إنها تذكرة …/ هنادي الصدر – واحة الفكر Mêrga raman
بقلم: هنادي الصدر

 

 

 

 

 

 

 

إنها تذكرة…

أستاذي الذي كان يسكن عند البحر….

كانت نافذة أستاذي تطل على ذاك الشاطئ القبلي، الذي كنت أعمل فيه وفي خفاء عن عائلتي إلى وقت غير معلوم….

ماذا لو كانت سعادتي هي خدمة في صحبة أستاذي

ظل يخاطب نفسه في اليوم أكثر من مرة، هكذا إحساسي يخيل لي …. !؟. ما أروعه مالك ….

حين يشكرني وأحيانا لا يفعل ولم أكن أبالي، ربما كان ينسى من شدة الفرح! فهو يوصيني دائما بأن أجلب له بل وأنتقي جميل الأصداف وفريدها، ولم يدهشني إذا لم يسألني مرة واحدة، من ابن وكيف أحضر الأصداف! بل فقط يؤكد لي الانتباه لمصلحتي، وأمر المذاكرة فلأنني كنت مطيعا …. كنت أفعل ما يأمرني به في امتنان وسرور.

عندما كنت أعطيها له بلا ثمن فهو يعدني أن يرفعني درجة …. درجة في كل مرة اصطدت لم احتاج أكثر من ذلك كان الثمن ابتسامة ونبرة هادئة منه فراح يتوجني ويثني على موهبة الصيد لدي. …. حين يعلي من شأني في عينه والرفاق يحدقون ويبادلونني ذات الاهتمام فزادني نشاطا ومثابرة، كان هذا أول ما أعمله في حياتي لاكتشف براعة الصيد لدي أثناء زيارة البلاج مع والدتي التي أحبت البحر وكانت تروي لي ولإخوتي قصصاً كثيرة وجميلة جداً عن البحر الذي كانت تسكن عنده في طفولتها حتى دعاني حبها هذا لاكتشاف نفسي من خلال غرام أمي للماضي الجميل الذي استطاعت أن تغرسه كحلم في أحلامي … للصدق أحسست بأنني امتلك مهنة أخرى لم أنتبه إليها لشدة انهماكي فقط نيل الرضى.

أستاذي لم يسألني يوما…. من علمني صيد المحار وكيف أذهب للبحر عندما كنت أتوسل لجارنا الصياد أن يصطحبني معه وما أن تحققت أمنيتي لأشعر بالأمن والسلام، متى وافق أن يعلمني كتم الأسرار وحرفة الصنعة فاتفقنا على ذلك، شريطة ألا يعرف أحد غيرنا بهذا الأمر حتى يظهره الله …ما أجمل الأمانة وخاصة بين الأصدقاء الأوفياء …

يا للمسكين بطل القصة (عزيزي مالك)

حين أتأخر عن البيت فيقلق علي أبواي وإخوتي، وكنت أستطيع إقناعهم عن سبب تأخيري هو مساعدة العم عبد الوهاب بسبيل تحفيظي بعض الدروس فبما أنني على قدر لا بأس به من الوفاء والذكاء كان الأمر يمر بحذر ومتعة شاقة. كطائر يطير بجناحيه تحت المطر.

وكان أستاذي في المدرسة مولع بالأصداف الغريبة ولم تسقط عليه في الفصل قطرة ماء واحدة ربما لو حصلت معه ذات يوم لفكر في أمري قليلا ليتدارك ذهني إهماله لي وان كان بغير قصد. والأيام تمضي والبحر عشقي وأبحاري، وكل مرة أهدي بها أستاذي عبيد أصداف مختلفة الجمال والشكل، كنت أهدي تلويحة الحنين لاسراب الموج وتحليق النوارس.

ظل المشهد الأسطوري للوحة البحر كنشيد وطني يحفزني من ناحية ومن ناحية أخرى يتحداني برغم غيابي المتكرر عن البيت الذي يبعد كثيرا عن البحر. لكن البحر أقرب لقلبي.

فماذا حصل لي؟

وفجأة. … يا للهول وللأسف فهل تصدق يا عبد الوهاب بأن أستاذي ما عاد يأخذ أصدافي

هذا بدأ معي عندما جاءت سلمى، تلميذة غريبة وجديدة إلى المدرسة تلبس ذاك المعطف الأحمر والوشاح الأحمر أيضا الذي كنت بدأت أرى لونه أسود بسبب إنه. هو أستاذي عبيد …

آه…. يا إلهي ما عاد يسأل عني وعن هداياي بسبب تلك الغرابة، أقصد التلميذة البليدة التي اصطادت قلب صديقنا بطرفة عين فهي بادلتنا الأدوار لتلون ساحة المدرسة بأناقتها وثرثرتها التي أخذت منحى آخر عند أستاذي فصار يتململ مني لكثرة إلحاحي وسؤالي عنه وافتقادي المؤلم لعدم اهتمامه بي فصار حبي للبحر يشدني شبه الشهيد للمعركة وشبه الأرض للسلام.

تلك التلميذة بعيدا عن كرهي لها والمدرسة التي أصبحت بالنسبة لي وكرا لا ملاذ منه إلا إليه الغزالة ربما أصبحت أشبهها في الغرابة (انثى الغراب) تلك من أخذت مكانتي دون سابق إنذار لأصبح أنا وموهبتي ألف كلا…. من رقم الألف عند عبيد إلى أصفار ..

فأخذت دلوي الصغير الذي رافقني كثيرا مع العم عبد الوهاب. ..

لم أكن أعرف أن عبيد أستاذي يسكن ذاك الشاليه الذي اصطاد على شاطئه، ولكني قررت أن أخبئ حصيلة اجتهادي في تلك الغرفة مودعا سر أستاذي وحزني. .

مرت أيام ولم يعد يجاملني عبيد كسابق عهده! فاستأذنت الصياد عبد الوهاب أن يخبئ حصتي من الأصداف في ذاك الدلو المكتوب عليه “مالك غريب” وهو اسمي واسم عائلتي.

وفيما لو سأله أحدهم شراء محتوى الدلو على ألا يبيعه إلا في حال تفريغه من من داخل المحار كما جرت العادة، استخراج مما فيه قبل البيع عملية تنظيف وفحص البضاعة.

فإذا السر الأول وقد بان ألا وهو عمل مالك التلميذ المثابر في البحر ….

احتضنت أم مالك ابنها الأصغر إلى صدرها تكفكف البكاء عنه ويغمره كنهر ماس تدحرج مثل النجوم على جبين السماء فأخبرته مفاجأة ب تذكرة سفر إلى إسبانيا…

أجل يا بني إلى الأندلس.

إنه قرار الرحيل عن لبنان

حاجة العيش وعمل الوالد في تجارة أقمشة الحرير والكشمير الهندي هذا وقد تمت الموافقة على هجرة العائلة بعد انتظار طويل ….

سافرت عائلة غريب ومعهم مالك إلى إسبانيا بلد الجمال الساحر ….

فماذا ظل ل عبيد من ذكرى مالك؟

لم يكن يعلم الأستاذ ولا عبد الوهاب بعلاقة كل منهما بمالك الحزين.

كان لعبد الوهاب الصياد علاقة صداقة قوية تربطهما سويا فمن تلك الصدف التقيا عبيد وعبد الوهاب الذي كان يلقبه عبيد يا عبدو حين يناديه ليتبادلا أطراف الحديث وذلك عندما لا يتسع الشاطئ الدامس لأكثر من اثنين….

فقال عبيد: يا عبدو وما ذاك بيمينك، أهو للبيع. ….!؟

فكأن عبد الوهاب يتوخى حذر عدم الإجابة، فعاود السؤال لجذب انتباهه. …. ما هو المكتوب على الدلو؟

مالك الغريب والتاريخ السفر…. حينها تذكر فقط اللحظات الجميلة التي كان يوفرها ذاك التلميذ الفتي لأستاذه الذي أحبه حبا جما بل وتعلق به لمدة لا بأس بها من الزمن فأضاع فرصة لن تعود، فصاح في تحشرج الفؤاد، والصدى يدور في المكان …. هل وكيف ومتى ولم …. أين سافر مالك الغريب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *