الرئيسية / خواطر ونصوص شعرية / تلك المرأة…/ بقلم: هند زيتوني

تلك المرأة…/ بقلم: هند زيتوني

تلك المرأة…

بقلم: هند زيتوني| سوريا

إلى لاجئة سورية تدعى: س. س/ تزوجت قسراً بسبب الحرب

ــــــــــــــــــــــ

أيها الذئبُ المريض

 

الأنثى التي تتمدّد بجانبك في السرير، ليست سوى دميةٍ مفخخة بالألم

 

ضحيةٍ تختبئُ تحت جفنيها جثثُ المعارك

 

نجمةٍ تحترقُ كل يوم في سمائك

 

كما تحترقُ قبلةٌ على شفاه عاشقٍ ميِّت

 

تلكَ الطِّفلةُ تلفُّ جسدَها بشالِ روحِها الرقيق، تحتسي دمعَها كلما جفّتْ أغنيةُ المطر

 

لم تعرفْ كيف رستْ سفينتها على ذلك الشاطئ البعيد

 

الحربُ سيِّدةٌ عاهرةٌ تبيعُ النُّهودَ الطريَّةَ لعابري السرير

 

كم يورو دفعتَ لتشتريَ قلباً محترقاً وعيوناً فارغةً من البريق؟

 

هي قدَّمتْ جسدَها قرباناً لأنيابك، وقدَّمتْ دمها كرغيفٍ ساخنٍ لأفواهٍ جائعة

 

لم يستطع أن يفكَّ شيفرةَ توقِها أحد لم يعلم أنّ ابتسامتها المريضة

 

مصباحٌ فارغٌ من الزيت وجهها الوديعُ آيةٌ مقدَّسة، كان يرتِّلُها حبيبُها قبل أن ينام

 

يحسَبُها الغريب لعبةً جميلةً من البورسلان الملوّن

 

رآها في فيترينة الحياة وأحبَّ اقتناءها

 

تفرُّ نار الرغبة من شمعة الجسد تتدلّى عناقيد الشهوة من سقف الغرفة

 

لا تستطيعُ أن تشمَّها أو تتذوَّقها ثمّةَ أيدٍ غريبةٌ تلوِّحُ لها من بعيد فترتجفُ

 

كورقةٍ خريفيَّة

 

يدٌ خضراءُ واحدةٌ كانت قد حضنَتها قبلَ أن تصبحَ رماداً، أمُّها قبَّلتْ جبينَها وحلَّفتْها بسنابلِ القمح أن تكونَ زوجةً صالحة، أن تخافَ اللهَ في هذا الذِّئب وترضعَهُ من نهديها إذا جفَّتْ بحيراتُ الإله

 

أن تكونَ ملاكاً صامتاً لا يسجِّلُ الخطايا

 

لم تقلْ شيئاً سوى “آه يا أمي، اليومَ سأبتعدُ عن شجرةِ الليمون التي رعيتُها

 

ولكن أشعرُ الآن بأن قلبي تحوَّلَ إلى شجرة؟ كيف أكون شجرةً وليس هناك عصفورٌ واحدٌ يقفُ على غصني؟

 

تكتبُ في مذكَّراتِها: “كلُّ النساء صُنعن من الطين، أما أنا فخُلقت من دموع السماء”

 

ما زالت تجفِّفُ نوافذَ قلبَها من ملامحِ حبيبها الغائب تصنعُ من الملح سفينة للضحايا

 

ثمّةَ ذاكرةٌ مظلمة

 

تطعنُ كلَّ عصافيرِ الفرح، والآن عليها أن تُغرقَ كلَّ أيَّامِها في زجاجةِ فودكا قديمة، لتنسى الحياةَ الخارجةَ عن الوقت المنقوعةَ بشهوةِ ذئبٍ طارئ

 

ثمَّةَ موتٌ شهيٌّ يطرِّزُ حافَّة الهاوية بالنرجس والنيلوفر

 

ويغريها بالرحيل

 

ليست هي من اختارت أن تكونَ دميةً جميلة، ليلهو بها ظلٌّ غريب

 

ليست هي من اختارت أن تكون قيثارةً جوفاءَ عاريةً من الألحان

 

تلك المرأةُ لم تتعلَّم الحبَّ على يدِ صيَّادٍ ماهر، لكنها أصبحت اللقمة في صحنِ ثعلبٍ جائع

 

ما زال الغريبُ يأتي في المساء، يأكلُ طبقَهُ المفضَّلَ ثم يتمرَّغُ على رمال جسدها

 

مثلَ لاجئٍ جاء من بلاد الصقيع، ينشدُ الدفءَ واللذة

 

تلك التي تتمدَّدُ في سريرك البارد، ليست إلاّ ثلجَ العتمة

 

وردة ذابلة ابتلعتْ رحيقها واعتنقت الصمت

 

قالت له ذات يوم: هذا الليل يفّكُ جدائلي ليصنع مشنقة لجسدي

 

لأهبط من أرجوحة الجموح وأدفن غريزة الأزهار

 

ضوءٌ باهتٌ يذبلُ في نهاية ممرٍّ مظلم ها هي تُخمدُ جلجلةَ الصَّمت وترتِّبُ هزائمَها لتضعَها على رفِّ الأمنيات لمن ستشكو ألمَها؟ لعجز الصدفة؟ أم لخوفِ المتسولين؟

 

تلك المرأةُ التي أرى وجهَها في المرآة تلاشت كغيمة صيفية، ما زالت تحصي خيباتِ الجسد، لم تعد تبحثُ عن عطرها ولا عن مائها، أسأل أينَ هي؟ أنظر في مرآة الغياب، وأنا هنا أراقبُ وردةً أخرى تذبلُ في آنية الانتظار…

 

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية Hejmara (21) a Kovara Şermola Derket

  صدور العدد (21) من مجلة شرمولا الأدبية   صدر العدد (21) ...

السهل الممتنع في ديوان “للحبر رائحة الزهر” للشاعر نصر محمد/ بقلم: ريبر هبون

وظف نصر محمد الإدهاش مغلفاً إياه بالتساؤل مقدماً اعترافاته الذاتية على هيئة ...

شعاراتٍ العربْ / بقلم: عبدالناصرعليوي العبيدي

فــي  شعاراتٍ العربْ دائــماً تَــلقى الــعجبْ . رُبّما  المقصودُ عكسٌ لستُ أدري ...

 القراءة :النص بين الكاتب والقارئ/ بقلم مصطفى معروفي

من المغرب ــــــــــــ بداية نقول بأن أي قراءة لنص ما لا تتمكن ...

جديلة القلب/ بقلم: نرجس عمران

عندما تضافرتْ كلُّ الأحاسيس في جديلة القلب أيقنتُ أن رياحكَ هادرة ٌ ...

على هامش تحكيم مسابقة تحدي القراءة / فراس حج محمد

من فلسطين تنطلق مسابقة تحدي القراءة من فكرة أن القراءة فعل حضاري ...

نســـــــــــــرين / بقلم: أحمد عبدي 

  من المانيا “1”   توقف البولمان  في المكان المخصص له  بعد ...

أناجيكَ ياعراق / بقلم: هدى عبد الرحمن الجاسم

أناجيكَ بين النخلِ والهورِ والنهرِ وأشكو لكَ الإبعادَ في الصدِِّ والهجرِ إلامَ ...

واحة الفكر Mêrga raman