الحياة/ حامد خضير الشمري
الحياة
ترجمة….
كنت أهمل نفسي بما فيه الكفاية
ونادرا ما أستشير الطبيب
لقد شربت الكثير من الخمور بصحة أصدقائي
بيد أني لم أجد طعم الدواء سائغا.
ولكن عندما جئت ذات مرة إلى دولة ” مالي ”
وكانت صحتي على ما يرام وقد شربت الخمر ودخنت التبغ
أوشك الموت العجوز أن يحملني بعيدا
من ” باماكو ” الحارة المزدحمة.
وكفارس يسقط أرضا من صهوة جواده
تشبثت بصدري ولكن عبثا
فقد أوقف قلبي ضرباته وكأنه أصيب بإطلاق
ولم يكن بوسعي أن أهمس بكلمة من شدة الألم.
ومع القطرات التي تتدحرج من جبيني باردة كالثلج
تذكرت مسراتي الماضية وأحزاني
وعلى الرغم من أن قنديل الحياة في دمي كان يتضرم خافتا
فقد نهضت على مرفقي بإصرار.
وبينما كان ضوء النهار يتلاشى في عيني
لم أستطع إلا أن أهمس:
” دعوني ألق ِ نظرة واحدة على سمائكم الأفريقية
ولو إنها ليست سماء بلادي. ”
دعوني أنظر إلى الأشجار الخضر حولي
ودعوا الطيور تحلق فوقي وتصدح بالغناء
آه ٍ يا لها من أغانِ ٍ مدهشة!
أليست تلك الطيور المغردة هي نفسها
التي تأتي محلقة إلينا في الربيع؟
لقد أمسكتني العديد من الأيدي الحانية
وأصبح العالم معتما في عيني فجأة
وأخذ يستدق كأنه رأس دبوس
عندما سقطت صامتا ووجهي مثل ورقة بيضاء.
وتراءى لي بأني سأموت في البلاد البعيدة
لأن قلبي أوشك على التوقف حالا
ولكن فجأة وبمعجزة رقّ الموت لحالي
وهو يوشك أن يلقي علي ّ حجابه.
واخترقت الحياة ستار الظلام المبكر
ورفت أجفاني بارتعاشة
وبدأ قلبي يخفق ويستأنف ثانية
تدفق نهر دمي القرمزي.
وعامت الغيوم الناصعة عبر السماوات الزرقاء الغريبة
بيضاء كوجوه أبناء بلدي
أو كراحات أيادي الأفارقة
وحدقت عيناي فيها على الفور.
ونظرت حولي إلى الناس وكم كانوا سعداء
وهم يرون حدوث هذه المعجزة
ولم أرَ في حياتي مثل هذه النظرات البهيجة
على تلك الوجوه الفتية الودودة.
وانسابت عبر أذني
كلمات الأصدقاء والصحاب السود والبيض
وكأنها موسيقى
فأصغيت وقد انهمرت من عيني دموع العرفان والسرور.
ومنذ ذلك الحين تجلب وجوه الناس البهجة لروحي
وأسمع الموسيقى في الأحاديث اليومية
ومنذ أن عدت إلى بلادي الجبلية فأنا أبكي وأبتسم
عندما أصغي إلى الطيور العائدة إلى أوطانها.
للشاعر الداغستاني: رسول حمزاتوف
ترجمة بقلم: حامد خضير الشمري