا وكتابنا يغازلون ويتملقون الأمراء والسلاطين والحكام العرب ويكتبون نصوصهم الأدبية وقصائدهم الشعرية في غرف وصالونات وصالات الفنادق ، بينما كانوا يسطرونها ويخطونها بدمائهم وعرقهم وألمهم في السجون والمعتقلات والزنازين، وفي الخنادق وميادين المعارك الكفاحية والنضالية ، وأيضاً منذ أن أصبح أصحاب القلم والكلمة على وفاق وتراض مع المؤسسة الاسرائيلية التي نجحت في خصيهم وتخنيثهم واحتوائهم واعتبارهم مبدعين كبار في نظرها ، فأقامت دائرة ثقافية لتخدمهم ، ومنحتهم جوائز التفرغ والابداع ، وطبعت كتبهم السطحية الهزيلة والركيكة التافهة التي تشوه الوعي والذوق الأدبي ، وقامت بالترويج لهم ولكتبهم!

زد على ذلك ابتعاد الكتاب والمبدعين عن اليسار واهتزاز قناعاتهم الفكرية بعيد انهيار وسقوط النظام الاشتراكي العالمي، وخيانتهم للمواقف والأفكار التي أمنوا بها عقوداً طويلة وتخليهم عنها، وانخراط نفر منهم في أحزاب يسارية صهيونية !! وكذلك وفاة البعض، ممن ساهموا في إرساء ونمو أدب المقاومة، وغيابهم عن الدنيا والحياة، عدا عن توقف البعض عن الكتابة والنشر، ومنهم من أصبح من رؤوس الأموال وينعم بالسيارات الفارهة والفيلات الفاخرة والسفر الى الخارج والتجول في أنحاء المعمورة. يضاف الى ذلك اتفاقات ” اوسلو” التي دفعت بالكثيرين تبديل مواقفهم ومواقعهم، أو جرفهم الى قطار اليأس والاحباط، فأين هي النصوص الأدبية التي تواكب الحدث السياسي اليومي وتعبر عن الهم الجماهيري الفلسطيني وقضايا الناس والطبقات العمالية الكادحة ؟! وأين الإبداعات الحقيقية التي تلتحم مع قضايا الشعوب العربية وتؤصل الانتماء وتعبر عن الموقف السياسي والفكري الواضح، وتكرّس ظاهرة التفاؤل التاريخي المرتبط بالإنسان والتراث والقضية كقضية واحدة؟ وأين النتاجات ذات الدلالات العميقة التي تختزل وتتجاوز المرحلة وترسم الطريق نحو المستقبل الباسم الجميل ؟!

أن ما نقرأه اليوم من نصوص يكشف هشاشة أدبنا وغرقه المتعاظم في الرومانسية والحنين الى الماضي والنحيب والتوجع والصراخ والندب والرثاء لحال الأمة، ودليل واضح على البؤس الثقافي الذي نعيشه ونعانيه.

لقد أثبتت الحياة وتجاربها أن المبدع لا يمكن أن يكون مبدعاً حقيقياً وأصيلاً ، إذا كان على وفاق وتصالح مع المؤسسة والسلطة الحاكمة ، وكلما ابتعد عن اليسار وقوى الثورة والتغيير كلما بهتت جذوة إبداعه ، ثم فأن الالتزام الفكري والعقائدي والثوري ضرورة للإبداع الحقيقي ، والإبداع ضروري للتعبير عن الالتزام بالفكر الثوري ، فكلاهما يشكلان شرطاً أساسياً لأدب ثوري مقاوم وناجح يمكن أن يقدمه الكاتب بضمير مرتاح وثقة عالية بالنفس ، وبئس كل مبدع يشترى ويباع بالمال والدولار وجائزة تفرغ وطباعة كتاب ، وأن ثقافتنا الفلسطينية الحقيقية في غنى عنه وليست بحاجة إليه ولأمثاله.

خلاصة القول، أننا بحاجة الى تجديد انطلاقتنا الثقافية وإعادة الاعتبار لأدب المقاومة وللكلمة الحرة النظيفة الشريفة النقية ، وتخليص حياتنا الأدبية والثقافية من التافهين والهامشيين والفهلويين وفقهاء الأدب ومرتزقته، كما ان ثقافتنا وأدبنا بحاجة إلى الإبداع الحقيقي الملتزم قلباً وقالباً، المندمج بقضايا الناس والجماهير والمتفاعل مع الحدث السياسي اليومي ، وإلى مبدعين شرفاء وأنقياء من أصحاب التجارب الإبداعية والكتابة الجريئة المقتحمة المغايرة لـ “ثقافة القطيع ” وللتيار السائد ، الذين يرفضون التدجين وعمليات التلميع الإعلامي وصناعة النجوم والتوظيف في سوق النخاسة السياسية والإيدولوجية وأشكال التهريج والوجاهة الثقافية ، والجوائز والنياشين المقدمة من قبل المؤسسة ودائرة الثقافة العربية ووزارة الثقافة.

 

 

بقلم: شاكر فريد حسن/ فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *