أُنثى من ماءٍ تودعُ 2018/ بقلم: سماح خليفة
…………………..
عزيزتي 2018 ما الذي يدفعُني للاسْتمرارِ في الكتابَة لك، وأنت التي رَحلْت ولم تمنَحيني حتى فرصَة الوداع؟!
أتذكرين عندما طَلَلْتِ برأسك من نافِذَةِ الحياةِ على حافّةِ البِداياتِ الجَميلة، تركُلين البابَ بقدمِك الواثِقَة في وجهِ 2017، بابتسامةٍ عريضَةٍ مُشرقةٍ، وغمازةٍ شقيةٍ تنبئ بعامٍ حافلٍ بالمغامرات، وبوجهِك الذي أربَكني لدفء البوحِ فيه ورهافةِ القصائِد التي تقطرُ من شفتيه، مدَدْتِ يدَك نحوي، مسَحتِ بأصابِعكِ ملامحَ وجهي، أبحرْتِ في عينيّ حتى فاضَتْ بِكِ نَفسي، هَمسْتِ في أُذُني: كيف لك أن تكوني أنثى من ماء، وتقفينَ على قدَمَيْكِ حتى اللحظة؟! ابتسمتُ حينها وقلتُ لك: لا تعلمينَ كم أحرزتُ من كَبواتٍ وكم حُفَرٍ شهِدَتْ على قدميّ المُدماتَيْن! عندَها لوّحْتِ أمامَ ناظري بِعصا الوقت ونفَثْتِ في كفَّيْكِ من روحِ الزّمنِ الجميل؛ ففاضَتْ منها أيامٌ بِغاية الرّوعة والبهاء والألوان، وقُلْتِ: أتَرَيْنَ كلَّ هذا يا عزيزتي؟ هو لَكِ، سأمنَحُكِ إياه بكلِّ محبةٍ وشغَفٍ للعطاء، ولكنْ بشَرط، أن تَحُطّي عن كَتِفَيكِ كلَّ ما أثقَلَتكِ به السنينُ العِجاف، وأن تهجُري عينَيكِ وتبتُري أصابِعَك، وتمضي دون أن تلتَفِتي لها، واثقةً بالنّور الذي سَيبزُغ من عينِ الشمس ليُنيرَ دربَك، ولا تأبَهي بأصابِعك المبتورة، سيَنبُت مكانها الحنّونُ وقد ارْتوى من هذا النور المُتَسربل في عروقِك.
“ها…ماذا قلت؟”
” قلتُ سأحاول”
“لا يكفيكِ شرفُ المُحاولة، الجُرأةُ وحدها كفيلةٌ بِجَمع ما تقاطرَ من ندى الأنا المُتوارية في ظلالك”
“قلتُ سأُحاول، امنَحيني تأشيرةَ فرح لِأسافرَ فيك وأروّض كلّ هذا الذي أثقلني وشدّني للوراء”
“سيشُدّك إلى قاع الزمن فَحاذِري، اترُكي كلّ شيءٍ خلفَك فلا شيء يستحِق، تذكري ذلك جيدا”
“سأُحاول”
“عنيدةٌ يا جميلتي”
“أحببتُك كثيرا 2018”
“إذن أقبِلي عليّ سأهديك فرحَة تتخِمُك العمرَ كله، هاتي إليّ قلبَك”
“قلبي المتواضِع لن يحتَمل”
“كوني جريئة”.
أذكرُ كيف تماهَت كفُكِ في صَدري، قبضْتِ على قَلبي، أوْدَعتِ فيه ما لا أستطيعُ وصفَه غيرَ أنّه شيءٌ ارْتوى به القلبُ حتى نبتَ له جناحان، حلّقَ بي عالياً في الأفُق، عالياً بِخفّةٍ حتى أحالَني نجمةً تتألّقُ وتحتضنُها السماءُ وتُباهي بها الأرضَ بما حَوَت. لحظات فإذا بأشيائي وعَيْنَيَّ وأصابِعي تسحبُني للأسفل، السماءُ تتشبّث بي من جهةٍ والأرضُ تجذبُني بِكُلِّ أشيائي من جهة، و2018 تصرخُ بي: “يا عنيدة، اقْطَعي حبالَ الوَصل وحلّقي عالياً”، أجبتُها بِكُل الهدوء الذي اعْتَراني في تلك اللحظة: “تَعِزُّ عليّ عيناي، هي أغلى ما أملِك، وأصابِعي التي حمَلتُها معي عُمراً بأكملِه كيف أبْتُرها وأتَخلى عنها؟! وأشيائي التي تُثقُلني أصبَحت جزءاً لا يتجزأ منّي”.
“يااه يا صديقتي!! أنتِ لَست أنثى من ماء، أنت أنثى من جِراح!! تنزِفُ نوراً سيُحيلُها ناراً، حتى يأذنَ اللهُ أو تَفنى دونَ ذلك!”
“أنا أنثى من رمادِ الزّمن الغارقِ في العدميّةِ، نُفِثَت فيها روحُ نسمةٍ علِقَتْ في محرابِ ناسِكِ يتلمّسُ طريقَ العودةِ إلى الله بهمةِ عاشقٍ للحياة”
لم أكّدْ أكمِل حديثي، هي لحظات، هكذا شعرْتُ بها حتى صفّرَت الريحُ، ولفَحنا بردُ الرحيل، وأجهشَت السّماء بالبكاء، ونضبَ درعُ الغَيمِ في صوتي لحناً وارفاً بالكثير من المشاعر التي تجنّبْتُ الإحساسَ بها كي لا أفقدَ طفلةً لازمَت صَدري، وتشبّثت بضلوعي ولم تتحرّر بعد، لكنّها اقترفَت الفرحَ على أثرِ فراشةٍ حطّت على أهدابها ذات غفوةٍ على كف حُلمٍ ناضجٍ في ثغرِ الليل، ورحلَت 2018، نعم رحلَت، أخذَت أشياءَها الجميلة وتركَت لي أشيائي أروّضها على مهلٍ بروحها العالقة في جسدي حتى يأذن الله!
كم أنت قاسية يا صديقتي 2018! أشعلْتِ فكرةً مجنونةً ما زالت ترتعشُ في عقلي، ثم رحلْتِ ولم تَمنحيني الوقتَ حتى لِأودعك!