الرئيسية / مقالات / تهافت الأدباء والنقاد / بقلم: حمود ولد سليمان “غيم الصحراء”

تهافت الأدباء والنقاد / بقلم: حمود ولد سليمان “غيم الصحراء”

تهافت الأدباء والنقاد

بقلم: حمود ولد سليمان

“غيم الصحراء”

ـــــــــــــــ

قبل سنوات. وكانت الصحافة الورقية هي الرائجة آنذاك ولم تكن الإلكترونية قد اكتسحت الساحات الثقافية كما اليوم

 

كنت أواظب على شراء صحيفة عربية لا أريد أن أذكر اسمها والبلد الذي تصدر فيه. لدواعي أخلاقية. ولم يكن يعنيني من هذه الصحيفة سوي صفحتها الثقافية. وقد تابعت فيها مقالات شيقة وكانت عبارة عن ردود واتهامات ومعارك حامية الوطيس بين كاتبين عربين أعترف لهما ببعض الفضل علي.

 

إذ أستطيع أن أقول إنهما ساهما مع كتاب آخرين في تكويني وصقل وعيي الأدبي

 

كلا الكاتبين يزعم أن صاحبه سرق منه عنوان روايته. وتحولت هذه الدراما إلى مادة أدبية دسمة ونافذة واسعة من خلالها

 

تعرفت على مكنونات الكاتبين ورؤيتهما للإبداع ونمط تفكيرهما الأدبي. كلا الكاتبين اعرفهما معرفة شخصية

 

. أحدهما منفتح جدا واسع الثقافة ومتحرر نوعا ما وغزير الإنتاج والآخر شيوعي مرح وقومي محب للتراث. كلما فكرت

 

. أن أكتب عن تلك المعركة وخفاياها التي أعرف بعضها وبعضا من مثيلاتها الكثيرة. لا تطاوعني نفسي وأعدل عنها إذ الكتابة عن مثل هذه الأشياء في نظري مجلبة للأحقاد وليست ذات فائدة. ثم إن أحد الكاتبين قد أفضي إلي ربه رحمة الله عليه ولم يعد من المناسب ذكر ذالك الحديث.

 

معركة العناوين تلك في نظري   تجسيد حي ودليل ساطع يعكس    أوهام الأدباء الكثيرة وصراعاتهم على الريادة والتفرد وحب المنصب وهي متأصلة في الفكر الأدبي العربي وقلما يخلص كاتب من هفواتها أو ينجو من عثراتها.

 

وعادة ما يتم توصيفها بأنها داخلة في باب السرقات الأدبية التي تناولها النقاد القدماء والمعروفة. دون النظر إلى زاوية توارد الخواطر والأخذ بمعاذير المتنبي أن الشعر “الأدب “جادة قد يقع فيها الحافر على الحافر وأنها خاصية ليست خاصة بالأدب العربي وإنما تنسحب على الإبداع في جميع الثقافات.

 

مع أن المسألة لا تسلم دائما من الاعتبارات الإيديولوجية وعوامل الحسد والغيرة والتنافس بين الأدباء. على الشهرة والمنصب والمال.

 

بعض الأدباء يري في عناوين كتبه وأفكاره ولغته مناطق محمية محررة لا ينبغي لأي كاتب أن يرتادها أو يأخذ من خيراتها. ناسيا أو

 

متناسيا أن الإبداع ركام معرفي ولا يمكن أن يتأتى لأحد دون أن يقرأ تجارب من سبقوه أو الذين في عصره أن الخليقة

 

جمعا تكتب نصا واحد كما قال جيرار جنت

 

من الغريب في هذا السياق أن بعضهم وصل به الأمر إلى حد بعيد من السخافة فصار يرى كل “طوق الياسمين “له علاقة بكتابات الكاتب الكبير واسيني الأعرج وعوالمه بدليل أن له كتاب بهذا العنوان. والأغرب من ذالك أن تجد الناقد يصر على التأثير والتأثر بالكاتب ويسقط نظريته راسما التقاطعات بين الكاتبين. في الوقت الذي قد يكون فيه اشتراك الكاتبين في العناوين مجرد توافق ومحض صدفة وليس بالضرورة أن يكون

 

نتيجة تأثر بالكاتب.

 

وبعضهم يشتط كثيرا حتى إنه يعيب علي الكاتب استخدامه لمفردة   استخدمها من قبله متناسيا أن اللغة ملك للجميع وكل كاتب تنتسج في أسلوبه ولغته آلاف الأساليب والكلمات بوعي منه ودون وعي. وليس من عيب أو سرقة في ذالك

 

2/   النقد اليوم في كثير منه أصبح سلطة لها مافيات وإغراءات. تمارس القمع الفكري علي الكاتب وتسعي لتكميمه وتحطيم معنوياته. وتساهم في تأسيس وتكربس الرداءة

 

لم يعد النقد تجربة وخبرة وممارسة وتفكير في العمل الأدبي كما كان مع الرواد    مارون عبود في مختبره وطه حسين في الشعر الجاهلي ونعيمة في غرباله وغيرهم. وطبعا هناك نقاد متميزون لكنهم يشكلون حالات استثناء. رغم اختلاف مدارسهم ومنطلقاتهم مثل

 

عبد الله الغذامي. وجابر عصفور. وعبد السلام المسدي. عبد العزيز حمودة. عبد الملك مرتاض. سعيد يقطين وحسين سرمك. وحاتم الصكر. وصلاح فضل. محمد مفتاح. وغيرهم لكن الغالبية العظمي من النقاد اليوم لا علاقة لها بالنقد.

 

ومعظمها باحثين أكاديميين لصقت بهم تسمية نقاد أكاديميون

 

لذالك ليس غريبا أن نري ارتحالات   هنا وهناك وتخبطا في الممارسة النقدية. وليس عجيبا أن نري تقديما للكتب الأدبية من غير متخصصين وأن يشيع “النقد المقدماتي ” كنوع من النقد الموارب من قبل أشخاص يقحمون أنفسهم في أشياء ليست من اختصاصهم جريا وراء الشهرة أو استجابة لصداقة أو رابطة قرابة أو شيء آخر. فتجد طبيب بيطري يحدثك في أدق جزيئات الفنيات السردية أو تاريخ ظهور الأجناس الأدبية.

 

فتحار. طبعا ليس لأحد أن يحجر على أحد في المعارف. لكن احترام التخصص مطلوب في كل شيء. وأكثر ما يحرك هؤلاء النقاد هو المجاملات والبحث عن الشهرة وليقال عنهم موسوعيين

 

من النقاد من يصاب بالغرور فيري نفسه عالما بكل فن وفوق كل اعتبار وليس لأحد أن يناقشه. أو يعترض عليه.

 

ويسعي جاهدا لتوظيف ترسانة من المناهج المعلبة والمنتهية الصلاحية على كل مكتوب. حتى وان لم يكن المنهج يصلح فيلجأ إلى التكييف القسري. ولا يفكر ويأخذ بالسياقات الثقافية التي انتتجت هذا المنهج أو ذاك.

 

وهو نفس الغرور الذي يصيب بعض الأدباء      بوهم الخلود والعبقرية حتى تنتفخ أوداجهم. وعندما يسألك أحدهم إن

 

كنت قرأت له فإن قلت له. إنك لم تقرأ له

 

ينظرك بنظرة شزراء وعلى شفتيه ابتسامة صفراء ويغمغم في نفسه: كأنه يقول لك أنت جاهل؟ لأنك لم تقرأني!

 

تهافت الأدباء كثر ولمن يريد أن يقف عليه أكثر أن يراقب ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي من زيف وخداع. الكاتب الذي لا تمطره صباحا ومساءا بالإعجابات والإطراءات سيرميك أولا بالجهل وضيق الأفق وقد يهجوك وبعدها سيحذفك من قائمة أصدقائه نهائيا. وعليه فحذار

 

إن سألك كاتب عربي عن كتبه أن تقول له أنك لم تقرأها. وحذاري أيضا أن تقول لناقد أن منهجه معقد أكثر من اللازم وأن تطبيقاته على النصوص غير موفقة. أو أنه قديم أو يدعي في العلم فلسفة. كل ذالك سيجعله يستشيط غضبا.

 

وسيرميك بالجهل المطلق.

 

************

 

بعض الأدباء لا يقيم وزنا للغة /يكسرها ويشوهها. ويعتقد أن ذالك تحررا. وينسي أن للغة قواعد تواضع عليها أهلها ولها تاريخ

 

وأنه لم يخلقها. وأنها عاشت قبله بآلاف السنين. يتجاهل كل ذالك فلا يتعدى ما يكتب لحظته تلك. ثم يطمره النسيان وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء وثنيون ومتواطئون ضد الله وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يلاحقه الفشل الذريع في كل حياته لذالك تعود أن يسب الخالق العظيم وكذالك بعض النقاد.

 

بعض الأدباء لا يخلص حياته لما يكتب وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يخفي ذاته أكثر من اللازم عندما يكتب وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يظهر ذاته أكثر من اللازم وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يأكل كما تأكل الأنعام. ولا يعنيه الوجود في شيء

 

وكذالك بعض النقاد.

 

بعض الأدباء يحب الحرية ويدعو للعبودية فيما يكتب وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يؤله ذاته وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء لا يشبع من التفكير المتحرر واجترار الذات

 

وبعض النقاد لا يمل من التجريد البعيد واللف والدوران

 

بعض الأدباء يعمد إلى التعقيد المبتذل وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء لا يعيش لفكرة ولا مبدأ وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء مهووس بالشهرة وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يحب المال حبا جما وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء مغرور بالإثم وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء كارثة على الأمم وكذلك بعض النقاد

 

بعض الأدباء لا يعرف غير النفاق فيما يكتب وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء لا يعرف غير الكذب والخداع فيما يكتب وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يبيع شرفه كل يوم مقابل المال   وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء يسرق ويظل يسرق ويسرق حتى آخر لحظة في حياته وكذالك بعض النقاد

 

بعض الأدباء وما أكثرهم ليس له من صفة الأدب شيء وكذالك بعض النقاد.

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

على نكْءِ الجراحِ أرشُّ مِلحاً / بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

ولــي قــلبٌ تعاندُهُ الصّروفُ ونــهرُ الــحادثاتِ بــه يحوفُ – إذا تــركَ الــرَّبيعُ ...

غزة غزوات / بقلم: عصمت شاهين دوسكي

منى النفس غزواتها وحدها على كبد شروخها راع الصدود عادة حملت الوهن ...

غزة الأمة وأمة غزة/ بقلم: خالد السلامي

منذ نكبة فلسطين في ١٩٤٨ تلك السنة العجفاء بل وقبلها حين بدأ ...

الظل والقرين/ بقلم: فاطمة معروفي

قصيدة من ديوان “نفس الماء” ضوضاء الصمت…… من حولي تكبل نقطي تمسح ...

أسمال الفزاعة البالية للشاعر بادماسيري جاياثيلاكا / ترجمة : بنيامين يوخنا دانيال

هايكو ( 1 ) أسمال الفزاعة البالية يسحب الحباك خيوطها * من ...

في الجهة الأخرى من الخديعة / بقلم: سالم الياس مدالو

  في الجهة الاخرى من الخديعة تفرك الغربان باجنحتها الشوك العوسج والحنظل ...

حلبجة الجريحة / بقلم: عصمت شاهين الدوسكي

  هلموا اسمعوا هذا الخبر نبأ اليوم قد تجلى حضر من قريب ...

واحة الفكر Mêrga raman