حوار مع الكاتبة والشاعرة جميلة شحادة/ شاكر فريد حسن  – واحة الفكر Mêrga raman
جميلة شحادة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حوار مع الكاتبة والشاعرة جميلة شحادة/ شاكر فريد حسن

الشعر بالنسبة لي هو بوح وتعبير عن مكنونات، وعن مشاعر وأحاسيس، وعن صياغة فكرية بصورة فنية وجمالية

 

 

التربوية جميلة شحادة كاتبة وشاعرة مرهفة من مدينة الناصرة، تتصف بأسلوبها الواضح ومستواها الراقي المميز، نصوصها أخاذة وصورها الشعرية باذخة، قصيدتها مكثفة، مليئة بالمعاني والكلمات الشفافة المترعة بالتعابير اللغوية، تعرف كيف تطوع المعنى لألفاظها، فلا تجنح عن المرمى. في العام الماضي صدر مجمعها الشعري الأول بعنوان” عبق الحنين “، فارتأيت إجراء هذا الحوار معها:

 

أولا، حدثينا عن مسيرتكِ في الكتابة، متى بدأتِ الكتابة؟ وكيف كانت البدايات؟

بدأتُ الكتابة منذ كنتُ في المرحلة الابتدائية، وقد لفتت كتاباتي انتباه المدرسين الذين علموني، فأثنوا عليها وشجعوني لأشترك في المسابقات التي كانت تخصص للكتابة الإبداعية من قبل مجلة للصغار (لا أذكر اسمها الآن). وعندما كنت في الصف السادس الابتدائي فزتُ بالمرتبة الأولى عن كتابة نص: “الربيع في بلادنا”. أما أول نص نشرته، فقد كان في صحيفة كل العرب، وباسم مستعار، وكنت وقتها في الصف السابع الابتدائي. بعدها، تابعتُ الكتابة، لكن بدون أن أنشر أياً مما كنت أكتبه، بل كنت احتفظت بما أكتبه في درج مكتبتي، وفي الصف التاسع نظمتُ أول قصيدة لي، متأثرة بمعلقة امرؤ ألفيس، وقد قرأتها لصديقاتي ولأفراد العائلة ونالت الاستحسان. بعد ذلك لم أعطِ الكتابة حقها (ولو أني كنت أكتب بين الحين والآخر)، وذلك لأني وضعت كل طاقاتي ووقتي في الدراسة، ثم في عملي، الذي تطلب بطبيعة الحال، الكثير من الجهد والتضحيات. إذ اعتبرت عملي رسالة أؤديها، وليس مجرد مهنة.

 

وهل تأثرت بأحد؟

لا أعرف إذا تأثرتُ بأحد أم لا ممن كنتُ أُكثرُ القراءة لهم. لقد كنتُ في المرحلة الإعدادية والثانوية من دراستي، أحب القراءة لجبران وتوفيق الحكيم، وقرأت لهما كل ما كتبا، تقريبا. لكن بالطبع قرأتُ لغيرهما من أدباء عرب وعالميين، مثل الطيب صالح، نجيب محفوظ، طه حسين، محمد عبد الحليم عبد الله، يوسف إدريس، تولستوي، بيرل باك وألبير كامو، ماركيز وغيرهم. أما بالنسبة للشعر، فكنت أحب أن أقرأ لنزار قباني ومحمود درويش وبدر شاكر السياب.

 

وممن لقيت التشجيع؟

كما قلت لكَ سابقا، المدرسون هم أول من شجعني على الكتابة، ثم والدي رحمه الله. حيث كان والدي يطلب مني عادة، أن أقرأ على مسامعه شيئا مما كتبتْ، وليس هذا فحسب، بل كان يفخر بذلك ويدعوني في كثير من الأحيان لأقرأ شيئا مما أكتبه أمام ضيوفه.

 

كيف تكتبين القصيدة؟ وما هو تصورك للشعر وطرائق تعبيره؟

بدايةً، أنا لا أعتبر نفسي شاعرة. صحيح أنني كتبت القصيدة وأصدرتُ ديوانا وما زلتُ (أنظم/ أكتب) القصائد أو النصوص الشعرية، لكني لستُ بشاعرة. أما عن سؤالك: كيف أكتب القصيدة؟ فأصدقك القول بأنه لا يمكنني أن أجلس وأقول لنفسي: الآن سأكتب قصيدة، بمعنى لا أتعمَّد كتابة القصيدة أصلا، لا يمكنني ذلك.  انا أكتب (أنظم) النص الشعري، عندما يكون هناك حدث، أو مشهد، أو أمر ما، أثر ويؤثر بي، وحرك إحساسي وأثار مشاعري، فقط عندها أكتب القصيدة، قد يكون ذلك صباحا، وقد يكون ليلا، أو في أي وقتٍ من النهار. قد يلفت انتباهي جمال وردة أو سقسقة عصفور أو حنوُّ أم على ابنها على سبيل المثال، فأكتب. الشعر بالنسبة لي هو بوح وتعبير عن مكنونات، وعن مشاعر وأحاسيس، وعن صياغة فكرة بصورة فنية وجمالية. وقد يكون هذا التعبير مباشرا وواضحا للقارئ، وقد يكون غير ذلك. أنا يعجبني الشعر الغني بالتعابير المجازية والعبارات الرقيقة، والذي يُشعر الفرد بمتعة وبموسيقى عند قراءته أو سماعه، ويعالج فكرة بصورة فنية، ولا تهمني الطريقة أو الأسلوب، إذا كان عاموديا أو نثريا أو غير ذلك.  برأيي لا يمكن أن نحدد للشاعر بأي طريقة عليه أن يبوح ويعبر عن مشاعره أو أفكاره.

 

ما هي الموضوعات التي تتناولينها في كتابة نصوصك الشعرية؟

للأسف إن الأحداث اليومية التي نشهدها، تؤرق نومي مثل كثيرين غيري، ولهذا فقد تناولتُ في كتابة نصوصي الشعرية، موضوعات تحدثت عن همّ الإنسان أولا. ففي ديواني الأول “عبق الحنين”، طرحت مواضيع اجتماعية، ومواضيع الساعة محليا وقطريا وربما عالميا، وكلها بالطبع، مُطعّمة بالسياسة. فقد طرحتُ موضوع هدم البيوت، كما في قصيدة “عبق الحنين” التي تحكي عن هدم بيوت قرية أم الحيران بتأريخ 18.1.2017، وقصيدة “غيداء” التي تحكي عن هدم البيوت في مدينة قلنسوة بتأريخ 10.1.17. أيضا طرحت موضوع هجرة اللاجئين من الدول العربية الى الغرب بسبب الحروب، أو بسبب البحث عن لقمة العيش في قصيدة، “حديث طيور مهاجرة”. ثم تناولت ظاهرة زواج الطفلات في النص الشعري: “زفاف قاصر”، حيث كتبتُ هذا النص عقِب مقتل إحدى فتيات النقب وتدعى حنان، وهي لم تبلغ التاسع عشرة سنة من عمرها، تاركة وراءها طفلين. كما تناولت أيضا موضوع اللجوء والغربة، الى التآخي والتسامح، ونبذ العنف والتحلي بالإنسانية، وهذه المواضيع برزت في الكثير من نصوصي الشعرية. أيضا تناولت موضوع ذوي الاحتجاجات الخاصة، الضوء على هذه الشريحة من خلال قصيدة: “طفل التوحد”. هذا بالإضافة الى موضوعات أخرى.

 

ما الشروط التي ينبغي أن تتوفر للشاعرة الناجحة؟

أن تتوفر للشاعرة والشاعر أيضا. برأيي أن تكون قارئة ومثقفة، مرهفة الحس، تملك الأدوات الفنية التي تعينها على التعبير عن مشاعرها وأفكارها، متواضعة، تتقبل النقد، ان يكون مبدأها، الكيف لا الكم.

هذا ما خطر ببالي الآن، لكن بالطبع هناك أمور أخرى.

 

أين تنشرين نصوصك الشعرية، في أي وسائل إعلام؟

أنشر بالأساس على صفحتي في الفيس بوك.  وفي بعض الأحيان، أفاجأ بأن ما أكتبه يُأخذ وينشر في مجلةٍ ما أو موقع إلكتروني معين، من قبل أصحاب هذه الوسائل وأوافق على ذلك. أيضا أنشر في الصحف والمجلات المحلية مثل: الاتحاد، شذى الكرمل وغيرهما. وصحف ومجلات في الدول العربية مثل مجلة: ” مبدعون” الورقية والصادرة عن المركز العراقي للأدباء والفنانين، وجريدة أنوال، ودعوة للتفكير، المغربيتين، كذلك أنشر في مواقع الكترونية، مثل: الحوار المتمدن، موقع صحيفة العربي اليوم، كنوز نت، ذي المجاز، دنيا الوطن، صحيفة المنارة الدولية، بانيت وغيرهم.

 

أجمل قصيدة كتبتيها وتعتزين بها، وماذا تقولين فيها؟

أعتز بكل قصيدة كتبتها. فالشاعر يعتبر قصيدته مثل ابن له. لكن قصيدتي الأخيرة “سَقام” لها وقع خاص في نفسي، فقد كتبتها بتاريخ 12.4.2018، بعد تعرضي لحادث، مما اضطرني لإجراء عملية جراحية في يدي، وكانت هذه المرة الأولى التي أبيت فيها في مشفى. وفي نفس الوقت كان الحال في الشام الحبيب يزداد سوءا، فدمجتُ بنظمها بين العام والخاص. وهذا جزء منها:

كنتُ أرى أمي تبكي ياسمينَ الشامْ

وماءَ الفراتِ، وقهوةَ اليمنِ، وبرتقالَ يافا وشمسَ بيسانْ

ثم على عجلٍ، تكفكفُ الدمعَ

وتنهضُ لتردَّ عني مَلكَ الموتِ الى السماءْ

 

رأيك بمصطلح أدب ذكوري، وأدب نسائي؟

لا أوافق على هذا المصطلح بتاتا. هذا المصطلح إن دل، إنما يدل برأيي، على التمييز الذي نعاني منه في مجتمعنا الأبوي، الذكوري. برأيي الأدب والإبداع، هما أدب وإبداع. فالمرأة تستطيع أن تطرق جميع المواضيع وتبدع، كما الرجل.

 

ما رأيك بمستوى الحركة الأدبية الراهنة في البلاد؟

سؤال صعب، لأن الإجابة عليه تحتاج الى التطرق للكثير من الأمور، والى تناول جوانب عدة بالشرح والتحليل.  ولكن باختصار، أقول: أننا نشهد في مجتمعنا العربي الفلسطيني حركة أدبية ملحوظة، ومباركة.  فالذين يكتبون في الشعر والنثر، كثيرون. جيد أن يتجه الأفراد للتعبير عن مكنوناتهم بكتابة النثر والشعر، وهذا بالطبع أفضل من اللجوء الى العنف. لكن هذا لا يعني أن كل ما يُكتب جدير بأن يُقرأ. برأيي، الوقت والزمن كفيلان بأن يقوما بالغربلة.

 

ما رأيك بالنقد المحلي، وهل أنصفك؟

بداية، أنا لا أحب تصنيف العمل الإبداعي في أي مجال كان بحسب جغرافية المكان، وبالطبع، هذا ينطبق على النقد الأدبي. فبرأيي أن المبدع اليوم، قد اخترق الحدود بوجود مختلف وسائل الاتصال الالكترونية، فالعالم، كما يقولون، أصبح قرية صغيرة. كل ما أرغب بقوله عن النقد، هو أنه عملية مهمة لاستجلاء مكامن النص. وأضيف، أن على الناقد أن تتوفر لديه الأدوات لينقد العمل الأدبي دون مراعاة صاحب العمل، أي أن يكون مهنيا، وموضوعيا قدر الإمكان، وأقول قدر الإمكان، لأنه كما تعرف حضرتك، لا شيء موضوعي في هذه الدنيا. أما بالنسبة لسؤالك فيما إذا أنصفت من ناحية نقد لأعمالي، فجوابي بالقطع، لا. فلم يتناول أي ناقد أدبي أعمالي بالنقد، عدا حضرتكَ، ومشكور على ذلك، وناقد أدبي آخر، هو القدير، الدكتور طلال الغساني الحديثي وهو عراقي الجنسية. أظن أن سبب عدم نقد أعمالي يعود الى أني لا أطلب ذلك، كما يفعل غيري، او لربما لسبب متعلق بالنقاد أنفسهم.

هناك كثيرون يثنون ويطرون على ما أكتب، ولكني لا أعتبر هذا نقدا.

 

حفلات إشهار الكتب أصبحت موضة العصر، ما رأيك بهذه الظاهرة؟

في غياب جهات ثقافية منظِّمة لندوات أدبية، وفي ظل تناقص عدد القراء للمنشورات الورقية، أبارك هذه الحفلات، بشرط ألا يقيم الكاتب أو الشاعر حفل إشهار لأول إصدار له، وألا يقيم لنفس الكتاب حفل إشهار في كل بلد. فقد أصبحنا اليوم، نرى الكاتب أو الشاعر، يقيم في كل بلد حفل إشهار لذات الكتاب الذي أصدره، حتى أصبح الأمر مبالغا فيه، كما ذكرتَ حضرتك: “موضة العصر”. كما أنه ليس من العدل والإنصاف أن تكون هناك جهات داعمة (حزب معين، وسيلة إعلام لها صلة بالكاتب، أصدقاء…) لكاتب معين، فتسوِّقه إعلاميا، وتُقيم له الندوات وحفلات إشهار لإصداراته في كل بلد، وليس هذا لقيمته الأدبية، وإنما فقط لانتمائه للحزب او لمدى قربه وصلته من أصحاب النفوذ والمنابر. فأنا على سبيل المثال، لي إصدارات، لكني لم أقم بعد، بأي حفل لإشهار إيٍ من إصداراتي.

 

ما رأيك بمكانة المرأة العربية، هل نالت حقوقها، ام أنها ما زالت تعاني وينقصها الكثير؟

بالرغم من أن النساء في مجتمعنا العربي الفلسطيني ما زِلن يعانين من التمييز النوعي بين المرأة والرجل، ولأسباب تتعلق بالموروث الثقافي والديني، الا أنهنّ أحرزن تغييرا لا بأس به في مكانتهن. وهذا التغيير، يعود الى أكثر من عامل، غير أن العامل الأهم والأقوى، هو إيمان المرأة بقدراتها الذاتية، ومطالبتها الحثيثة لنيل حقوقها. مع هذا، لا يمكننا أن نصف، اليوم، وضع النساء في المجتمع العربي الفلسطيني بجيد، فرغم التغيير الذي حدث، وما زال يحدث، هناك قضايا ما زالت تناضل النساء من أجل إيجاد الحلول لها. ومن بين هذه القضايا، قضية تشغيل النساء وتحسين ظروف عملهن في أماكن العمل.

 

حدثينا عن اصداراتك وما مشاريعك الأدبية المستقبلية؟

صدر لي في سنة 2017 ، 3 قصص لجيل الطفولة (9-12 سنة) وهي:

قصة الكوكب الأزرق، وقد فازت بمصادقة وزارة التربية والتعليم، لتكون قصة مشاركة بمسيرة الكتاب لطلاب المدارس. ثم قصة” ضوء ملون“، وقصة ” ابو سليم وأصدقاؤه“، وقد أصدرت ايضا في ذات السنة ديوان “عبق الحنين”، الصادر عن دار النشر، نجيب محفوظ.

وبعد أقل من شهر من تاريخ اليوم، سيصدر لي قصة سكر.

أما عن مشاريعي الأدبية المستقبلية، فجاهز عندي للطباعة، مجموعة قصصية بعنوان” عروس في زمن الحرب”، هذا بالإضافة الى أنني أجمع المعلومات وأقوم بالبحث عنها، استعدادا لكتابة رواية، قد وضعت رؤوس أقلام لكتابتها، وسأعلن عن اسمها لاحقا.

 

كلمة أخيرة توجهيها للقراء؟

أقول للقراء: أقرئوا. ففي القراءة تبحرون الى عوالم ساحرة، تمدكم بالمتعة، والمعرفة. والمعرفة قوة.

أجرى الحوار: شاكر فريد حسن  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *