“حُبٌّ” تبدّدَ في ترانزيتٍ قبرصي/ عطا الله شاهين – واحة الفكر Mêrga raman
بقلم: عطا الله شاهين

 

 

 

 

 

 

 

“حُبٌّ” تبدّدَ في ترانزيتٍ قبرصي

هبطتْ الطائرة في مطار لارنكا ذات مساء، وكنتُ فرحاً لحظتها لأنّني اعتقدتُ بأنَّني بعد ساعاتٍ سأرى الأهلَ بعد غيابي عنهم لمُدةِ ثلاث سنوات، ولكنّني تفاجأتُ من إدارةِ أمن المطار، حينما قال لي أحد مسؤولي المطار على مدخلِ صالة الوصولِ : أنتَ ممنوعٌ من الخروج من صالةِ الترانزيت، ولمْ أكنْ أعتقد بأنّه يمنعُ الخروج وقتها، فكنتُ قدْ أردتُ من قبل السّفر إلى الوطن على متنِ باخرة، ولكنْ لمْ يكنْ بحوزتي ثمنُ تذكرةٍ للسّفر إلى مطارِ اللد والنّقود التي كانتْ معي لا تكفي لشراءِ نصف تذكرة، وكنتُ لتوها وصلتُ من مدينة موسكو، فقلتُ له سأتصلُ بالأهلِ لكي يبعثوا لي بتذكرةِ طائرة.

فجلستُ في صالة الترانزيت حزيناً وبدتْ حالتي النّفسية صعبة، ولاحظتُ بعد مرور نصفِ ساعة بأنَّ هناك عشرات الشبّان يجلسون على أرضية صالة الترانزيت وحالاتهم تشبه حالتي.

ومِنْ خلالِ أصدقاء تعرّفتُ عليهم في صالة الترانزيت، والذين كانت طائرتهم ستطير بعد ساعات، وعدوني بأنْ يتصلوا برقمٍ كنتُ قد أعطيته لهم، وبالفعل عندما وصلوا إلى بيوتهم اتصلوا برقمِ والد صديقي، الذي يسكن في نابلس، وذهبَ والد صديقي في اليوم التالي إلى مدينة رام الله، وسألَ في موقف الباصات عن والدي، ولحُسنِ الحظّ كان زوج شقيقتي بالصّدفة هناك فشكرَ والدَ صديقي على تعبِه واهتمامِه بي وقامَ زوج شقيقتي بشراءِ تذكرة لي على متنِ الخُطوط الجويّة القُبرصية، ولكنّ التذكرة تأخّرتْ لمُدةِ أسبوعٍ حتى وصلتْ عبر التيليكس إلى مطارِ لارنكا، وكنتُ طوال أسبوعٍ كامل أنامُ فيها على أرضيةِ صالةِ الترانزيت النّظيفة..

وفي اليوم التّالي صحوتُ من نوْمي نكداً، وشاهدتُ امرأةً تجلسُ على مقعدٍ حديديّ وتقرأُ كتاباً، فنظرتْ صوبي وابتسمتْ فابتسمتُ لها واقتربتُ منها وبدأتُ أتكلّم معها باللغة الإنجليزية، وكانتْ لُغتها  ضعيفة، ولكن تفاهمنا فيما بيننا، وعلمتُ بأنها تشيكية وعالقة مثلي، لكنها كانتْ تنتظرُ أحدا من أقاربها ويسكنُ في قبرص ويريد أنْ يأتي ليأخذها، وبقينا سويةً مدة أسبوع، وعلى ما بدا وقعتُ في حبِّها، وفي اليوم السّابع من مكوثي هناك توجّهتُ عند الظّهيرة إلى إدارةِ المطارِ، وسألتُ مثل كلّ يومٍ عنْ تذكرتي، والمفروض أن تصلَ، لقد مرّت سبعة أيام تقريبا على شرائها، وعندما سألتُ عن التّذكرة أجابني أحد العاملين هناك بأنّه يوجدُ تذكرة باسمي، ففرحت لحظتها كثيرا، وعدتُ صوب تلك المرأة التشيكية فرحاً، فقالت: ما بك؟ فقلتُ لها سأسافر اليوم في المساء، لقد أرسلَ الأهلُ لي تذكرة، فابتسمتْ وقالتْ: هذا جيّد، لقد كنتَ طوال الأسبوع متضايقاً جدا، وجلستُ معها أنتظرُ صُعودي على متنِ الطّائرة، وبالفعلِ قبل أنْ أذهبَ إلى بوابةِ الخُروجِ ودّعتني تلك المرأة بحرارة، وطِرتُ وأنا مسرورٌ، لأنّني سأرى بعد زمن قصيرٍ الأهلَ والوطن، وحينما وصلتُ إلى مطارِ اللد، وخرجتُ من صالةِ القادمين شاهدتُ عائلتي بانتظارِي وتعانقتُ معها، وخفّف أفراد العائلة لحظتها مِنْ عنائي، وسِرتُ باتجاه مدينة رام الله بمعيتهم، ومكثتُ شهراً عند الأهل، وعدتُ بعد شهرٍ إلى موسكو على متنِ الطاّئرة القُبرصية، وأخبرتُ الأصدقاءَ والصّديقات عنْ مُعاناتي في المطار، التي عِشتُها مدة أسبوع، لكنّني بقيتُ أتذكّر حُبّي لتلك المرأة والذي تبدّد في ترانزيتٍ قُبرصي، فتلك المرأة التشيكية كانتْ تخفّفُ عنّي طيلة مكوثي في صالةِ الترانزيت من خلال حديثها معي، وظلّتْ طوال تلك المُدّة تواسيني بابتساماتها ونظراتها حتى عندما ودّعتني شعرتُ بأنّني بالفعل وقعتُ في حبّها، ورغم مرور أكثر من عقديْن على مقابلتي لها، إلا أنّني ما زلتُ أتذكّرُ نظراتها من عينيها السّاحرتين، اللتيْن جعلتاني أنجذبُ صوبها بكلّ جنونٍ طيلة أسبوع لمْ أعرفُ وقتها أيّ نوْمٍ وهي بجانبي..

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *