الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة في مضمون رواية “عشر صلوات للجسد ” للروائية د. وفاء عبد الرزاق/ بقلم: جوتيار تمر

قراءة في مضمون رواية “عشر صلوات للجسد ” للروائية د. وفاء عبد الرزاق/ بقلم: جوتيار تمر

قراءة في مضمون رواية “عشر صلوات للجسد ” للروائية د. وفاء عبد الرزاق

بقلم: جوتيار تمر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنفتح عوالم الرواية منذ الوهلة الأولى على مسارات متشعبة، تحاكي الواقع بكل صلاته، فمن العنوان (عشر صلوات للجسد)، نلامس تلك اللمحة التي تجمع بين ال ” صلوات ” ، والجسد، ويفرض علينا العنوان الانتباه لأمر مهم، لكونه لا يقدم لنا صلوات الجسد، التي قد تخلفت في طقوسها ومضامينها عن الصلوات التي تقدم للجسد، وهنا المفارقة، فالرواية من خلال عنوانها بلاغياً تقدم لنا نقلة مغايرة عن السائد الذي يمكن للكاتب أو المتلقي أن يتعايش معه ذهنياً، وعلى ذلك الأساس نجد الروائية  وفاء عبدالرزاق، في تميزها ومغايرتها للسائد تحاول بناء رؤية لا تعتمد على الظاهر الملتقط من أتون الواقع سواء التاريخي ” ميتا تاريخ ” أو الميثولوجي المسيطر على ذهنية الواقع الملتقط منه الحدث الرئيسي والذي منه تتفرع الأحداث لتتحول من خلال السرد أو الميتار سرد إلى التقاطات شمولية عبر الدخول في بؤر سردية تربط إحداها بالأخرى، أو تكمل إحداها الأخرى.

بُنيت الرواية على أسس جمعت بين الميتاتاريخ والميثولوجيا، فقد تعمدت الروائية أن تتوغل في ذلك العمق التاريخي، لتمسك بأولى خيوط للحِراك النسائي – المرأة – حيث تبرز ملامح ” إنهيدوانا ”  الكاهنة المنغمسة في غياهب الحب والتسامح، والتي بروحانيتها وارتباطها الوثيق بالآلهة “إنانا” استطاعت تغرس أولى بذور الحب في الأرض التي تسعى الروائية من خلال نصوصها دائماً على تنقيتها من براثين الصراع والتفكك والدم المراق بغير حق، وهي بذلك تحاول إنتاج رؤية تلاحمية حلولية ترابطية بين الآن وبين الماضي السحيق، حيث اللغة هي الحب، والوجود يتمثل بالتسامح، والإنسان إنسان، مهما كانت جنسيته، ثقافته، ديانته، فالجامع الأول والأخير بينهم هو الأرض ، والرواية هنا لا تحاول فقط خلق واقع جديد، أنما تؤكد على جذور ذلك الواقع، وانه ليس على الإنسان سوى أحياء معالم ذلك الواقع، وتأتي تلك الإيحاءات الرامزة على لسان بطلات الرواية التي يمثلن مشاكل وجودهن الحاضر بعين الكاهنة، فالمرأة بين عنفوان الجسد والشهوة من جهة، وبين وجودها ككائن فعلي تشاركي في الوجود نفسه إشكالية تصدرت الكثير من الدراسات والقصص والقصائد والنصوص النثرية والروائية، ولكن في رواية ” عشر صلوات للجسد ” اختلفت الرؤية، وحتى أسلوبية الطرح اختلف، فالروائية وفاء عبدالرزاق لم تقحم المرأة في صراعات العصر من خلال مفاهيم الاستغلال الجسدي والجنسي وغير ذلك، أنما جعلت نساءها يتخذن من أسلوب حياتهن طرحاً مغايراً للفكرة، والرؤية، حيث نلامس في حركية السرد لديها دوائر نسوية تحفر في جدران الواقع من خلال سلوكياتهن بجدليات لاتقف عند حدود واحدة بل تعددية واضحة في الطروحات ” العشق ، الخيال ، الاختناق، الانبعاث، الحكمة، والجسد، والأرض….”، والعديد من المجالات الأخرى التي يمكننا أن نستنبطها من سلوك نساء وبطلات الرواية، اللاتي يخرجن من تعددية انتمائية ووفق نمط اجتماعي مغاير، بحيث تضعنا الروائية أمام ثقافات ومجتمعات متباينة ” الهند في شخصية هينار ، ومهيرة من باكستان، وبربارة من المغرب،  وخضرة يهودية الديانة، ودلكش ذات الأصول الإيرانية، وقبس وفتنة.. وغيرها”، حيث جمعت بين الثقافات الشرقية والغربية والديانات الشرقية والغربية، فضلاً عن إقحامها لشخصيات تاريخية ذات أبعاد دينية أيضا كزبيدة العباسية، وجان دراك القديسة، والكثير من الشخصيات اللاتي أن تمعنا النظر اليها وجدنها تغطي غالبية جغرافية العالم المعاصر، ليس من حيث الحدود الجغرافية فحسب، أنما من حيث الدوائر الانتمائية الأصغر إلى الأكبر إلى الأكبر، تلك الدوائر التي تمنحنا كمتلقين مساحة تخييل واسعة بحيث عند محاولتنا لجمع الصور ببعضها نجدنا نعيش عمق الإشكالية الاجتماعية للمرأة في جميع تلك الدوائر، فمن ترسبات الحياة القبلية إلى تراكميات الأعراف الاجتماعية، ومن ثم مثاليات التشريعات الدينية المنوعة الرسالاتية والسماوية والأرضية، مع كماليات الحياة المعاصرة، كل تلك الصور المتداخلة تتجمع على لسان بطلات ونساء الرواية، لتجعلنا نقف على مضامين منوعة وذات أبعاد فكرية ووجدانية عميقة جداً.

ما يلفت النظر في الرواية أيضا تلك الأبعاد التي عملت الروائية عليها، بالأخص فيما يتعلق بالشخصيات التي وجدنا ظلالهم تقتحم بعض الأسطر والتي تحمل مدلولات تاريخية وأخرى سياسية، فالعمق التاريخي الذي نلاحظه من الموروثات السومرية القديمة والأكادية أيضا من خلال احد ملوكها سرجون الأكادي، نجد له بعد أخر في شخصيات أخرى كالخيزران  زوجة الخليفة العباسي المهدي، في حين نستحضر شخصيات ثقافية وأدبية كديستوفسكي وجلال الدين الرومي تضعنا الروائية أمام بولا الكولومبية، وزبيدة العباسية، وغيرها من  الشخصيات التي حين نحتكم إلى فعالية وجودها نؤمن بفعالية وجودهن في المقابل، وكل ذلك من خلال البناء السردي الموفق على لسان الراوية الأساسية في الرواية ” أزاهير ” التي غالباً ما نسمع صدى صوتها من خلال المرايا التي تستشهد الراوية بها للتعبير عن المحاورات الجوانية لبطلات الرواية ونسائها، فالأصوات المسموعة أحيانا تتعدى كونها صدى لتمتمات البطلات أمام تلك المرايا، فماوراء الجدران حيث يكتظ أولئك الذين استطاعوا من خلال سطوتهم كبت انقاس المرأة ، هم انفسهم الذين لا يتركون المرأة حتى في أحلامها أن تعيش بأمان، وذلك ما فرض نوع من التضاد في شخصية الرجل بنظر المرأة وذلك التضاد الازدواجية غير مقتصرة على ثقافة معينة، أو دين معين، أو قوم معين، أنما هي شبه طاغية على اغلب الثقافات تلك، ودائما الضحية هي المرأة، وبذلك استطاعت الروائية وفاء عبدالرزاق أن تقدم لنا أنموذج روائي ميتا تاريخي وفق أسلوب ميتا سردي مميز ومتمكن.

جوتيار تمر / إقليم كوردستان

28-3-2021

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman